من الأساليب المهمة في الدعوة إلى الله
على الداعية أن يكون مستعداَ للحوار مع المجادل الذي عنده شبه ليزيل عنه أو المستشكل في أمر من الأمور ليزيل إشكاله أو الذي التبس عنده الحق بالباطل فيبين له الحق بالفرقان الذي آتاه الله.
بسم الله الرحمن الرحيم
اعلم – رحمني الله وإياك – إن من أساليب الدعوة والتربية الحسنة التي يغفلها كثير من الناس محاورة الناس وإقناعهم بالحكمة والعقل الرصين.
ولقد كثر في القرآن مثل هذه الحوارات خصوصاً الأنبياء عليهم السلام مع أقوامهم, كالحوار الذي كان يقوم به إبراهيم عليه السلام مرة مع أبيه كما في سورة مريم ومرة مع قومه كما في سورة الأنعام ومرة مع نمرود الطاغية كما في سورة البقرة.
وأنظر أيضا محاورات الأنبياء الكثيرة مع أقوامهم التي جاءت في سورة هود والشعراء والأعراف والبقرة وغيرها من السور.
وهكذا في السنة تجد فيها أمثلة كثيرة كما في صحيح البخاري برقم 6884 - حدثنا أصبغ بن الفرج حدثني ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة : أن أعرابيا أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال إن امرأتي ولدت غلاما أسود وإني أنكرته فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم «هل لك من إبل». قال نعم قال «فما ألوانها». قال حمر قال «هل فيها من أورق». قال إن فيها لورقا قال «فأنى ترى ذلك جاءها». قال يا رسول الله عرق نزعها. قال «ولعل هذا عرق نزعه». ولم يرخص له في الانتفاء منه [ ر 4999 ].
وكالحوار مع الرجل الذي طلب من النبي صلى الله عليه وسلم الزنا فأقنعه بحوار هادى بناء حتى اقتنع بترك قبيح الفعل وانكشف له الحق حتى صار الزنا أمامه من أكره الأشياء وأقبحه كما في مسند الإمام أحمد عن أبي أمامة قال: إن فتى شاباً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ائذن لي بالزنا! فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا: مه مه، فقال: «أدنه»، فدنا منه قريباً، قال: فجلس، قال: «أتحبه لأمك»، قال: لا والله جعلني فداءك، قال: «ولا الناس يحبونه لأمهاتهم»، قال: «أفتحبه لابنتك»، قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك، قال: «ولا الناس يحبونه لبناتهم»، قال: «أفتحبه لأختك»، قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: «ولا الناس يحبونه لأخواتهم»، قال: «أفتحبه لعمتك»، قال: لا والله جعلني فداءك، قال: «ولا الناس يحبونه لعماتهم»، قال: «أفتحبه لخالتك»، قال: لا والله جعلني فداءك، قال: «ولا الناس يحبونه لخالاتهم»، قال: فوضع يده عليه وقال: « اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه وحصن فرجه»، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء. قال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الصحيح.
لذلك على الداعية أن يكون مستعداَ للحوار مع المجادل الذي عنده شبه ليزيل عنه أو المستشكل في أمر من الأمور ليزيل إشكاله أو الذي التبس عنده الحق بالباطل فيبين له الحق بالفرقان الذي آتاه الله.
وقد أمر الله ذلك في كتابه العزيز حيث قال: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [النحل: 125 ].
أما إذا كان مكابرا أو معاندا فصار للحق المبين ظالما غير منصف فلا مجال إذاً حينئذِ للجدال معه, وقد أمر الله في آية أخرى أن لا يجادل أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن ثم استثنى منهم الذين ظلموا منهم إذ الظالم الذي يجادل بالظلم وينكر الحقائق البينة فلا شك أن جداله عقيم لا يُثمر ولا يُجتنى منه شيء كما قال تعالى {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آَمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [العنكبوت:46 ].
وهكذا ينبغي على الداعية أن يكون منصفاً في حواراته ومناظراته ومناقشاته متأدباً بخلق الإسلام الرفيع غير جارح ولا متكلم على الخصم وشخصه حتى يصل إلى درجة أن يحب أن يظهر الحق ولو على لسان خصمه كما كان كذلك الإمام الشافعي يقول ذلك ويعتقده رحمه الله.
والله ولي التوفيق