الباقيات الصالحات
الباقيات الصالحات، التى تبقى للعامل بعد موته، وتكون أثراً دائماً من حسناته ووسيلة لمثوبة الله ومرضاته وهي الصدقة الجارية والعلم الذي ينتفع به والولد الصالح الذي يدعو له.
جاء في تفسير القرطبي: وعن إبن عباس ايضاً أنها كل عمل صالح من قول أو فعل يبقى للآخرة وقاله ابن زيد ورجحه الطبري وهو الصحيح ان شاء الله.
وردت كلمتى "الباقيات الصالحات" في موضعين من القران الكريم:
قال تعالى:
{الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا} [46- سورة الكهف].
وقال تعالي:
{وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى ۗ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَّرَدًّا} [76 سورة مريم].
جاء أيضا في تفسير الامام القرطبي رحمه الله عن "الباقيات الصالحات" قال الجمهور: "هي الكلمات المأثور فضلها"
"سبحان الله والحمد لله ولا اله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم".
وعن أبي هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خذوا جُنتكم» قلنا يا رسول الله من عدو قال: «لا... جُنتكم من النار قولوا سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر فإنها يأتين يوم القيامة منجيات ومقدمات وهن الباقيات الصالحات». (رواه الحاكم في الدعاء).
"وخرّج ابن ماجه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر به وهو يغرس غرساً قال «ألا أدلك على غراس خيرُ من هذا سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله اكبر يغرس لك بكل واحدة شجرة في الجنة»، ومعنى أنها باقيات صالحات انها تضمنت أوصافاً لله وهو أهل كل كمال.
ومعنى بقائها أنها خالدة لا تفنى وأنها مستمرة لا تتلاشى فإن ما انضم الى الله وما أضيف إلى ذاته العليا وما اتصف به رب العالمين يبقى ولا ينتهي.
وجاء في تفسير القرطبي ايضاً:
"عن ابن عباس انها "الباقيات الصالحات" كل عمل صالح من فعل أو قول يبقى للآخرة وقاله ابن زيد ورجحه الطبري وهو الصحيح إن شاء الله.
فأما كونها "قول" فهي التكبير والتهليل والتسبيح ولا قوة إلا بالله "فهي دعاء ومن الأذكار ومن عمل المسلم في اليوم والليلة وثواب من ذكرها عظيم، واما كونها"فعل" فقد روى مسلم في صحيحه عن ابي هريرة رضى الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا مات ابن ادم انقطع عمله الا من ثلاث: صدقة جارية او علم ينتفع به او ولد صالح يدعو له».
و بذلك أرشد رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الشريف، إلى ما يحرص كل مؤمن على أن يهتدي إليه وهو الباقيات الصالحات، التى تبقى للعامل بعد موته، وتكون أثراً دائماً من حسناته ووسيلة لمثوبة الله ومرضاته وهي الصدقة الجارية والعلم الذي ينتفع به والولد الصالح الذي يدعو له فمن خلف واحدة من هذه أو خلفها كلها فهو بنص الحديث لم ينقطع عمله ولم ينقطع أجره على عمله.
فالصدقة الجارية اي الدائمة هي كل ماينفقه الإنسان في جهات البر إنفاقاً يبقى أثره ويدوم الإنتفاع به وكل ما يعمله الإنسان من خير يستمر نفعه.
فمن وقف مالاً على مسجد أو مستشفى أو مبرة أو فقير أو أي جهة من جهات الخير فوقفه صدقة جارية ومن ساهم في بناء مستوصف أو مدرسة أو مبرة لسد حاجة المرضى والفقراء وطلاب العلم أو ساهم فيما يكفل لهذه المبرات نفقاتها وبقاءها فعمله صدقة جارية ومن يسر الماء النقي لشرب أناس محرومين منه أو أصلح جسراً تمر الناس عليه أو مهد طريقاً تتعثر المارة فيه أو بنى سبيلاً لشرب الماء في طريق منقطع أو ردم مستنقعاً لوقاية الناس من الأمراض فعمله صدقة جارية.
ومن عدل قانوناً جائراً أو أصلح نظاماً في الأمة فاسداً أو رفع عن الناس إصراً أو وضع لتعليم الناشئين وتربيتهم منهجاً قويماً صدقة جارية، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سن في الإسلام سُنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شئ ومن سنً في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شئ» (رواه مسلم).
والعلم الذي ينتفع به هو العلم النافع الذي يهدي الناس الى الصراط المستقيم في عقائدهم أو عباداتهم أو معاملاتهم أو أخلاقهم ويوصلهم الى خيري الدنيا والآخرة.
فمن خلف للناس علماً ينتفعون به في دينهم ودنياهم فعلمه لا ينقطع بموته وثوابه مستمر بإستمرار إنتفاع الناس بعلمه.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه» (رواه البخاري).
وقال صلوات الله وسلامه عليه: «من دعا الى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً». (رواه مسلم).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسيدنا على رضى الله عنه: «فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً، خير لك من حمر النعم». (رواه البخاري و مسلم).
وقال: «إن الله وملائكته وأهل السموات والارض حتى النملة في حجرها وحتى الحيتان في البحر ليصلون على معلم الناس الخير» (رواه الترمذى و قال حديث حسن).
وأما الولد الصالح الذي يدعو لوالده بالخير فهو أثر حميد خالد للوالد ودعاؤه مرجو الإجابة فهو حسنة دائمة من حسنات والده، وصلاحه أثر من أثار التربية الحسنة والرعاية الخلقية المحمودة.
ومن خلف ولداً صالحاً فقد خلف حسنة خالدة وترك في أمته مورداً للهدى وشجرة تثمر الثمار الطيبة لأن الولد الصالح مهتد وهاد وهو في البيئة التى يعيش فيها نور يسطع وأسوة حسنة.
و لنعلم ان هذا الحديث الشريف متفق تمام الإتفاق مع الآية الكريمة:
{وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ} [النجم: 39] لأن الإنسان إذا تصدق بصدقة دائمة فخيرها مستمر بعد موته وثوابه انما هو على سعيه واذا خلف أثراً ترك ولداً صالحاً يدعو له فهو ثمرة من ثمار تربيته ودعاؤه له اثر بره فانتفاعه بصلاح ولده وبدعاء ولده إنما هو إنتفاع بنتيجة تربيته وعمله فهو يثاب على سعيه.
ندعوا الله ان يهدينا الى أمهات البر الدائم.
الكاتب: جلال عبدالله المنوفى