ليل الفتن وسيلها الجارف (الجزء الثاني)

منذ 2018-01-07

عن معاذ -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم-: «ست من أشراط الساعة: موتي وفتح بيت المقدس، وأن يعطى الرجل ألف دينار فيتسخطها، وفتنة يدخل حرها بيت كل مسلم، وموت يأخذ في الناس كقُعاص الغنم [داء يأخذ الغنم لا يلبثها ان تموت]، وأن يغدر الروم فيسيرون بثمانين بندا تحت كل بند اثنا عشر ألفا».

ليل الفتن وسيلها الجارف (الجزء الثاني)

بسم الله الرحمن الرحيم


وكما حذر النبي – صلى الله عليه وسلم – من الفتن، بيَّن أيضا تتابعها في آخر الزمان؛ حتى ذكر أنه «والذي نفسي بيده لا تذهبُ الدنيا، حتى يأتيَ على الناس يوم لا يدري القاتلُ فيمَ قَتَل، ولا المقتولُ فيمَ قُتِل، فقيل: كيف يكون ذلك؟ قال: الهَرْجُ، القاتلُ والمقتولُ في النار» (رواه مسلم) وفي هذا إشارة إلى أنها فتن إذا حلت كانت عمياء صمّاء مطبقة، يصير الناس ‏فيها بلا عقول، وما ‏ذاك إلا لشدة هولها، وعظيم وقعها.‏


عَنْ ثَوْبَانَ -رضي الله عنه- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:  «إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِي الْأَرْضَ [أي جمعها لأجلي] فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ الْأَحْمَرَ وَالْأَبْيَضَ [يعني اَلذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ، يريد بالأحمر والأبيض خزائن كسرى وقيصر، وذلك أن الغالب على نقود ممالك كسرى الدنانير، والغالب على نقود ممالك قيصر الدراهم] وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي لِأُمَّتِي أَنْ لَا يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ عَامَّةٍ [قحط شائع لجميع بلا المسلمين]، وَأَنْ لَا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ [أي مجتمعهم وموضع سلطانهم ومستقر دعوتهم وبيضة الدار وسطها] وَإِنَّ رَبِّي قَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنِّي إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لِأُمَّتِكَ أَنْ لَا أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ عَامَّةٍ وَأَنْ لَا أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ وَلَوْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ [أي الذين هم] مَنْ بِأَقْطَارِهَا [أطرافها] أَوْ قَالَ مَنْ بَيْنَ أَقْطَارِهَا حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا وَيَسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا» (مسلم).


أخرج مالك في الموطأ عن عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عَتِيك، أنه قال: جاءنا عبد الله بن عمر في بَنِي معاوية -وهي قرية من قرى الأنصار- فقال: هل تدرون أين صلَّى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من مسجدكم هذا؟ فقلت له: نعم، وأشرتُ له إلى ناحية منه، فقال: هل تدري ما الثلاث التي دعا بهن فيه؟ فقلت: نعم، قال: فأخبرني بهن، فقلت: "دعا بأن لا يُظهِر عليهم عدوًّا من غيرهم، ولا يُهْلِكهم بالسنين، فأعطيهما، ودعا بأن لا يجعل بأسَهم بينهم، فمُنِعها"، قال: صدقت، قال ابن عمر: فلن يزال الهَرْج إلى يوم القيامة.


عن عمير بن هانئ العنسي الشامي قال:

سمعت عبد الله بن عمر يقول: كنا قعودا عند رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فذكر الفتن فأكثر في ذكرها حتى ذكر فتنة الأحلاس [شبهه بالأحلاس وهي الأثواب البالية لسواد لونها وظلمتها]. فقال قائل: يا رسول الله، وما فتنة الأحلاس؟ قال: «هي هَرَب [الهروب والشرود يكون بسبب الفتن] وَحَرب [ذهاب المال والأهل]، ثم فتنة السراء [من السرور وهو كثرة التنعم والافتتان بالدنيا ونعمها] دخنها [يريد أنها تثور كالدخان]من تحت قدمي رجل [أي هو سبب إثارتها] من أهل بيتي يزعم أنه مني، وليس مني وإنما أوليائي المتقون، ثم يصطلح الناس على رجل كورك على ضلع [لا يستقُّل بالملك ولا يلائمه كما أن الورك لا يُلاَئم الضِّلع]، ثم فُتْنَةُ الدُّهَيْمَاءِ [تصغير الدهماء صغرها على مذهب المذمة لها، وقيل تصغير الدهماء، والتصغير في بعض الأحيان يكون للتعظيم، والدهيماء تأنيث الأدهم، والأدهم هو الذي يميل إلى السواد،فهي فتنة كما يبدو سوداء مظلمة]، لا تدع أحدا من هذه الأمة إلا لطمته لطمة [أصيب بها وحصل له منها نصيب]، فإذا قيل: انقضت. تمادت [أي كلما قيل: انقضت، تمادت وزادت في الاستمرار وطالت]، يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا حتى يصير الناس إلى فسطاطين [جماعتين]: فسطاط إيمان لا نفاق فيه، وفسطاط نفاق لا إيمان فيه، فإذا كان ذلكم فانتظروا الدجال من يومه أو من غده». (أحمد).


عن معاذ -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم-:

«ست من أشراط الساعة: موتي وفتح بيت المقدس، وأن يعطى الرجل ألف دينار فيتسخطها، وفتنة يدخل حرها بيت كل مسلم، وموت يأخذ في الناس كقُعاص الغنم [داء يأخذ الغنم لا يلبثها ان تموت]، وأن يغدر الروم فيسيرون بثمانين بندا تحت كل بند اثنا عشر ألفا». (أحمد).


«فتنة يدخل حرها» أي مشقتها وجهدها من كثرة القتل والنهب «بيت كل مسلم» قيل: وهي واقعة التتار إذ لم يقع في الإسلام بل ولا في غيره مثلها. وقيل: غيرها وهي لم تقع بعد.


روى البخاري في كتاب الجزية، عن عوف بن مالك -رضي الله عنه- قال كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في تبوك فقال له: «اعدد ستاً بين يدي الساعة: موتي، ثم فتح بيت المقدس، ثم مُوتانٌ يأخذ فيكم كقُعاص الغنم، ثم استفاضة المال حتى يُعطَى الرجل مائة دينار فيظل ساخطاً، ثم فتنة لا تدع بيتا من العرب إلا دخلته ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر فيغدرون فيأتونكم في ثمانيين غاية [أي راية] تحت كل غاية اثنا عشر ألفاً».


هذه جميعاً أشراط صغرى وذِكْرُها لا يدل على مدح أو على ذم، فقد يذكر الشيء على أنه علامة من علامات الساعة وليس هذا دليلاً على أنه محمود أو مذموم، أو على أنه منهي عنه في الشريعة. ففتح بيت المقدس مثلا من الأمور المحمودة.


وقوله «ثم فتنة لا تدع بيتاً من العرب إلا دخلته» هذه هي العلامة الخامسة: وهي فتنة تنتشر وتستشري فلا تترك بيتاً من العرب إلا وتدخله، وذكر «بيوت العرب» من باب التغليب، وإلا فقد ورد في رواية عند أحمد أنه عليه الصلاة والسلام قال: «يدخل حَرّها بيت كل مسلم»، فهي تعم المسلمين، ليست خاصة بالعرب فقط، لأنها فتنة شاملة عامة، ولعلها هي الفتنة التي ذكرها الرسول عليه الصلاة والسلام في الحديث الآخر الذي رواه أحمد وأبو داود وسمّاها بفتنة «الدهيماء» التي لا تدع أحداً من هذه الأمة المسلمة إلا لطمته لطمة.. فتنة عظَّمها عليه الصلاة والسلام وطوَّل فترتها فقال: «كلما قيل انقضت تمادت»، وهكذا فهي فتنة متطاولة، ومن ضمن شرها والعياذ بالله أن الرسول عليه الصلاة والسلام في هذه الرواية التي عند أحمد وأبي داود يقول عنها: «يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً»، يعني أنها شر مستطير، يخرج فيها ناس من الإسلام.


قال -صلى الله عليه وسلم-:

«لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول يا ليتني مكانه». (متفق عليه).

أي يا ليتني ميتاً حتى أنجو من الكرب، ولا أرى من المحن والفتن وتبديل وتغيير رسوم الشريعة ما أرى، فيكون أعظم المصائب الأماني، وقد قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "سيأتي عليكم زمان لو وجد أحدكم الموت يباع لاشتراه" وفي تعليق تمنيه بالمرور إشعار بشدة ما نزل بالناس من فساد الحال حالتئذ إذ المرء قد يتمنى الموت من غير استحضار لهيئته فإذا شاهد الموتى ورأى القبور نشز بطبعه ونفر بسجيته من تمنيه، فلقوة الشدة لم يصرفه عنه ما شاهده من وحشة القبور، ولا يناقض هذا النهي عن تمني الموت لأن مقتضى هذا الحديث الإخبار عما يكون وليس فيه تعرض لحكم شرعي.


وفي رواية أخرى لهذا الحديث:

«والذي نفسي بيده، لا تذهب الدنيا حتى يمر الرجل على القبر فيتمرغ عليه ويقول: يا ليتني كنت مكان صاحب هذا القبر، وليس به الدين إلا البلاء» [أَيْ أي ليس ذلك التمرغ والتمني لأمر أصابه من جهة الدين لكن من جهة الدنيا فيفيد البلاء المطلق بالدنيا]. وفي رواية ابن ماجة «وما به إلا البلاء والفتن».


قال الحافظ العراقي:

"ولا يلزم كونه في كل بلد ولا كل زمن ولا في جميع الناس بل يصدق على اتفاقه للبعض في بعض الأقطار وفي بعض الأزمان".


وعن محمود بن لبيد -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «اثنتان يكرههما ابن آدم: يكره الموت، والموت خيرًا له من الفتنة، ويكره قلة المال، وقلة المال أقل للحساب»   (صحيح الجامع:139). 

خالد سعد النجار

كاتب وباحث مصري متميز

  • 2
  • 0
  • 11,988

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً