المهديون بين الربوبية و الأئمة 2
ولعل المهديين قد مسهم شيء من هذا، فقالوا: "فمحمد صلى الله عليه وسلم وعلي رضي الله عنه والأئمة وعيسى عليه السلام فقراء إليه سبحانه وتعالى ، ويحملون صفة اللاهوت أي أنهم يؤله إليهم في قضاء الحوائج، وسد النقص، وتحصيل الكمال، وهم يقضون الحوائج، ويسدون النقص، ويكملون الخلق
ب- وساطة الأئمة والأوصياء بين الله والناس:
من الغلو الذي وقع فيه المهديون، قولهم: بوساطة الأنبياء والأئمة والأوصياء بين رب العالمين وبين خلقه، فقال اليماني بعد شرحه لما حديث من إبليس مع سيدنا آدم: "إن من يفهم ما بينته في أكثر من كتاب ومن خلال القرآن الكريم عن ملكوت السموات يعرف أن كون هؤلاء الأولياء من الأنبياء والأوصياء واسطة بين المعبود والعباد هي مسألة قهرية وحتمية وليست اختيارية للعباد، حيث إن مقام ومرتبة هؤلاء الأولياء فوق العباد، فلا بد للعباد من مرور بهم ليصلوا إلى المعبود"[1].
ج-اللجوء إلى الأئمة والاستعانة بهم:
إن المؤمن لا يستعين إلا بالله، ولا يلجأ إلا إلى الله، فهو وحده المعبود والمستغاث به، ولا ملجأ من الله إلا إليه،ومن لجأ إلى غيره او استغاث بغير الله، فقد أشرك مع الله، والعياذ بالله، ولعل المهديين قد مسهم شيء من هذا، فقالوا: "فمحمد صلى الله عليه وسلم وعلي رضي الله عنه والأئمة وعيسى عليه السلام فقراء إليه سبحانه وتعالى ، ويحملون صفة اللاهوت أي أنهم يؤله إليهم في قضاء الحوائج، وسد النقص، وتحصيل الكمال، وهم يقضون الحوائج، ويسدون النقص، ويكملون الخلق، ولكن بحول الله وقوته، وبإذن الله فلا حول ولا قوة لهم إلا بالله، فاتصافهم بصفة اللاهوت كما تبين ليست من نوع ألوهيته المطلقة، بل هم صورته سبحانه وأسماؤه الحسنى ووجهه الذي واجه به خلقه"[2].
د-حلول الله في الأئمة:
إن المهديين يأتون بعقائد غريبة عن ديار المسلمين، فعقائدهم أقرب إلى الهندوسية[3]
والمجوسية[4] والأديان الوثنية، تقول بحلول الإله في البشر، وبالتجلي في الخلق، وفي الإمام، فالمهديون يقولون: "اعرف الله سبحانه وتعالى بالله في الخلق، وهو الإمام المهدي، فهو-صلوات ربي عليه-تجلى وظهور الله في الخلق، أي تجلى وظهور مدينة الكمالات الإلهية في الخلق، وبعبارة أخرى: تجلى وظهور أسماء الله سبحانه في الخلق، فهو –صلوات ربي عليه- وجه الله سبحانه وتعالى الذي يواجه به خلقه، فمن أراد معرفة الله سبحانه لا بد من معرفة الإمام المهدي عليه السلام"[5].
وقالوا في حق النبي صلى الله عليه وسلم وعلي رضي الله عنه وفاطمة ل: "محمد تجلي الله، وعلي تجلي الرحمن، وفاطمة تجلي الرحيم في الخلق، فكل الموجودات مشرقة بنور الله في خلقه وهو محمد، وباب إضافة هذا النور الإلهي هما: علي وفاطمة-عليهما السلام-"[6].
وعنونوا لذلك الحلول والتجلي في كتاب التوحيد، بهذه العناوين: "الله في الخلق"، و"تجلي الألوهية للخلق في الخلق"[7].
ه-ادعاء اليماني أنه الحجر الذي في الركن اليماني:
يأتي اليماني بأوصاف وكلمات، تؤكد فكره الباطني الخبيث، "واليماني هو الحجر الذي في الركن اليماني في الكعبة المسمي بالحجر الأسود، واليماني هو كتاب العهد والميثاق المأخوذ على بني آدم، وعلى الأنبياء والمرسلين لنصرة قائم آل محمد، واليماني هو المهدي الأول المذكور في وصية رسول الله، واليماني هو النهر الذي يبتلى به أصحاب القائم، وهو السبعة والعشرون حرفاً من العلم التي تبث في الناس، ولم تبث في الناس فيما سبق ولم يؤذن لهم بورودها فيما سبق"[8].
و-وصف الأئمة بأوصاف لا تصح إلا لله تعالى:
كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً، حين افتروا على الله، بقولهم: "ولا تتوهم أن اتصاف محمد صلى الله عليه وسلم وأهل بيته، بصفة ألوهية هي بعينها ألوهية الله، بل إن هذا الأمر لا يخرجهم عن كونهم خلقاً فقراء لهم حدود مقيدون بها، وألوهيته سبحانه وتعالى ألوهية مطلقة، فاتصاف محمد وآل بيته بصفة الألوهية، وإن كان الفقر لا يكاد يميز فيها، ولكنها محتاجة وفقيرة له سبحانه وتعالى "[9].
بل قالوا بذلك في العباد عموماً، بأنهم قد يصلوا إلى ذلك في المنزلة، "والله سبحانه وتعالى يصل مع عبده في العطاء إلى أن يعطيه كله، فيخاطب عبده سبحانه: ( أنا حي لا أموت، وقد جعلتك حيا لا تموت، أنا أقول للشيء كن فيكون، وقد جعلتك تقول للشيء كن فيكون)، وهذا هو الاتصاف بصفة الألوهية في الخلق، أي أن يوصف العبد ببعض صفات الألوهية مع ملاحظة فقره، فهذا العبد حي لا يموت، ويقول للشيء كن فيكون وهي صفات الألوهية، ولكن الذي جعله هكذا هو الله، وهو يحتاج وفقيراً إلى الله ليبقى هكذا"[10].
ز-أُبُوَّةُ الله تعالى للأئمة والأوصياء:
إن النصارى هم الذين قالوا ببنوة سيدنا عيسى عليه السلام، ومن قبلهم قالت اليهود ببنوة سيدنا عزير عليه السلام، قال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ۖ ذَٰلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ ۖ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۚ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ} [التوبة:30]، فلقد ذهب المهديون مذهب اليهود والنصارى، "وأيضاً ليعرف الإنسان الحقيقة، وهي أن الخلق كلهم عيال الله سبحانه وتعالى فهو يرحمهم كما يرحم الأب أبناءه، بل هو أرحم بالخلق من الأم بولدها الوحيد، وأكيد إن المخلصين من الأنبياء والأوصياء والأولياء، أحب الخلق إلى الله، فهم أولى بأن يكون الله أباهم بهذا المعنى، ولأنهم أطاعوه ولم يعصوه سبحانه كما يطيع ويبر الابن الصالح أباه فيصح أنهم أبناء الله بهذا المعنى، وهم ليسوا
لاهوتاً مطلقاً بل عباد مكرمون"[11].
[1] التوحيد، لليماني، ص76.
[2] المرجع نفسه، ص108.
[3] هي ديانة الجمهرة العظمى في الهند، ويطلق عليها الهندوكية، والبرهمية، وهي أسلوب في الحياة أكثر مما هي مجموعة من العقائد والمعتقدات، فهي ثمرات لتجارب الأمم التي أدت دورها في تكوين الفكر الهندوسي، ومن أبرز عقائدهم: نظام الطبقات، وتناسخ الأوراح، ووحدة الوجود، ومن صور الأخلاق عندهم: التسول، محاربة الملاذ، تعذيب الجسم. انظر: مقارنة الأديان-أديان الهند الكبرى-، للدكتور أحمد شلبي، (ج4/37)، ط11/2000م، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، وانظر: دراسات في اليهودية والمسيحية وأديان الهند، الدكتور محمد ضياء الدين الأعظمي، ص529، ط2/1424ه = 2003م، مكتبة الرشد، الرياض-المملكة العربية السعودية.
[4] هم الذين أثبتوا أصلين اثنين مدبرين قديمين، يقتسمان الخير والشر، والنفع والضر، والصلاح والفساد، يسمون أحدهما النور، والثاني الظلمة، وزعموا أن الأصلين لا يجوز أن يكونا قديمين أزليين، بل النور أزلي والظلمة محدثة، ولهم اختلاف في سبب حدوثها أمن النور حدثت، والنور لا يحدث شراً جزئياً فكيف يحدث أصل الشر، وبهذا يظهر خبط المجوس. انظر: الملل والنحل، ج2/261بتصرف.
[5] المتشابهات، ص19، سؤال رقم1.
[6] المرجع نفسه، ص31.
[7] انظر: كتاب التوحيد، لليماني، ص49 و ص106.
[8] الجواب المنير عبر الأثير، ص76.
[9] التوحيد، لليماني، ص48.
[10] المرجع نفسه، ص81.
[11] المرجع نفسه، ص94.
- التصنيف: