التبذير هادم الحياة الزوجية

منذ 2017-08-10

إن الأسرة يجب أن تكون واعية في تصرفاتها بأموالها، محافظة بذلك على كيانها، فلا إفراط ولا تفريط عند الإنفاق على البيت، وأن يقوم كل من الزوجين بمساعدة الآخر على تعديل مفهوم الذات ومفهوم الطرف الآخر مما يجعله يحسن الظن به، ويتفاعل معه تفاعلاً إيجابياً، فيتعرفان علي أسباب المشكلة وينمو الدافع لديهما لحلها، وذلك يعزز القيم الأسرية الإيجابية، ويزيل السلبية منها، ..

بسم الله الرحمن الرحيم

 

قد تنتهي حياة أسرة كاملة وتفقد كيانها ووجودها الاجتماعي بسبب «التبذير».. فالتبذير هو استنزاف للموارد وحرق للطاقة والمجهود الإنساني من دون مقابل، ويعتبر من أهم الأسباب التي تكمن وراء الكثير من الخلافات الزوجية.. فالزوج المبذر لا يقيم وزنا للمال، فيصرفه كيف يشاء في سهرات مع الأصدقاء أو في تغيير سيارة قد اشتراها منذ وقت قريب سعيا وراء مظاهر خادعة كاذبة، وقد لا يكتفي بدخله الشهري فيقترض، ويدفع ثمن التبذير غاليا من صحته ومجهوده وكرامته، ولكن تبدو المشكلة معقدة أكثر، وصعبة أكثر -بل ربما لا حل لها إطلاقا- إذا كانت الزوجة أيضا مبذرة ولا تقيم وزنا للمال ولا لما يبذل من مجهود مضني من أجل الحصول عليه... وكل همها المظاهر الكذابة والبذخ والإفراط في الكماليات والتغيير المستمر سعيا لفت الأنظار، أو من ناحية أخرى بدافع الجهل والتسيب وعدم إدراكها لمسئولية الحياة الزوجية.

 

ولا يقصد بالتبذير طبعا: تجهيز البيت الزوجي بأحدث الآلات الكهربائية أو المفروشات الأنيقة شرط العناية بها وإطالة عمرها... ولا أحد يقول: أن اعتناء الزوجة بمظهرها وأناقتها في حدود دخل الأسرة هو نوع من التبذير، فالزوجة إذا استطاعت أن توازن بين دخل الأسرة ومصروفاتها، وحالت دون تراكم الديون واضطراب موازنة الأسرة وعجزها عن الوفاء بالضروريات، فهنا لا تعتبر مبذرة لأنها وقفت في وجه الانتقادات والهموم ومنعت انفجار المشكلات المتواصلة.

 

إن ظاهرة الإسراف في الإنفاق بين الزوجين هي ظاهرة خطيرة، وللأسف الشديد فهي متفشية داخل مجتمعاتنا وذلك لأسباب عدة:

 

* نقص التربية والتنشئة السليمة، أو بعبارة أخرى: «انعدام الوازع الديني لدي أحد الزوجين أو كليهما» فيعتادا لإسراف والتبذير من دون سبب، متناسين بذلك قول الله تعالي: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا}[الأعراف: 31].

 

* الجري وراء المظاهر الاجتماعية التي تجرف المرء إلي الترف والبذخ دون قيد أو حساب.

 

* عدم كفاءة أحد الزوجين لتحمل المسؤولية، مما يجعله يتصرف بالمال تصرفاً غير سليم، فيقدم المهم قبل الأهم، وهذا راجع أساسا إلى «عدم نضوج الشخصية» والذي يعتبر سبباً هاما من أسباب الفشل الزوجي، لأن ظاهرة الإسراف في الأموال تجسيد لعدم اكتمال في الشخصية، فيترتب عليها العيش في أدوار متضاربة للحياة الزوجية تؤثر علي حقوق كل من الزوجين وواجباته.

 

* الغيرة والشك من جانب الزوجة: فتعمد إلى تبذير وصرف أموال زوجها لأقصي ما تستطيع صرفه، مخافة أن يتزوج بغيرها أو أن يطلقها.. وبهذا تكون قد جنت على نفسها وزوجها بسبب الظن لا أكثر ولا أقل.

 

* سوء الاختيار: قد يكون السبب مقروناً في بدايته بسوء الاختيار، حيث يكون اختيار أحد الأطراف للآخر مرتبطاً بطمعه في أمواله، فيستيقظ شعوره بعد فترة من الزواج، ويعلم أنه وقع ضحية فكرة خاطئة سيطرت عليه.. فكثير من الفتيات يرتبطن برجال أكبر منهن سناً، وذلك لمركزهم أو لثرائهم لتكتشف بعد الزواج أن المال وحده لا يكفي لأن يجلب السعادة لها، فتحاول جاهدة أن تنفي خسارتها وتبرر فشلها بالإسراف في زينتها والترفيه على نفسها وبيتها، لتشعر بأن هناك نجاحاً وهمياً قد حققته، وما ينطبق علي هذه الفتاة ينطبق أيضا علي غيرها من الشباب الذين يجرون وراء المال بالزواج من مسنات، فتكون نهاية زواجهم الفشل والإحباط والتحسر والندم.

 

وما زلنا نقول بأن حسن الانتهاء من حسن الابتداء، فعلماء النفس العائلي وعلماء الإسلام لم يغفلوا دور المال كسبب من أسباب الاختيار، فقد قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: « «تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك» [متفق عليه] لكن ينبغي أن لا يكون الهدف والغاية من الزواج هو المقاصد الدنيوية فقط، لأن من ابتغي بزواجه غير ما يقصد منه فإنه يعامل بعكس مقصودة، لذلك من المهم أن يكون الهدف الأول هو تكوين الأسرة ورعاية شؤونها وتحقيق التكامل الإنساني بين الرجل والمرأة لعمارة الأرض وإيجاد أجيال تحقق هذه الرسالة وعبادة الله عز وجل.

 

إن الأسرة يجب أن تكون واعية في تصرفاتها بأموالها، محافظة بذلك على كيانها، فلا إفراط ولا تفريط عند الإنفاق على البيت، وأن يقوم كل من الزوجين بمساعدة الآخر على تعديل مفهوم الذات ومفهوم الطرف الآخر مما يجعله يحسن الظن به، ويتفاعل معه تفاعلاً إيجابياً، فيتعرفان علي أسباب المشكلة وينمو الدافع لديهما لحلها، وذلك يعزز القيم الأسرية الإيجابية، ويزيل السلبية منها، والعمل علي تحقيق نمو الشخصية وأدائها لوظائفها في جو أسري مشبع بالحنان والحب وتخفيف التوتر والقلق والعداوة.

 

لذلك، فإنني أقول لكل زوجين ينشدان السعادة والاستقرار: «إياكما والديون»، وعليكما بإخضاع وضعكما المادي لدراسة جيدة، ووضع برنامج دقيق لدخل الأسرة، وبالتالي تحديد كيفية التصرف فيه، مع محاولة التوفير للحالات الطارئة... فإذا كنت أيها الزوج من ذوي الدخل المحدود فينبغي أن تقتصر مصروفاتك في المرحلة الأولى على الضروريات كنفقات الطعام واللباس والاستشفاء، وطبعا بالدرجة الأولى حاجات الأولاد ومدارسهم.

 

وأنت يا سيدتي، لا تدعي المظاهر والأضواء تخدعك وتقودك إلى التخبط في الإنفاق من دون حساب، فكل دينار له قيمته عند الحاجة إليه.. بوسعك أن تكوني أنيقة وجميلة من دون المبالغة في اختيار الأغلى والأشهر اسما مجاراة لصديقاتك الثريات، فلكل أسرة دخلها الشهري وحياتها التي يجب المحافظة عليها، وإياك أن تدفعي زوجك إلى الشكوى من إسرافك وتبذيرك لأن هذا سيعود سلبا عليك في نهاية الطريق... فكري كثيرا قبل إقدامك على الإنفاق، هل هذه السلعة ضرورية لأشتريها أم يمكنني الاستغناء عنها؟ وهل تستحق المبلغ الذي سأدفعه ثمنا لها؟ وثقي بأن جوابك سيكون: لا.. احتفظي بالمال ووفريه وسيكون في خدمتك وخدمة أسرتك عند الطوارئ.

 

وأنت أيها الرجل، تستطيع بتفكيرك الواسع وقدرتك على التحكم في رغباتك غير الضرورية توفير الكثير من المال من دون الحاجة إلى القروض أو الديون التي لا تنتهي إلا بنهاية كل ما هو ممتع وجميل في حياتك الزوجية.

 

أيها الزوجان: أنتما معا تشكلان عالما اقتصاديا بالمعنى الكامل للكلمة، إذا عرفتما أهمية المال الذي يدخل إلى أسرتكما الصغيرة، وعرفتما كيف تحققان التوازن بين «الدخل» و «المصروف» وبه تحققان سعادة لا تنتهي واستقرارا للحاضر والمستقبل.

 

وهنا يبرز دورك أيتها الزوجة بتوجيه مصروفات زوجك لما هو مفيد، ولا أعتقد أنك عاجزة عن ذلك إذا استخدمت ذكاء وحنان المرأة، وحاولت جاهدة إقناعه بتخصيص جزء من دخل الأسرة لك تتصرفين فيه على ضوء مسئولياتك بوصفك زوجة من واجبها تأمين الاستقرار العائلي بما يكفل عدم إحداث أي اضطراب في تأمين احتياجاتها الضرورية.

 

أيضا لا نهمل دور الاختيار السليم في بداية الزواج، فهو لب القضية، فيجب توفر عامل «الدين» أولاً لأنه المرشد للعقل والضمير، ثم تأتي الصفات الأخرى التي يرغب بها الإنسان بطبعه وبغريزته ويميل إليها في نفسه حتى ينجح في حياته، ويكون أسرة تؤسس في بنائها على المودة والتعاطف والاختيار الصحيح، والتدين والصراحة والتقدير والاحترام والثقة والحب، لكي يصلا في زواجهما الناجح إلي الأمن النفسي.

 

فمن الواجب علي كل من المتقدمين للزواج أن يضعا في اعتبارهما أنه ليس شرطاً أن يكون الشخص ثرياً أو غنياً، بل أن يكون أهلاً للزواج، لأنه ربما كان لديه من النقائص والعيوب ما يجعله غير صالح للزواج مطلقاً، وأن هناك الكثير ممن يملكون الكفاءة المطلقة ولكنهم ليسوا أثرياء، فيقول تعالى: {وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم، إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله، والله واسع عليم} [النور:32]، وهنا يلفت الإسلام انتباه المتزوجين إلي أن الله عز وجل سيجعل الزواج برحمته سبيلاً للغني ويمد الزوجين بالقوة التي تجعلهما قادرين على التغلب علي أسباب الفقر.

 

فلذلك يجب على الفتيات والشباب مراعاة الاختيار المتأني السليم، وعدم الانقياد وراء نزوات الثراء التي قد تحكم على الزوجين بالفشل، بسبب عدم التفاهم وعدم الثقة وعدم الأمانة والكذب، وعدم الاحترام أو الخيانة، مما يؤدي في النهاية إلى الانفصال أو الطلاق.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر:

* التبذير أم حياتكما الزوجية؟/ منيرة العليوات.   * فقه الأسرة/ د. حمدي الصالح دار القدس.

خالد سعد النجار

كاتب وباحث مصري متميز

  • 1
  • 1
  • 10,007

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً