الإبداع في الحياة الزوجية
إن التربية مهمّة إبداعية، لكي يحقق المرء فيها نجاحا عليه أن يتحلّى بروح الرعاية المنضبطة، فكثيرون يفشلون بموازنة هذه المعادلة، فينشأ أولادهم نسخا متكررة عنهم لم يُترك لحرّيتهم مساحة تذكر، أو أنهم يمنحون الحرّية المطلقة، فيتشكلون بملامح جديدة من اختيارهم لكنها قد تكون مشوّهة!
بسم الله الرحمن الرحيم
الإبداع نشاط إنساني ذهني راق متميز، ناتج عن تفاعل عوامل عقلية وشخصية واجتماعية، تفرز ابتكارات أو حلول جديدة فريدة للمواقف النظرية أو التطبيقية في مجال من المجالات العلمية أو الحياتية، وتتصف هذه المجالات بالحداثة والأصالة والمرونة والقيمة الاجتماعية.
الإبداع انتفاضة الفكر من إسار القيود المعتادة، ونظرة التأمل التي ترى الأشياء من زوايا أخرى، وعمق التركيز الذي يغوص في أعماق الذات لا في ظاهرها، وفي كنه الأشياء لا في أشكالها، وفي أسباب العلل لا في أعراضها.
والبيئة أحد العناصر الفاعلة في الإبداع.. «الإنسان ابن بيئته» فالفرد المبدع هو أحد نتائج تفاعله مع بيئته ومجتمعه، لذلك يفترض أن البيئة وتعدد عناصرها وغنائها تنمي الإبداع، والعكس صحيح فالبيئة الخالية من المحفزات تبقي على الإبداع خاملا لا فاعلا، وكذلك البيئة ذات المحفزات المزعجة تقتل الإبداع.
أما البيئة المناسبة للإبداع فهي التي تشتمل على محفزات لا تشوش على التفكير بل تنميه، ومن هذا المنطلق كان الاعتقاد بأن الإبداع مقصورا على قلة مختارة من البشر هو اعتقاد خاطئ تماماً، فكل شخص لديه استعداد أن يكون مبدعًا طالما تهيأ له الجو المناسب للإبداع.
الإبداع وعش الزوجية
ينمو الإنسان وجدانيا في الجو الآمن المطمئن، وتنمو لديه قابلياته، وتنفجر في داخله الاستعدادات والمواهب، ذلك أن حاسّة الإبداع تترعرع في الحياة المستقرة الهادئة، في حين أنها تتراجع وتذبل وتموت في الحياة المضطربة القلقة.. والزوجة رائدة فاعلة في احتضان الأسرة ورعايتها، واستتباب كل ما يدعم سعادتها وراحتها وطمأنينتها.. فالزوجة فاعل نشط في مجال التربية وتوفير جو الصفاء الأسري وجو الراحة والاسترخاء للزوج الذي غالبا ما تكون جلّ اهتماماته خارجية، وفي أمور توفير الضمان الاقتصادي للأسرة والتفاعل مع أمور الحياة العامة.
إن المبدع نمط فريد من البشر، وهو حالة خاصة جدا في الواقع، ولذلك يتبادر إلى الذهن سؤال: ترى من هي الزوجة التي تناسب الزوج المبدع، والتي تدفعه إلى المزيد من الإبداع؟.. هنا قد نجد أن المسألة لها حالات متعددة.
(الحالة الأولى): زوج مبدع تزوج صغير السن قبل أن تتضح معالم إبداعه، وزوجته لا تعرف عن عبقريته شيئا، وبعد نضوجه إبداعيا وجد أنها لا تناسبه، فهي تسير عكس طموحاته، بل إنها قد تحاول أن تقف في وجه تياره المتألق.
(الحالة الثانية): مبدع يخشى على إبداعه من أعباء الزوجية، فيبحث ابتداء عمن تقدر ذلك الإبداع، ولكن المشكلة تكمن تماما حين يجدها، فكثير من زوجات المبدعين -الكثير ولا أقول الكل- تعلم بعشقه لهوايته، ومع ذلك بعد أن تتمكن من حياتها الأسرية، ترفع ذراعيها معلنة الرفض، وتقف في طريقه وتبلبل أفكاره، فهي تغار من سلوك يسمى «هوايته» التي تتمحور في إبداع معين، باعتبارها شريك منافسا لا تقبل به في حياتها الزوجية.
وما أكثر الأفراد الذين انحدروا بعد زواجهم وانحطّت قابلياتهم وتدنّت مواهبهم وذبلت استعداداتهم وانتهت قدراتهم.. كل ذلك بسبب حالة النزاع والمواجهة التي تسيطر على حياة الزوجين، عندها يبقى الفكر مشغولاً والخاطر مبلبلاً والنفس مشوّشة، لا تعرف الطمأنينة والراحة والاستقرار، وقد تصل الأمور إلى حالة من الهذيان المستمر الذي يفقد الحياة معانيها الجميلة.
(الحالة الثالثة): زوجة مؤمنة كل الإيمان بموهبة زوجها، وتحاول بكل ما أوتيت من قدرة منحه المزيد من المساحة ليستطيع أن يبدع.. والمشهد الأروع لو حاول هو جذبها -ولا أقول جرها- إلى عالمه، أي أن يشركها فيما يحب، ويجعلها تشعر بما يعتمل في نفسه من حب لهوايته، حتى وصلت إلى لحظة مشابهه لعشقه، وعندها يرتاح الطرفان.
إن الضغوط والحالة النفسية السيئة تضعف المشاعر ويضعف معها التفكير، وبالتالي ينخفض مستوى الإبداع؛ فالإبداع لا يعمل إلا في أجواء من الهدوء والاطمئنان والاستقرار والاسترخاء العميق الذي يهيئ الجسم والعقل للإبداع، ورحم الله الشافعي حيث يقول: "لو كلفت بشراء بصلة لم أفقه مسألة".
فالأسر الذكية يجب ألا تستسلم لغزو النكد والعبوس والمشاكل، بل يجب على أفرادها إدراك أن هذه الأمور تكتسب ولا تأتي مصادفةً ولا عشوائيةً.
التربية مهمة إبداعية
الأمومة شكل وصيغة متطورة من صيغ الإبداع الإنساني، وقد تكون أهمها على الإطلاق، فعملية التربية من الخطورة بمكان بحيث تحتاج الأم إلى كثير من الإعداد حتى تتمكّن من أداء واجبها تجاه أبنائها، وذلك لتخريج جيل مميّز قادر على منافسة أقرانه، وقد تستحضر الأم كل مواهبها ومخزونها الثقافي لتحقق معادلة صعبة، توازن فيها بين ما تحاول زرعه في وجدان طفلها وذهنه، وبين دفعه لتشكيل انطباعاته الخاصة عن المفاهيم والحياة؛ لينشأ مستقلا بفكره، منتميا بحسّه لروح الجماعة والتكتّل دون الاصطدام مع الآخرين.
إن التربية مهمّة إبداعية، لكي يحقق المرء فيها نجاحا عليه أن يتحلّى بروح الرعاية المنضبطة، فكثيرون يفشلون بموازنة هذه المعادلة، فينشأ أولادهم نسخا متكررة عنهم لم يُترك لحرّيتهم مساحة تذكر، أو أنهم يمنحون الحرّية المطلقة، فيتشكلون بملامح جديدة من اختيارهم لكنها قد تكون مشوّهة!
ولا ننسى أن الأمومة لا تفرض التفرّغ الكامل للأبناء في جميع مراحل نموهم، مما يتيح للأم الفرصة بممارسة نشاطاتها الإبداعية المختلفة، وإلا فمن التي اخترعت المصحح الأبيض (Tipex) الذي نستعمله لتصحيح الأخطاء المكتوبة أو المطبوعة بالحبر؟.. إنها موظفة أمريكية اسمها (بيت نيسميث) وبيع اختراعها بما يقارب 47.5 مليون دولار.
ومن التي اخترعت الأوراق المستخدمة كمصافٍ في آلات صنع القهوة؟.. إنها ربة منزل ألمانية تدعى (ميليتا بينز) ومردود اختراعها السنوي يصل إلى 950 مليون دولار.
ومن وراء اختراع أول برنامج للكومبيوتر؟.. إنها الليدي (آدا بايرون لوفلاس) ابنة الشاعر الإنجليزي (لورد بايرون) ولا يزال أحد أهم برامج لغات الكومبيوتر وهو معروف باسمها ADA.
ومن هي مخترعة النظام الذي يسمح للكومبيوتر بقراءة برنامجه الخاص ابتداء من المعلومات المشفّرة؟..إنها نائبة أميرال في البحرية الأمريكية وتدعى (جريس هوبر)
- التصنيف: