نصر الله وسورية وشهادة الزور

منذ 2011-06-21

الأحداث الجسيمة والتطورات السريعة المتلاحقة تشكل فاصلا تاريخيا هاما، وترفع الستار أو تسقطه عن أصحاب البطولات الزائفة والمواقف المخادعة. كما تساعد في نفض الغبار عن تصورات مبلورة مسبقا، وتعيد تشكيل المفاهيم بصور أدق وأوضح..


الأحداث الجسيمة والتطورات السريعة المتلاحقة تشكل فاصلا تاريخيا هاما، وترفع الستار أو تسقطه عن أصحاب البطولات الزائفة والمواقف المخادعة. كما تساعد في نفض الغبار عن تصورات مبلورة مسبقا، وتعيد تشكيل المفاهيم بصور أدق وأوضح. الثورة السورية الراقية في إطروحاتها السلمية والوطنية والتي تسعى عبر تضحيات كبيرة وشجاعة استثنائية غير مسبوقة، لإعادة الحرية والكرامة لشعب كريم حرمه منها نظام فاسد ودموي قمعي عقود من الزمن، فضحت بثباتها وخوضها معركة الكف والمخرز، مواقف العديد من الأطراف المتخاذلة والمتواطئة مع الظلم والقتل مثل بعض العلماء والفنانين والمثقفين والإعلاميين. غير أن الخاسر الأكبر على صعيد المواقف والمبادئ والتعاطف الشعبي هو حزب الله، والذي أظهرته الأحداث العاصفة في سورية، جهة تفتقر للمبادئ وتفتقد للقيم وتتعامل مع الآخرين من خلال معايير مزدوجة، تزعم مناصرة الشعوب العربية في ثوراتها هنا وهناك فيما تدعم الدكتاتور في حربه الدموية على الشعب السوري وحراكه السلمي.


في كلمته الأخيرة سقط نصر الله سقوطا مدويا حين دافع عن النظام السوري، ممتدحا بشار الأسد قائلا إن أغلبية الشعب السوري ما زالت تؤيده وإنه -أي الأسد- مؤمن بالإصلاح وجاد ومصمم "بل أنا أعرف أكثر من ذلك أنه مستعد للذهاب إلى خطوات إصلاحية كبيرة جدا ولكن بالهدوء والتأني وبالمسؤولية". ودعا نصر الله السوريين إلى الحفاظ على بلدهم ونظامهم "المقاوم والممانع" وأن يعطوا المجال للقيادة السورية بالتعاون مع كل فئات شعبها لتنفيذ الإصلاحات المطلوبة وأن يختاروا طريق الحوار وليس الصدام. وإذا كان من حق نصر الله أن يدعم من يشاء، غير أن ليس من حقه أن يزعم بأن أغلبية السوريين تؤيد الأسد. هذا محض كذب وافتراء، فالنظام الذي تؤيده أغلبية الشعب لا يحتاج إلى محاورة مواطنيه بالقتل والقمع وحصار المدن وتجويعها ليبقى على سدة الحكم، كما إن سورية محرومة ومنذ عقود من أي انتخابات، فيما يفوز بشار نسبة 97% ويزيد في استفتاءات رئاسية ساخرة.


شهادة نصر الله للأسد بأنه مؤمن بالإصلاح وجاد به، هي شهادة زور وتفتقر للمصداقية وتخالف الواقع وبشكل صارخ. فأي إصلاح ذلك الذي عنوانه غزو المدن والقرى السورية بالدبابات، وأية جدية تلك ونحن نسمع عن الإصلاح ومحاربة الفساد منذ وصول بشار للحكم لا بل ومن عهد حكم الأسد الأب. حين وصل بشار للحكم بطريقة مظلمة ومن خلال التوريث، تحدث في خطاب القسم الرئاسي في 17-7-2000 عن وعود بالديمقراطية وعن عهد جديد، وانطلق ربيع دمشق والذي كان النظام يريد من خلاله مخادعة النخب الثقافية والسياسية لتمرير مهزلة التوريث. ولم يطل الأمر شهور عديدة حتى كشف النظام عن وجهه البائس ليعلن وزير إعلامه عدنان عمران في يناير 2001 أن هيئات المجتمع المدني استعمار جديد، وليؤكد بشار بعدها بنحو شهرين وفي مناورة عسكرية بأن في سورية أسس لا يمكن المساس بها منها نهج الرئيس الخالد حافظ الأسد بحسب وصفه. الإصلاح السياسي في سورية ومحاربة الفساد استخدمها النظام مرات عديدة لتصفية خصوم سياسيين ولخداع الرأي العام وتسويق الوهم والأكاذيب. بعد كل هذه الدعاوى الزائفة ومع التذكير بأن حكم الأسد الاستبدادي والمطلق هو المسؤول عن الفساد والإفساد في البلاد والظلم على العباد، فإن إي إصلاح لا يتضمن رحيل الأسد ومحاكمته يعتبر مزيد من الخداع وتضييع لمقدرات الأمة وعبث بمصائرها.


حسن نصر الله الذي امتدح الثورات العربية اعتبر أن في إسقاط النظام السوري مصلحة أميركية وإسرائيلية ليُستبدل به نظام على شاكلة ما سماه الأنظمة العربية المعتدلة الحاضرة لتوقيع أي سلام "يعني أي استسلام مع إسرائيل". وهنا يغالط نصر الله نفسه، فكيف يستقيم لعاقل أن يراقب الضغوط الأمريكية على النظامين المصري والتونسي والدعوة الصريحة لرحيلهم، فيما يحظى نظام الأسد وبعد عشر أسابيع من القتل والتدمير وحصار المدن والقرى ومئات الشهداء بدلال لا نظير له وهو ما يزال يسمع دعوات أوباما وساركوزي وأوردغان له بقيادة الإصلاح؟


نصر الله ناقض نفسه في خطابه وظهر بموقف لا أخلاقي وهو يستخدم معايير مزدوجة في التعاطي في الشأنين السوري والبحريني رغم الفارق الكبير بين موقف حكومة البحرين والتي لم تمنع الإعلام من تغطية الأحداث وبين إجرام نظام الأسد ووضعه البلاد تحت ستار إعلامي كثيف. وناقض الرجل نفسه أيضا حين طلب من اللبنانيين عدم التدخل في الشأن الداخلي السوري في حين أعلن انحيازه المطلق في الصراع الدائر هناك لصالح الطغيان والقتلة. إن المقاومة التي لا تحتكم إلى الأخلاق الإنسانية في تعاملها مع الآخرين، هي نوع محسن من الارتزاق السياسي والعسكري. كما إن استخدام قضايا الأمة ودماء خيرة شبابها في معركة صراع النفوذ الإقليمي لصالح طهران هو الآخر مظهر مؤلم للانحطاط السياسي والأخلاقي.


26/6/1432 هـ
 

المصدر: د. ياسر سعد - موقع المسلم
  • 0
  • 0
  • 3,986

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً