البقاء للأسوأ

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..

فإن الإسلام يشترط في اختيار من يتولى أمانة أي عمل أو منصب أن يكون قوياً أميناً، ليس هذا فحسب، بل يشترط فيمن يتولى تعيين أي مسئول في أي موقع "من الأمير إلى الغفير" أن يكون الأحسن، فإذا اختار الحسن فقد أساء وفرط وخان الأمانة بل لا بد أن يختار الأحسن، على العكس من ضوابط الإسلام كانت ضوابط النظام السابق فإنه لم يكن يشترط فيمن يوليه أي عمل أن يكون سيئاً بل لا يقبل إلا بالأسوأ، تستطيع أن ترى هذا في كل من كان النظام يقوم بتعيينه في أي منصب أو يوليه أي ولاية، كنت كلما طالعت وجهاً من هذه الوجوه أو سمعت حديثاً لواحد من هؤلاء أو بحثت في تاريخه، أو دققت في أداءه في أي منصب تولاه أخرج بيقين راسخ أن النظام لا يعين إلا الأسوأ.


كان المرء يتصور أن هذه السُنة قد ماتت وغادرت على الطائرة التي غادر فيها، لكن أشياء مريبة تقترب من أن تتحول من ظن إلى يقين، جعلت المرء يظن أنها ليست سنة وماتت، بل هي عقيدة راسخة تدار من مطبخ خلفي لم يتأثر بالزلزال الذي ضرب مصر، وهو ما يؤكد أن ثمة عقل مدبر لا يعرفه أحد منا، عقل أكبر من أكبر رأس في البلد، وهذا هو التفسير الوحيد لاختيارات معظم وزراء وزارة شفيق بكل ترقيعاتها وكذلك وزراء في وزارة شرف فضلاً عن فضيحة مجلس حقوق الإنسان فضلاً عن فضيحة حركة المحافظين، إنها نفس العقيدة.


أريد أن أقف اليوم مع طائفتين ينطبق عليهما بامتياز عقيدة النظام السابق في اختيار عماله، وأستغرب جداً من سعة صدر الثورة على هاتين الطائفتين، برغم أنهما من أركان النظام السابق وهما أعظم من أسهم في تجميل صورته وتمرير باطله، وقد تسببا لأجل ذلك في تدمير إثنين من أخطر مؤسسات الدولة، والعجيب أنهما وبرغم رحيل النظام فإنهما ما زالا يقومان بلعب نفس الدور الذميم، لحساب من؟ الثورة المضادة؟ الأفكار الشخصية؟ تصفية حسابات؟ كل هذا محتمل، لكن الأكيد أن وجودهما إلى الآن يمثل خطراً على مصر "الجديدة" ويشوه محاسن صورة شديدة الروعة والحسن، أعني بذلك رؤوس المؤسستين الدينية والإعلامية.


فأما المؤسسة الدينية والتي يفترض أنها السياج الأول لحفظ الشريعة، والدفاع عن الدين والتصدي لكل محاولات النيل منه، وتطوير هذه المؤسسة بما يقطع الطريق على كل فكر منحرف ومتطرف، لكن الواقع يثبت أن هذه المؤسسة تفرغت في حقبة النظام لتلميع صورته، وإضفاء الشرعية على مخازيه، ومحاربة كل أبناء التيار الإسلامي بدلاً من أن تستوعبهم وتدير معهم حوار، وفي سبيل القيام بهذا الدور رأينا معلوماً من الدين بالضرورة يُنكر، ورأينا إجماعاً يخالف، وليس هناك أنكر من أن يقع مسلم في هاتين التهمتين، فما بالك إذا جاء ذلك ممن يأخذ من أموال دافعي الضرائب ليقوم بحراسة الدين؟ نعم، قامت مؤسسة حماية الدين في مصر بأضلاعها الثلاثة الأزهر، والإفتاء، والأوقاف بمخالفة الإجماع في أحوال كثيرة، كإنكار مشروعية النقاب وهو مشروع بالإجماع، وأنكرت مشروعية ختان الإناث وهو مشروع بالإجماع، وأحلوا فوائد البنوك وقد حرمتها كل المجامع الفقهية الإسلامية في العالم، وأحلوا المعازف وهي محرمة عند الأئمة الأربعة.


أجاز المفتي للمرأة من غير المحارم أن تمارس المساج للرجل، وصافح النساء الأجنبيات، واحتفل بعيد ميلاده الأسبوع الماضي في نادي الليونز وقطع التورتة بيده وصافح النساء، المفتي يدّعي أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يقظة، ويدّعي أن المرسي أبو العباس كان يرى النبي صلى الله عليه وسلم يقظة كل يوم، ويدّعي أن النبي صلى الله عليه وسلم مخلوق من نور، ويقص على مريديه حكاية الولي الذي زنى ثم خرج يمشي على الماء كرامة، وحكاية الولي الذي زنى ثم قام ليجد واحداً من مريديه ينتظره بالماء ليرفع الجنابة، ويحكي لمريديه عن شيخه الذي كان يحدثهم بالحديث والشيشة في يده يأخذ منها نفساً ويعظهم موعظة حسنة، فضيلة المفتي أفتى للاعبين بالإفطار في نهار رمضان للعب الكرة، فضيلة المفتي لم يتفرغ لتطوير آليات الفتوى وتجديد الخطاب الديني وتحسين صورة الإسلام والمسلمين ووضع حجر الأساس لفقه النوازل إنما تفرغ لحرب السلفيين، وسعه أن يتبسم للأنبا شنودة، وأن يفتح معه حوارات لأجل استقرار الوطن، وقدم تنازلات لا تحصى لأجل وأد الفتنة.


أما السلفيين فقد حرّض عليهم أعداء وطنه، ونشر مقالاً في الـ "واشنطن بوست" يحرض فيه تحريضاً سافراً ورخيصاً واصفاً إياهم بالمتشددين.


شيخ الأزهر لم تسعفه الأيام ليظهر مواهبه، لكن نظرة سريعة يمكن أن تؤكد أنه نسخة طبق الأصل بامتياز من الإصدار الأخير من رجال المؤسسة الدينية الرسمية جيل ما بعد "جاد الحق ونصر فريد واصل".


شيخ الأزهر نكل بشباب الجماعات الإسلامية حين كان رئيساً لجامعة الأزهر، شيخ الأزهر لا يفوت فرصة في أي حديث ليشن حرب شعواء على السلفيين واصفاً إياهم بما لو ثبت في حقهم لكانوا أبالسة العصر، شيخ الأزهر يقول أن القرآن كلام نفسي، وأن الأشاعرة هم أهل السنة والجماعة، ولا يجد حرجاً في أن يخرج المرء من الإسلام، ولو كان عنده وقت لاستمع لأم كلثوم، شيخ الأزهر يجتمع مع رؤوس الكنيسة، ويحضر إفطار الوحدة الوطنية، ويحضر افتتاح كنيسة أطفيح، أما من يصفهم بالخوارج الجدد وهم السلفيين فلا مكان لهم في أجندته، ولا في حواراته.


لم يفكر شيخ الأزهر ولا المفتي أن يسألا ولو من بعيد جداً عن مصير وفاء قسطنطين وكاميليا شحاتة التي اعترفت الكنيسة أنهما عندها، لم يفكرا أن يسألا عن سيد بلال، ولا عن طوفان الزواج العرفي، ولا ألوف اللقطاء، ولا عن الرشوة، ولا عن الفساد، ولم ينكرا تزوير الانتخابات.

ألم أقل لكم أن عقيدة النظام السابق لم تكن تقبل بالسيئ بل تشترط الأسوأ، الذي يترك مكانه مدمراً لا يصلح، ولا يستطيع من يأتي من بعده أن يصلح ما أفسده الأسوأ.

الغريب أن الفتاوى الشاذة الصادمة المخالفة للإجماع التي يقول بها المفتي رأس الفتوى في مصر تخالف فتاواه قبل تولي الإفتاء، المرء يتعجب من هذا القدر من الجرأة والبجاحة وفتاواه السابقة موثقة بالصوت والصورة.


بقي لي مشهد سؤال ودعوة:
أما المشهد:
مقارنة بين رأس الكنيسة المصرية الذي حول أقليته إلى أقوى أقلية في العالم حتى صارت الأغلبية المسلمة تطلب المساواة، رأس الكنيسة المصرية لا يهادن، ويعلن في صرامة، وصراحة أنه لن ينفذ حكم المحكمة الإدارية العليا لأنه يخالف الإنجيل، وينهر رئيس قطاع الأخبار على الهواء حين سأله عن كاميليا قائلاً له: "وأنت مالك؟" أما في الناحية الأخرى من المشهد (لا تعليق).


أما السؤال:
فأنا استحلف بالله كل منصف هل يليق أن يكون على رأس المؤسسات الدينية في مصر أمثال هؤلاء؟ هل يصلح من يبدل الفتوى ويتنكر لأقواله ويعادي أي طائفة في الوطن أن يكون على رأس أكبر منارة إسلامية في العالم؟


أما الدعوة:
فنحن ندعو شيخ الأزهر ومفتي الجمهورية لمناظرة علنية على الهواء مباشرة ليعرف الناس الحق من الباطل فيتبعوا أهل الحق وينفضوا عن من سواهم.

في المقال القادم إن شاء الله تعالى نعيش مع المؤسسة الإعلامية الأسوأ.

[email protected]

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام