جنة الديمقراطية !!! (1)
المجتمع الغربي يرى أن الديمقراطية جنة لا ينبغي أن يتمتع بها إلا الرجل الغربي بوصفه «سيد العالم»!!، لذلك لا غضاضة أن ترعى تلك الدول الديكتاتوريات في البلدان المختلفة ما دامت تخدم أجندة مصالحها.
بسم الله الرحمن الرحيم
"نحن شعب الولايات المتحدة نعتنق الديمقراطية كإيمان، ولكن عندما يأتي الأمر إلى تعاملنا مع شعوب الدول الأخرى نلجأ إلى أساليب تتعلق بالسلطة والقوة، وعندما أقول نحن فأنا أعنى الحكومات وليس الأفراد".. هكذا لخص رمزي كلارك وزير العدل الأمريكي الأسبق طبيعة الديمقراطية الغربية في حواره مع صحيفة مصرية.
ويقول الكاتب الأميركي جريجري جوز في إحدى مقالاته في (شؤون دولية) عام 2005: "إن الولايات المتحدة يجب ألا تشجع الديمقراطية في العالم العربي لأن حلفاء واشنطن من العرب السلطويين يمثلون رهانات مستقرة".
إن المجتمع الغربي يرى أن الديمقراطية جنة لا ينبغي أن يتمتع بها إلا الرجل الغربي بوصفه «سيد العالم»!!، لذلك لا غضاضة أن ترعى تلك الدول الديكتاتوريات في البلدان المختلفة ما دامت تخدم أجندة مصالحها.
فنظرية الديمقراطية في جوهرها تتصارع مع فكرة سيادة المصالح، وتلك الأخيرة تُقبل على التعامل مع دولٍ ذليلة خاضعةٍ لا تملك إرادتها، وتختزلها في فردٍ أو بعض أفراد، ولا توزعها بالتساوي على سائر أفراد الشعب بما يوفر لها رؤية جمعية، وحصانة عن التبعية، ومن ثم يعرقل طموحات الغرب في تدجين تلك الشعوب واستلاب إرادتها وثرواتها.
ذكر المؤرخ البريطاني جيفري وارنر أن الرئيس الأمريكي روزفلت كان يهدف إلى فرض الهيمنة الأمريكية على كل العالم بينما يحتفظ بعقيدة تقوم على وضع قيود «بالقوة» على أية دولة ذات سيادة يمكنها أن تتبع سياسات قد تؤدي إلى صراع أو تصادم مع الخطط الأمريكية من أجل السيادة والسيطرة.
وأثناء ذروة الصراع في الأزمة الكوبية كان هناك خوفٌ من جانب الرئيس جون كينيدي أن حرباً نووية مع الاتحاد السوفييتي سوف تندلع وتمحو نصف الكرة الشمالي، وكان مبعث ذلك هو الفكرة التي مفادها أنه لا حق للاتحاد السوفييتي في أن يستخدم أسلحة نووية خارج حدوده بينما تحتفظ الولايات المتحدة لنفسها بذلك الحق الأحادي -أي منفردة- وعلى كل أنحاء المعمورة.
كما أن الولايات المتحدة ترى أن التهديد والتضييق الاقتصادي الذي قد يقع عليها يبرر الحرب، بينما تقوم هي بفرض العقوبات الاقتصادية على غيرها.
ويقول (نعوم تشومسكي) المفكر الأمريكي اليهودي الشهير والملقب بـ «ضمير أمريكا» في هذا الصدد: "إن مُثلا من قبيل الديمقراطية والسوق مُثل جيدة، طالما أن ميل الملعب يضمن فوز الناس الذين يجب أن يفوزوا، أما إن حاولت جموع الرعاع رفع رؤوسها، فيجب أن يضربوا إلى أن يخضعوا بشكل أو بآخر".
ولا أدل على نظرية «جنة الديمقراطية» من فيتو الدول الخمس الكبار في الأمم المتحدة والذي يتناقض مع مبادئ الحرية والمساواة التي يتشدق بها الكبار، ومنها هيمنة الدولار على سلة العملات العالمية، وسجن جوانتانامو الذي أعد للمسلمين خصيصا.
ودائماً نسمع كلمات رنانة كالأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان ومحكمة العدل الدولية ومعاهدة جنيف وغيرها الكثير، ولكن هذه المنظمات في مجملها لا تتعدَّ أن تكون سوى منظمات للخداع والضحك على السذج.
فلطالما ساوت الأمم المتحدة بين الجلاد والضحية، هذا إذا لم تقف مع الجلاد أصلاً، ولنا في الثورة السورية خير مثال، وأيضاً في حرب البوسنة عندما وقفت الأمم المتحدة موقف المتفرج قبل أن تقرر التدخل بعد ثلاث سنوات كاملة على بداية الحرب، وبعد مجزرة سربرنيتشا الشهيرة، وأيضا في الإبادة الجماعية في رواندا، حيث قتل أكثر من 800 ألف إنسان، ولم تتمكن الأمم المتحدة من فعل شيء لهم.
ومتى سمعنا محكمة العدل الدولية تطارد كبار المجرمين في العالم؟! هل يعقل لشخص قتل أكثر من مليوني عراقي ودمر حضارة عمرها آلاف السنين ومن ثم اعتذر عن ذلك بكلمتين وبكل وقاحة.. هل يعقل ألا يُلاحق من قبل هذه المحكمة؟ فهذه المنظمات تتبع في النهاية للدول الكبرى التي تتحكم بها كما تريد.
بل إن من أوضح الأمثلة على «جنة الديمقراطية» ما تفعله أمريكا بالعرب.. فشارون السفاح القاتل (رجل سلام)!!.. وما فعله بالفلسطينيين من قتل وذبح وسحل وتدمير منازل واغتيالات وسجن وعذاب، كل ذلك له مصطلح غريب في القاموس الإعلامي الغربي ألا وهو «استخدام مفرط للقوة»!!!
وأما مقاومة الفلسطينيين فهي إرهاب وتعدٍّ على حقوق الإنسان!!.. وفي نهاية المطاف يسمى (أريل شارون) رجل السلام!
وتقول اليوروبيان 22/4/ 1993:
"إننا نسمي أنفسنا مسئولين وديمقراطيين، ولكننا في الواقع أنانيون وبرابرة ومعدومو المسؤولية.. إن مئات الأبرياء والمدنيين العزل قتلوا في (سربرنتا) بمدفعية الصرب المتوحشة، ونصرّ في نفس الوقت على استمرار حظر السلاح!.. إن أسوأ مجرمي الحرب في هذه المأساة هم قادة الغرب الذين يشاهدون المجزرة ولا يفعلون شيئا لإيقافها.. إن مأساة البوسنة عار على حضارتنا.. فإذا تحول الدم إلى بترول أو تحوّل المسلمون إلى مسيحيين أو يهود فكلّنا يعلم أنه سيكون هناك تدخل وفعل"!
يقول د. محمد مورو: "الحضارة الغربية في صورتها الديمقراطية أو تحت حكومات ديمقراطية مارست «الاستعمار»، وهو نوع من قهر حرية الآخرين، ومن ثم فهي ديمقراطية مزيفة، وهي نفسها التي مارست «نهب المستعمرات» ومن ثم فهي ديمقراطية ناهبه، وهي نفسها التي أنشأت «إسرائيل» وسلحتها ومولتها وإسرائيل تمارس الديكتاتورية والقهر على مدار اليوم والساعة منذ أكثر من ستين عاما، ومن ثم فهي ديمقراطية عنصرية وأصولية، لأنها تدعم دولة يقوم قانون الجنسية فيها على أساس الدين اليهودي، فكل يهودي متى وطأت قدمه أرض إسرائيل فهو يحصل على الجنسية فورا، وهي ديمقراطية مارست «إبادة» الهنود الحمر في الأمريكتين، والأبورجيين في أستراليا بعشرات الملايين فهي ديمقراطية عنصرية بامتياز، وهي فوق هذا وذاك مستمرة في تلك الأمور منذ أكثر من قرنين على الأقل، ولم ولن تكف عن ذلك لأنها سمة أصلية في تلك الحضارة، آخرها العدوان على العراق وأفغانستان".