من معالم التربية النبوية (2)
قال جمهور العلماء أنه لا يعتد بها في الثواب إلا بما عقل منها وخشع فيها لله تعالى، وحجتهم الحديث الصحيح الذي رواه الإمام أحمد: «إن العبد يصلي الصلاة، ما يكتب له منها إلا عشرها، تسعها، ثمنها، سبعها، سدسها، خمسها، ربعها، ثلثها، نصفها»
بسم الله الرحمن الرحيم
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «صل صلاة مودع كأنك تراه، فإن كنت لا تراه فإنه يراك، وايأس مما في أيدي الناس تعش غنيا، وإياك وما يعتذر منه».
وهل الصلاة الخالية من الخشوع يعتد بها أم لا؟
"قال جمهور العلماء أنه لا يعتد بها في الثواب إلا بما عقل منها وخشع فيها لله تعالى، وحجتهم الحديث الصحيح الذي رواه الإمام أحمد: «إن العبد يصلي الصلاة، ما يكتب له منها إلا عشرها، تسعها، ثمنها، سبعها، سدسها، خمسها، ربعها، ثلثها، نصفها» (13) وقول عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-: ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها.
وأما الاعتداد بها في أحكام الدنيا وسقوط القضاء، فإن غلب عليها الخشوع وتعقلها اعتد بها إجماعا وكانت السنن والأذكار عقبها جوابر ومكملات لنقصها، وإن غلب عليها عدم الخشوع وعدم تعقلها فقد اختلف الفقهاء في وجوب إعادتها، فأوجبها ابن حامد من أصحاب أحمد وأبو حامد الغزالي في الإحياء، ولم يوجبها أكثر الفقهاء، واحتجوا بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر من سها في صلاته بسجدتي السهو ولم يأمره بالإعادة، كما ثبت في الحديث الصحيح: «إذا أذن المؤذن بالصلاة أدبر الشيطان وله ضراط، حتى لا يسمع التأذين، فإذا قضي التأذين أقبل، فإذا ثوب بالصلاة أدبر، فإذا قضي التثويب أقبل، حتى يخطر بين المرء ونفسه، يقول: أذكر كذا، أذكر كذا ما لم يذكر، حتى يظل لا يدري كم صلى، فإذا وجد أحدكم ذلك فليسجد سجدتين وهو جالس» (14)
فلو كانت الصلاة باطلة لأمر الرسول الكريم بإعادتها، ولم يأمر بأن يسجد سجدتي السهو" (15)
وهناك العديد من الأمور التي يجب على المسلم مراعاتها لكي تحقق له تمام الخشوع في الصلاة، منها: أمور ظاهرة، وأخرى باطنة.
الأمور الظاهرة الواجب إتباعها لتحقيق الخشوع في الصلاة:
أ. إزالة ما يشغل المصلي من مكان الصلاة:
فعن القاسم عن عائشة رضي الله عنها أنه كان لها ثوب فيه تصاوير، ممدود إلى سهوة، فكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي إليه، فقال: «أخريه عني، فإنه لا تزال تصاويره تعرض لي في صلاتي» فأخرته فجعلته وسائد. (16)
ولما دخل -صلى الله عليه وسلم- الكعبة ليصلي، فيها رأى قرني كبش، فلما صلى قال لعثمان الحجبي: «إني نسيت أن آمرك أن تخمر القرنين، فإنه ليس ينبغي أن يكون في البيت شيء يشغل المصلي» (17)
ويندرج تحت هذا الأمر: تجنب الصلاة في وقت الحر الشديد والبرد الشديد، إذا تيسر له ذلك، كما أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالإبراد في صلاة الظهر بالصيف الشديد الحر (18) لأن شدة الحر تمنع من الخشوع وحضور القلب.
كما يشمل هذا الأمر: اتخاذ السترة أمام المصلي، فعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة، وليدن منها، ولا يدع أحد يمر بين يديه، فإن جاء أحد يمر فليقاتله، فإنه شيطان» (19)
وفي رواية: «إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها، لا يقطع الشيطان عليه صلاته» (20)
والسنة في الدنو من السترة أن يكون بينه وبينها ثلاثة أذرع، وبينها وبين موضع السجود ممر شاة (21) كما أوصى -صلى الله عليه وسلم- المصلي بأن لا يسمح لأحد أن يمر بينه وبين سترته، فقال: «إذا كان أحدكم يصلي، فلا يدع أحد يمر بين يديه، وليدرأه ما استطاع، فإن أبى فليقاتله، فإن معه القرين» (22)
كما ينبغي أن لا يصلي وبحضرته طعام يشتهيه، فإذا حضر الطعام بدأ به ولا يعجل بالصلاة قبل أن تنقضي حاجته منه، وفي ذلك يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا صلاة بحضرة الطعام» (23) وقال -صلى الله عليه وسلم-: «إذا قرب العشاء وحضرت الصلاة فابدءوا به قبل أن تصلوا صلاة المغرب، ولا تعجلوا عن عشائكم» وفي رواية: «إذا وضع عشاء أحدكم وأقيمت الصلاة، فابدءوا بالعشاء ولا يعجلن حتى يفرغ منه» (24)
ب. أن لا يصلي خلف النائم والمتحدث
لما رواه أبو داود عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قوله: «لا تصلوا خلف النائم والمتحدث» (25)
قال الخطابي: "أما الصلاة إلى المتحدثين فقد كرهها الشافعي وأحمد بن حنبل، وذلك من أجل أن كلامهم يشغل المصلي عن صلاته". (26)
وقد كره مجاهد وطاووس ومالك الصلاة إلى النائم خشية أن يبدو منه ما يلهي المصلي عن صلاته (27) فإذا أمن ذلك فلا تكره الصلاة خلف النائم.
ويدخل في هذا الأمر: الاحتراز من الصلاة في أماكن الضوضاء ومرور الناس ومجالس اللغو واللغط.
ت. تجنب الأمور الخاصة بالمصلي التي تذهب خشوعه في الصلاة
كأن يصلي في ثوب فيه نقوش أو تصاوير: كما روت عائشة -رضي الله عنها- قالت: قام النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي في خميصة ذات أعلام، فنظر إلى علمها، فلما قضى صلاته، قال: «اذهبوا بهذه الخميصة إلى أبي جهم، وأتوني بأنبجانية، فإنها ألهتني آنفا في صلاتي» (28)
وكأن يصلي وهو حاقن أو حاقب: والحاقن: هو الحابس للبول، والحاقب: هو الحابس للغائط. وفي ذلك يقول المعصوم -صلى الله عليه وسلم-: (لا صلاة بحضرة الطعام، ولا هو يدافع الأخبثان) (29) ويقول -صلى الله عليه وسلم-: «إذا أراد أحدكم أن يذهب إلى الخلاء، وأقيمت الصلاة فليذهب إلى الخلاء» (30)
وكأن يصلي وقد غلبه النعاس: فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا نعس أحدكم في الصلاة فلينم حتى يعلم ما يقول» (31).. أي فليرقد حتى يذهب عنه النوم.
وعن عائشة -رضي الله عنها- أن رسوا الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا نعس أحدكم وهو يصلي، فليرقد حتى يذهب عنه النوم، فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لا يدري لعله يستغفر فيسب نفسه» (32)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(13) المسند للإمام أحمد حديث رقم 18914 عن عمار بن ياسر
(14) رواه البخاري برقم 538 كتاب الأذان باب 4 عن أبي هريرة
(15) ابن القيم / مدارج السالكين ج1 ص 563 بتصرف يسير
(16) رواه مسلم (3/1668)
(17) أخرجه أبو داود (2030) وهو في صحيح الجامع السيوطي / الألباني (2504)
(18) البخاري كتاب مواقيت الصلاة حديث رقم 472 عن ابن عمر
(19) رواه أبو داود برقم (1695/446) وهو في صحيح الجامع برقم (651)
(20) رواه أبو داود برقم (1695/446) وهو في صحيح الجامع برقم( 650)
(21) البخاري، أنظر الفتح (1/574، 579)
(22) رواه مسلم (1/260) وهو في صحيح الجامع برقم (755)
(23) رواه مسلم برقم (560) كتاب المساجد باب 16
(24) متفق عليه، البخاري، كتاب الأذان، باب إذا حضر الطعام وأقيمت الصلاة، ومسلم رقم (575، 559)
(25) أبو داود برقم 694 وصحيح الجامع برقم 7349
(26) عون المعبود (2/388)
(27) فتح الباري، باب الصلاة خلف النائم، كتاب الصلاة
(28) رواه مسلم برقم 1118 كتاب المساجد باب 15
(29) رواه مسلم برقم 560 كتاب المساجد باب 16
(30) رواه أبو داود برقم 88، صحيح الجامع 299عن عبد الله بن أرقم
(31) رواه البخاري برقم 200 كتاب الوضوء باب 52
(32) رواه البخاري برقم 209 كتاب الوضوء باب 52
- التصنيف: