قواعد الإفساد المعاصر
فأضحت الصحوة الإسلامية بمكاسبها الوليدة خطرا حقيقيا على الهيمنة العلمانية الجاثمة على العالم الإسلام , فاشتغل العدو منذ عقود على مواجهتها بطريقته الخاصة , التي تعتمد في كثير من مشاهدها على عدم المواجهة المباشرة .
عبد الله السالم
شهد العالم الإسلامي منذ عقود صحوة إسلامية عارمة , اكتسحت المجتمعات وتغلغلت في البيوت , واستطاعت أن تحقق مكاسب كبيرة في مجالات متعددة , في مجالات الدعوة والإغاثة والفكر والوعي والسياسية وغيرها .
وقد كانت الصحوة الإسلامية متفاوتة في مظاهرها ومختلفة في تياراتها , ولكنها في الجملة تمثل كتلة كبيرة , وظاهرة لها معالمها الخاصة بها .
ولم يكن تأثير الصحوة الإسلامية مقتصرا على سلوك الناس وعبادتهم وعلاقتهم بربهم وبدينهم , وإنما تجاوز تأثيرها إلى مجمل حياة الناس , فأثرت في عقولهم وغيرت من هموم الشباب المسلم وبدلهم من آمالهم وتطلعاتهم , وتوسعت أهدافهم وقويت عزائهم وتوجهت رؤاهم إلى إصلاح حياتهم وتحقيق عزهم ومجدهم .
واستطاعت الصحوة أن تحدث حراكا كبيرا في العالم الإسلام , بعد أن كان يعيش حالة من الركود العميقة .
وقد شعر بتموجات تلك الحركة العدو المسيطر على العالم الإسلامي وأذنابه , الذين لا يريد للأمة الإسلامية حياة كريمة ولا رجوع إلى دينهم الذي هو مصدر عزهم وإلهامهم .
فأضحت الصحوة الإسلامية بمكاسبها الوليدة خطرا حقيقيا على الهيمنة العلمانية الجاثمة على العالم الإسلام , فاشتغل العدو منذ عقود على مواجهتها بطريقته الخاصة , التي تعتمد في كثير من مشاهدها على عدم المواجهة المباشرة .
وأخذ العدو المتربص في كل مرحلة يغير من طرائقه ووسائله , وطفق في كل حقبة يبدل من شكله وخطابه .
ولكن مشاريعه الإفسادية لمواجهة التمدد الإسلامي في كل مراحلها تقوم على قواعد أساسية لا تكاد تتغير إلا قليلا .
وفي هذه الورقة نريد أن نسلط الأضواء قليلا على عدد من تلك القواعد , حتى يكون العاملون في المشروع الإسلامي على بينة منها .
القاعدة الأولى: تجفيف المنابع , والمراد بها أن تحاصر المنابع التي تساعد على تقوية الصحوة وإمدادها بما تحتاجه من عاملين وأموال وكوادر وغير ذلك , بحيث تعيش الصحوة في فقر دائم ونقص مستمر .
القاعدة الثانية : تحجيم المنابع , والمراد بها : أن تفتح بعض الوسائل ليشعر الناس بالأمان على الدعوة والعلم والتوجيه , ولكن توضع لتلك المنابع حدود معينة من الدعم والعمل فلا تتجاوزها , بحيث يكون تأثيرها محدودا يمكن السيطرة عليه عند الحاجة .
والفرق بين هذه القاعدة والقاعدة السابقة أن هذه القاعدة تسمح ببعض المنابع وبإبقائها مستمرة , ولكن مع تحجيمها ومراقبتها , وأما القاعدة السابقة فتقوم على محاصرة المنابع وإلغائها .
القاعدة الثالثة: محاربة النماذج الملهمة , والمراد بها الترصد لكل نموذج يمكن أن يكون ملهما ومؤثرا في نفوس الشباب , وموجها لهم في تحديد مساراتهم الدعوية والفكرية , ولا فرق بين النماذج الفردية أو الجماعية أو السياسية , فكلها سواء في قصد المحاربة .
ومن أهم الوسائل التي تحقق بها هذه القاعدة: ملاحقة النماذج الملهمة بالتهم والتشويه والشم وغير ذلك, بحيث تكون مناطق خطره أو مشوهة في نفوس الشباب المسلم .
القاعدة الرابعة: تفتيت القوى الإسلامية العاملة , والمراد بها أن تغرس بذور الفرقة والاختلاف والصراع بين الكتل الإسلامية العاملة , فيكثر بينها الشقاق والصراع والافتراق , وبعض تلك البذور تكون دينية محضة , فيرهق الشباب وتقع بينهم النفرة ويعادني بعضهم بعضها , وربما يسعى بعضهم للإضرار بالبعض الآخر عند السياسي أو غيره .
القاعدة الخامسة: الإرهاق الفكري , والمرد بها أن تضخ على عقول الشباب المسلم أكبر قيمة ممكنة من الأفكار المناقضة للأصول الإسلامية , عبر القنوات والمواقع وغيرها , بحيث يكون الشباب في شك دائم وينشغلون بالدفاع عن أصولهم أكثر من انشغالهم بالتفكير في تعميق مشروعهم وبنائهم في الحياة .
ويدخل في هذه القاعدة دعم الأفكار الغالية في التكفير ومن يحملها , وفتح المجالات لهم وتسهيل وسائل الانتشار لمشروعهم .
القاعدة السادسة: الإرهاق الحياتي , والمراد بها الحرص على أن يبقى شباب الأمة –وخاصة في المخازن الكبيرة- كمصر والشام- في رهق دائم من العيش وضيق ونكد , بحيث يكون الشباب مشغولين بتوفير لقمة العيش ليومهم , ويكون أكبر همهم وشعلهم المسيطر على تفكيرهم أن يتحصلوا على ما يقيم بها حياتهم , فلا يفكرون في شيء آخر من الحياة .
القاعدة السابعة: تكوين الجيوب الداعمة , والمراد بها تكوين أعداد من الناس تكون مهمتهم دعم مشاريع الإفساد ونشرها , ومواجهة كل ما يحاول أن يقف في طريقها .
القاعدة الثامنة: تكوين المرجعية الشرعية المناسبة , والمراد بها السعي إلى تكوين مرجعية شرعية تكون داعمة للقائمين على الإفساد إما بالدعم المباشر أو بتشريع السكوت عنهم أو صرف الأنظار عن أعمالهم , وقد تتنوع تلك المرجعيات فتكون مؤسسات وهيئات في بعض الأحيان وتكون أفرادا في أحيان أخرى , وقد يكون مفتين أو دعاة أو خطباء .
وكل قاعدة من هذه القواعد لها تطبيقات متعددة ومتغيره على طول العالم الإسلامي وعرضه , وما على المراقب إلا يفتح عينيه ويتابع الأحداث .
ونحاج المفسدين النسبي في تطبيق قواعدهم هذه – وغيرهما مما لم يذكر- ليس راجعا كله إلى قوتهم وتماسك مشروعهم , وإنما ساعدهم على ذلك ضعف كثير من المنخرطين في المشروع الإسلامي في تفكيرهم وعلمهم ووعيهم وإدراكهم .
وذكر هذه القواعد ليس المقصود منه المعرفة والترف التحليلي , وإنما المقصود منه أن يكون العاملون في المشروع الإسلامي على وعي وبينة مما يحاك حولهم ويصادم مشروعهم .
- التصنيف: