الوقاية من العين والحسد
الخلاصة : 1 – " العين حق ، ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين" . 2 – لا يجوز إنكار الحسد وقد ورد ذكره في القرآن الكريم ( سورة الفلق ) . 3 – يجب التوقي من العين والحسد باتباع الوقايات الواردة في السنة المطهرة
أمرنا الله عز وجل أن نستعيذ به سبحانه من شرور الخلق جميعا – من كل ما يتأتى منه
شر – فقال سبحانه وتعالى : قُ {لْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِن شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5) } [ الْفَلَقِ ]
في هذه السورة الكريمة – سورة ( الفلق ) – أمرنا الله عز وجل أن نستعيذ به سبحانه من شر كل مخلوق فيه شر ، ويتأتى منه ضرر في البدن أو المال أو في الدين أو الدنيا. ثم أتبع ذلك سبحانه وتعالى بالاستعاذة به عز وجل من شر الليل إذا أرخى سدول ظلامه ، لخفاء الضرر فيه . ثم ذكر سبحانه وتعالى النفاثات في العقد ، تلك النفوس السواحر التي تصيب الإنسان بالضرر من حيث لا يشعـر. ثم ذكر جل وعلا حسد الحاسد ، لأن الحاسد يتمنى زوال نعمة المحسود ، وقد تلتهب نار حسده ويشتد حقده فيسعى جهده بأدق مكايده في توصيل الأذى والضرر إلى من تفضل الله عليه بأنعمه . ويصف علماء البلاغة الترتيب الوارد في هذه السورة الكريمة بأنه ترتيب تصاعدي – أى أن الحسد أشدها ضررا وأعظمها خطرا .
أما العين فقد ورد ذكرها في القرآن الكريم بطريق الإشارة ، وذلك في سورة "يوسف" عليه السلام . إذْ يحكي القرآن الكريم عن " يعقوب " عليه السلام قوله لبنيه :
" {وَقَالَ يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ } " (67) [يوسف] .
جاء في تفسير "ابن كثير" : قال ابن عباس ومحمد بن كعب ومجاهد والضحاك وقتادة والسدي وغير واحد : إنه خشي عليهم العين لأنهم كانوا ذوي جمال وهيئة حسنة ، ومنظر وبهاء ، فخشي عليهم أن يصيبهم الناس بعيونهم ، فإن العين حق تستنزل الفارس عن فرسه . (انتهي كلام ابن كثير) . وقول "يعقوب" عليه السلام لبنيه بعد هذه الوصية : {وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ} معناه أن هذا الاحتراز لا يرد قدر الله وقضاءه ، فإن الله سبحانه وتعالى إذا أراد شيئا فلا راد لقضائه ولا معقب لحكمه . ولذا فوض "يعقوب" عليه السلام أمره إلى الله عز وجل فقال : {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ } . وقد عمل إخوة "يوسف" بوصية أبيهم "يعقوب" عليه السلام ، إلا أن الناس عرفوا أنهم إخوة من أجسامهم الفارعة وسيماهم المتقاربة فأصابتهم العين ، وكان من شأنهم ما قصه الله علينا في سورة "يوسف" عليه السلام .
العين في السنة المطهرة
في السنة المطهرة أحاديث كثيرة ، بينت آثار العين ومضارها بصورة واضحة ، توجب علينا التوقي منها . ففي صحيحي البخاري ومسلم ، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " «العين حق» " . وفي صحيح مسلم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "ا «لْعَيْنُ حَقٌّ وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا» " .
ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم : "العين حق" أي الإصابة بها أمر ثابت وموجود . ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم : " «ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين » " زيادة تأكيد لقوله عليه الصلاة والسلام : "العين حق" . وفيه تنبيه على سرعة نفاذها وقوة تأثيرها في ذات المَعين ، وأنها عظيمة الضرر بالغة الخطر، لو فرض أن شيئا له من قوة النفاذ وسرعة التأثير ما يجعله يسبق القدر فيؤدي إلى فناء شيء وزواله قبل أوانه المقدر له كانت العين ! وأما قوله عليه الصلاة والسلام : " وإذا استغسلتم فاغسلوا " فتوضحه قصة "سهل ابن حنيف" رضي الله عنه :
عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال : «اغتسل أبي سهل رضي الله عنه بالخرار فنزع جبة كانت عليه ، وعامر بن ربيعة ينظر إليه ، وكان سهل شديد البياض حسن الجلد ، فقال عامر : ما رأيت كاليوم ولا جلدَ مخبّأةٍ عذراءَ ! فوعك سهل مكانه فاشتد وعكه . فأُخْبِرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ، وقيل له ما يرفع رأسه . وكان قد اكتتب في جيش ، فقالوا هو غير رائح معك يا رسول الله ، والله ما يرفع رأسه ! فقال : هل تتهمون به أحدا ؟ فقالوا عامر بن ربيعة . فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فتغيظ عليه ، وقال : " علام يقتل أحدكم أخاه ؟! ألا برّكْتَ ؟! اغتسِلْ له " . فغسل عامر وجهه ويديه ومرفقيه وأطراف رجليه وداخل إزاره في قدح . ثم صب ذلك الماء عليه رجل من ورائه فبرأ من ساعته ، وراح سهل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس به بأس » . ( أخرجه مالك والنسائي وصححه ابن حبان ) .
قوله صلى الله عليه وسلم لعامر بن ربيعة : "علام يقتل أحدكم أخاه " ؟! دليل على أن العين تقتل ، وأنها قد تُدْخِلُ الرجلَ القبرَ والجملَ القِدْرَ ! ومعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : "ألا بركت" ؟! أي هلا دعوت له بالبركة ؟ قال ابن عبد البر : هو أن يقول : تبارك الله أحسـن الخالقين ، اللهم بارك فيه . فإذا دعا بالبركة صـرف المحذور لا محالة . وقال الباجي : هو أن يقول : بارك الله فيه ، فإن ذلك يبطل ما يخاف من العين ويذهب تأثيره . وفي حديث البزار عن أنس مرفوعا : " من رأى شيئا فأعجبه فقال : ماشاء الله لا قوة إلا بالله ، لم يضره " .
التعوذ من العين
في صحيح البخاري : عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعوّذُ الحسنَ والحسينَ رضي الله عنهما : " أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامّة " ، ويقول : " إن أباكما كان يعوذ بها إسماعيل وإسحق » .
وفي هذا الحديث دليل قوي وبرهان واضح ، على أن الإصابة بالعين كانت معروفة في الأمم السابقة ، وقد أمروا بالاستعاذة من شرها كما فعل أبو الأنبياء إبراهيم عليه وعلي نبينا الصلاة والسلام .
وفي البخاري ومسلم في كتاب الطب : عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها قالت : " «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرني أن أسترقي من العين» " . هذا لفظ مسلم ؛ ولفظ البخاري : قالت " «أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أمر أن يسترقي من العين » " .
كما ورد في باب الطب والمرض والرقى من صحيح الإمام مسلم ، عن عائشةَ زوجِ النبي صلى الله عليه وسلم ، قالت : «كان إذا اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم رقاه جبريل قال :( باسم الله يبريك ومن كل داء يشفيك ومن شر حاسد إذا حسد وشر كل ذي عين ) . وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد اشتكيت ؟ فقال نعم ، قال : ( باسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك من شر كل نفس أو عين حاسد ، الله يشفيك باسم الله أرقيك )» .
هذا وقد يكون العائن حاسدا ، أيْ يجمع بين العين والحسد ، وقد يكون العائن غير الحاسد . وقد يكون العائن رجلا صالحا : فعامر بن ربيعة صحابي جليل ، ومع ذلك أصابت عينُهُ سهلَ بن حنيف حتى لُبِطَ ( أَىْ صُرِعَ ) في مكانه – كما جاء في رواية أخرى .
وفي السنّة المطهرة وقايات كثيرة ، بعضها عام للوقاية من شرور الخلق جميعا من إنسان وشيطان وحيوان وهوام وغير ذلك ، وبعضها خاص كالوقاية من الشيطان أو الأعداء أو العائن أو الحاسد . مثال ذلك :
1 – ما جاء في صحيح مسلم في باب الذكر والدعاء والاستغفار : عن سعد بن أبي وقاص ، عن خولة بنت حكيم السلمية ، أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " «إذا نزل أحدكم منزلا فليقل : أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ، فإنه لا يضره شيء حتى يرتحل منه» " . فهذا للوقاية من شرور الخلق جميعا في كل مكان يحل فيه الإنسان .
2 – ماجاء في كتاب الأذكار للإمام النووي في ( باب ما يقول إذا خاف قوما ) عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه ، «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خاف قوما قال : " اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم » " .
التمائم شرك :
جاء في تفسير ابن كثير عند الكلام على قول الله عز وجل : {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ } (106) [يوسف]
1 – في مسند الإمام أحمد من حديث عقبة بن عامر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " «من علق تميمة فقد أشرك " . وفي رواية : " من علق تميمة فلا أتم الله له ، ومن علق ودعة فلا ودع الله له » " . ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم " «فلا أتم الله له » " دعاء على من يعلق تميمة . ومعنى قوله عليه الصلاة والسلام " فلا وَدَعَ الله له" أي لا جعله الله في دَعَةٍ وسكون .
2 – عن عيسى بن عبد الرحمن ، قال : دخلت على عبيد الله بن عليم وهو مريض فقيل له لو تعلقت شيئا ؟ فقال : أتعلق شيئا وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " « من تعلق شيئا وكل إليه» " . رواه النسائي عن أبي هريرة .
وفي كتابه " التوحيد " ، أفرد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ، بابا بعنوان : من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه ، ساق فيه قولَ الله تبارك وتعالى : {قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} (38) [الزمر]
ثم أردف ، عن عمران بن حصين ، «أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا في يده حلقة من صفر ، فقال : "ما هذه" ؟! قال : من الواهنة . فقال النبي صلي الله عليه وسلم : "انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهنا ، فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدا» " . [رواه الإمام أحمد بسند لا بأس به] .
والتمائم جميع تميمة ، وهي خرزات كانت العرب في الجاهلية تعلقها على الأولاد ، أو أوتار تعلقها في أعناق الإبل ، تتقي بذلك العين . وقد أبطل الإسلام هذه التعاليق وعدّها شِرْكًا بالله سبحانه وتعالى . ففي كتاب غريب الحديث لأبي الفرج بن الجوزي ، في باب التاء مع الميم : أخرج أبو داود وابن ماجة – كلاهما في الطب – قوله صلى الله عليه وسلم : " «التمائم شرك» " . وفي كتاب النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير : " إنما كانت شركا لأنهم أرادوا بها دفع المقادير المكتوبة عليهم ، فطلبوا دفع الأذى من غير الله الذي هو دافعه " .
ويستفاد من جملة هذه الأحاديث والآثار ، أن كل التعاليق التي تعلق على الأطفال والماشية والسيارات وغيرها ، من الخرزات والتمائم لاتقاء العين والحسد ، داخلة في الشرك بالله ، وفيها ما تقدم من الوعيد الشديد .
الخلاصة :
1 – " العين حق ، ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين" .
2 – لا يجوز إنكار الحسد وقد ورد ذكره في القرآن الكريم ( سورة الفلق ) .
3 – يجب التوقي من العين والحسد باتباع الوقايات الواردة في السنة المطهرة ، وهي :
أولا – الوقايات الخاصة :
( أ ) إذا رأى الإنسان ما يعجبه فليقل : ( ما شاء الله لا قوة إلا بالله ، تبارك الله أحسن الخالقين ) ويدعو بالبركة .
( ب) تعويذ الأطفال بهذه الصيغة ( أعيذك بكلمات الله التامة ، من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامّة ) .
( ج) قراءة رقية جبريل للنبي عليه الصلاة والسلام ، وهي ( باسم الله يبريك ومن كل داء يشفيك ومن شر حاسد إذا حسد وشر كل ذي عين ) ، وكذلك : ( باسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك ، من شر كل نفس أو عين حاسد ، الله يشفيك باسم الله أرقيك ) .
( د ) اغتسال العائن للمَعين ، وصب ماء الغُسْلِ على المَعين .
ثانيا – الوقايات العامة :
( أ ) في كل مكان يحل فيه الإنسان : في البيت والمكتب والمسجد والشارع والسيارة يقول : ( أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ) .
( ب ) إذا خاف قوما أو توقع منهم شرا ، يقول : ( اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم ) .
( ج ) اتقاء العين والحسد بتعليق التمائم والخيط والخرز وما أشبهه داخل في الشرك بالله – والعياذ بالله .
- التصنيف: