حب الصحابة (3)
عرف رتبة الأنصار، وما كان منهم في نصرة الإسلام والسعي في إظهاره، وإيواء المسلمين وقيامهم في مهمات الإسلام حق القيام وحبهم للنبي -صلى الله عليه وسلم- وحبه إياهم وبذلهم أموالهم، وأنفسهم بين يديه، وقتالهم معه، ومعاداتهم سائر الناس من غير المسلمين إيثارا للإسلام.. أحب الأنصار، وهذا من دلائل صحة إيمانه
بسم الله الرحمن الرحيم
رياح الليبرالية الغربية العاتية أتت على كثير من ثوابتنا بفعل موجة التغريب التي تنبثق من واقع أن «المغلوب دائما مولع بتقليد الغالب»، فضلا عن الحملة الغربية الضروس على أمتنا الإسلامية لمحو هويتها وضمان تبعيتها.. لقد تفشت النسبية في كثير من معتقداتنا وباتت ثوابتنا هلام لا شكل له ولا معلم، ونال الطعن والنقد مقدساتنا من قرآن وسنة وعقيدة وشريعة.. حتى صار بعضهم يتحدث عن أفذاذ الصحابة –وكلهم أفذاذ- كما يتحدث عن شراذم الناس، مما يتنافى مع وجاهتهم ومكانتهم، ويتنافى مع ما كان عليه السلف المبارك من حبهم للصحابة وتوقيرهم بتوقير الله تعالى ورسوله -صلى الله عليه وسلم- لهم، حتى أنهم ألحقوا باب «حب الصحابة» في الحديث عن العقائد، إعلاما منهم أن حبهم دين يدين به المؤمنون لله رب العالمين، مما حتم علينا نحن الخلف أن نكرر الذكر ونجدد العهد على حبهم وتبجيلهم.
وفي شأن الأنصار خاصة قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ألا أخبركم بخير دور الأنصار؟ دار بني النجار ثم دار بني عبد الأشهل ثم دار بني الحارث ثم الخزرج ثم دار بني ساعدة، وفي كل دور الأنصار خير» [صحيح الجامع: 2602].. «خير ديار الأنصار بنو النجار» [الترمذي، صحيح الجامع: 3306].. «خير ديار الأنصار بنو عبد الأشهل» [الترمذي، صحيح الجامع: 3307].. «الأنصار ومزينة وجهينة وغفار وأشجع ومن كان من بني عبد الدار موالي دون الناس، والله ورسوله مولاهم» [مسلم].. «قريش والأنصار وجهينة ومزينة وأسلم وأشجع وغفار موالي ليس لهم مولى دون الله ورسوله» [متفق عليه].. «جزى الله الأنصار عنا خيرا، ولاسيما عبد الله بن عمرو بن حرام وسعد بن عبادة» [ابن حبان، صحيح الجامع: 3091].. «كان يحب أن يليه المهاجرون والأنصار في الصلاة ليحفظوا عنه» [أحمد، صحيح الجامع: 4924].. «كان يزور الأنصار ويسلم على صبيانهم ويمسح رءوسهم» [النسائي: صحيح الجامع: 4947].
ومعنى هذه الأحاديث، أن من عرف رتبة الأنصار، وما كان منهم في نصرة الإسلام والسعي في إظهاره، وإيواء المسلمين وقيامهم في مهمات الإسلام حق القيام وحبهم للنبي -صلى الله عليه وسلم- وحبه إياهم وبذلهم أموالهم، وأنفسهم بين يديه، وقتالهم معه، ومعاداتهم سائر الناس من غير المسلمين إيثارا للإسلام.. أحب الأنصار، وهذا من دلائل صحة إيمانه، وصدقه في إسلامه، لسروره بظهور الإسلام، والقيام بما يرضي الله سبحانه وتعالى، ورسوله -صلى الله عليه وسلم- ومن أبغضهم كان بضد ذلك، واستدل ببغضه لهم على نفاقه وفساد سريرته. ويقاس على ذلك حب، أو بغض من سار على نهجهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين.
مجمل القول: هذه الآيات والأحاديث تفيد في شأن الصحابة أمور:
الأول: أنَّ الصحابِيَّ إذا مات على الإيمان فإنَّهُ موعودٌ بالمغفرة والرضوان.
الثاني: أنَّ الصحابة كلهم عدول لتعديل الله تعالى لهم وثنائه عليهم.
ومعنى العدالة هنا أنَّهُم عُدولٌ في دينهم وفيما يروون وينقلون من الشريعة، وأنَّ ما حَصَلَ من بعضهم من اجتهاد، فإنَّهُ لا يقدح عدالتهم ولا يُنْقِصُهَا، لِمُضِيِّ ثناء الله تعالى عليهم مطلقاً.
الثالث: أنَّ سبَّ الصحابة ينافي ما دَلَّتْ عليه الأدلة من الثناء عليهم، وهو منهيٌ عنه بالنَّصْ، فلذلك أفادت هذه النصوص المباركة حُرْمَةْ سبِّ الصحابة.
الرابع: أنَّ هذه الآيات والأحاديث دلَّتْ على أنَّ الصحابة يتفاوتون في المنزلة وفي المرتبة وأنَّهُم ليسوا على درجة واحدة.
فرض وواجب: حب الصحابة «فرض وواجب» وهو من الموالاة الواجبة للصحابة، وهذا الحب يقتضي أشياء:
* الأول: قيام المودة في القلب لهم.
* الثاني: الثناء عليهم بكل موضع يُذْكَرُونَ فيه والترضي عنهم.
* الثالث: أن لا يَحْمِلَ أفعالهم إلا على الخير فكلُّهُم يريد وجه الله تعالى.
* الرابع: أن يَذُبَّ المرء عنهم؛ لأنَّه مِنْ مقتضى المحبة والولاية؛ بل من معنى المحبة والولاية النُّصْرَةْ: أَنْ يَنْصُرَهُمْ المسلم إذا ذُكِرُوا بغير الخير أو انتقص منهم منتقص، أو شَكَّكَ في صدقهم أو عدالتهم أحد، فإنَّهُ واجبٌ أن يُنْتَصَرَ لهم رضي الله عنهم.
- التصنيف: