في ظلال رمضان - في ظلال رمضان.. (27) من (30)
فاعلم أنها تبدأ من القلب (ألا إن التقوى هاهنا..) وأشار إلى صدره صلى الله عليه وسلم.. فتقوى القلوب هي أصل التقوى ويلزم منها تقوى الجوارح..
(عندما تكون التقوى غاية عمر، وغاية جهد..)
وعندما تكون التقوى حالة تُعاش، وطعمٌ يُذاق، وملبس يستر ويزين.. وعندما تكون حساسية في ضمير وإرهافا في حس.. كلِمٌ طيّب وفعل حسن وأثر خيّر..
فاعلم أنها تبدأ من القلب (ألا إن التقوى هاهنا..) وأشار إلى صدره صلى الله عليه وسلم.. فتقوى القلوب هي أصل التقوى ويلزم منها تقوى الجوارح..
الغيب في القلب التقي شهادة، يعيشه بكينونته، أكثر مما يعيش الحاضر المنظور، شاغله غدا يقدم له {ولتنظر نفس ما قدمت لغد}.. يذكر الموت والبلى، والمصير في القبور وصمتها وظلمتها، وطول يوم القيامة وضحّه وهجيره وظمأه ونصبه، وخوفه وفزعه، وميزانه الدقيق الذي لا يغفل مثاقيل الذر.
يزعجه ويقلقه أمر الآخرة فيهب من الرقاد للمناجاة والأنين، وإصلاح الحال ، لعله ينجو {أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه} .
يعد نفسه في أهل القبور، لا حزنا ولا صراخا ولا عبسا في وجه أحد، بل بحثا عن بضاعة إذا نزل بها هذا المنزل كان سعيدا ناجيا، ينجو من كروبه وظلمته، ودوده وبلاه ونسيانه.. وإذا خرج منه يوم الموقف كان آمنا وسعيدا، ( {أفمن يُلقى في النار خير أمّن يأتي آمنا يوم القيامة} .
التقيّ شخص مشغول بالوقوف بين يدي ربه، {يوم يقوم الناس لرب العالمين} يخاف من حيرة اليوم وفزعه وتقطع الأنساب والأواصر وفقدان الحميم والأخلاء.. مشغول بالميزان قلق من الصراط، لقلبه وجيب ووجيف من تلقي الصحائف ومن لحظة سماع حكم الله تعالى بالنجاة أو الخسران.. هذا شغله وهذا إحساسه..
التقوى حالة للكلمة الصادرة، بين السوء والخير فيأت الخير، كلمةً وأثرا للكلمة، وما بين حسن وأحسن فيقول التي هي أحسن.
وفي الأفعال.. التقوى في معرفة الواجب والشعور به، وهيبته، وفعله، وترك المحرم والشعور بقبحه وهيبة إتيانه..
للتقيّ حواجز وحدود {وأُزلفت الجنة للمتقين غير بعيد، هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ، من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب}..
التقوى في الأخذ والعطاء، والموقف.. التقوى في مواقف الإشهاد التي يقتدى به فيها، أو تشرئب الأعناق اليه.
التقوى في حال الصمت أن يصمت قاصدا ترك الأذى، وفي الكلام أن يدفعه اليه طلب الخير والتوجيه اليه والدلالة عليه.
التقوى ينظر بها صاحبها الى أثر أفعاله وأقواله ومواقفه وآثارها، يخشى من عمل ينتهي منه ولا تنتهي منه الملائكة كتابةً لأثر سيء، كما يخشى أن يغادر الدنيا وما زال يُكتب له سوء من جراء عمله.. بل يبحث لاستمرار الأثر الحسن بعد انتهاء العمل بل انتهاء الحياة.
التقوى سمت وهدي وصلاح، حال وملبس، التقوى يظهر أثرها على وجه صاحبها وفي ثقل عمله وأثره، التقوى تصنع شخصية جديدة وفريدة.. ترجو خيره وتأمن شره، وتأمن على غيبتك لو فارقته، مطمئنا لقلبه وصدره، آمنا على موقفه، تأمن على عرضك ومالك وعورتك.. يسترك ويتألم لمعصيتك ويحب استقامتك ولا يرى لنفسه فضلا عليك! لا ينافس في دنيا، ولا يضيق بخير اليك، في الجنة متسع للتنافس والخير، صدر فسيح ويد جواده وشعور حسن وظن بخير.. يدلك على الخير بحضوره وغيبته، بواقعه وذكراه، بحياته ومماته..
قد لا تفطن اليه، لكن الملائكة مشغولة أن تكتب عمله وقوله وأثره ومشاعره واتجاهاته، وحزنه وفرحه، وهمه وقصده..
في الأرض لا يأمل، لكن للسماء شغلها بهذا التقيّ..
أرأيت كم نخسر ونحن ننصرف عن الغاية التي أرادها الله لنا؟
إن للسماء أمرها وللملائكة انشغالها.. ففيهم يختصم الملأ الأعلى (في الكفّارات والدرجات) في أفعالهم وأقوالهم.. فللملائكة شغلهم بالأتقياء.. فأقول لنفسي، ولك، ولكل مخلوق.. اتق الله.
- التصنيف: