متى تعود لرجب حرمته؟

منذ 2011-06-23

قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهرًا، منها أربعة حرم ثلاث متواليات ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب شهر مضر الذي بين جمادى وشعبان» (رواه مسلم)..


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمدٍ خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين.. وبعد:

فإن شهر رجب مضر جعله الله سبحانه وتعالى من الأشهر الحرم التي يحرم فيها سفك الدماء، فقال عز وجل: { إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ..... } [التوبة: 36].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: « إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهرًا، منها أربعة حرم ثلاث متواليات ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب شهر مضر الذي بين جمادى وشعبان» (رواه مسلم).
وقد ذكر البيهقي في شعب الإيمان: "أن الله سبحانه وتعالى جعل الذنب في تلك الشهور أعظم، والعمل الصالح والأجر أعظم" (شعب الإيمان: 3/ 360).

ولذلك كان المسلمون الأوائل يمتنعون حتى عن تطبيق حد القصاص فيه، فقد جاء عن عطاء: (أن رجلًا جرح في شهرٍ حلال، فأراد عثمان بن محمد وكان يومئذٍ أميرًا أن يقيده في شهر حرام، فأرسل إليه عبيد بن عمير لا تقيده حتى يدخل شهر حلال)(مصنف عبد الرزاق: 9/ 303).

وقد غلّظ الشافعي رحمه الله دية من قتل خطأ في الشهر الحرام، مستندًا في ذلك على ما روي عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما.


وكان من بركة هذا الشهر: أن تم فيه أول لقاء للنبي صلى الله عليه وسلم مع بعض الأنصار، الذين كان لهم بعد الله سبحانه وتعالى الفضل في إقامة دولة الإسلام، التي أرست حرمة الدماء، فقد جاء في المستدرك للحاكم عن جابر بن عبد الله أنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على الناس بالموقف فيقول: « هل من رجل يحملني إلى قومه فإن قريشًا قد منعوني أن أبلغ كلام ربي » ،قال: فأتاه رجل من بني همذان فقال: أنا، فقال: « وهل عند قومك منعة؟» قال: نعم وسأله:« من أين هو؟» فقال: من همذان، ثم إن الرجل الهمذاني خشي أن يخفره قومه، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: آتي قومي فأخبرهم ثم ألقاك من عام قابل قال: « نعم » فانطلق فجاء وفد الأنصار في رجب" (المستدرك على الصحيحين للحاكم: 9/ 497).


ومن العجب أن العرب قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم رغم ما كانوا فيه من جاهلية كانوا يعرفون لرجب حرمته، فقد روت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إن رجب شهر الله ويدعى الأصم، وكان أهل الجاهلية إذا دخل رجب يعطلون أسلحتهم ويضعونها، وكان الناس ينامون وتأمن السبل، ولا يخافون بعضهم بعضا حتى ينقضي» (شعب الإيمان للبيهقي: 8/ 320).

وقال الأزرقي في كتابه (أخبار مكة): "كانوا يعظمون أن يأتوا شيئًا من المحارم، أو يعدوا بعضهم على بعض في الأشهر الحُرم وفي الحرم" (أخبار مكة للأزرقي: 1/ 232).


وقال مهدي بن ميمون: "سمعت أبا رجاء العطاردي يقول: كنا في الجاهلية إذا دخل رجب نقول: جاء منصل الأسنة فلا ندع حديدة في سهم ولا حديدة في رمح إلا انتزعناها فألقيناها" (شعب الإيمان: 3/ 370).

فإذا كان هذا حال المسلمين الذين آمنوا بالله عز وجل، وحال العرب في الجاهلية الذين لم يكن لهم إله يعبدونه ولا رسول يتبعونه! الكل يعظم رجب ويعرف له حرمته، فما بالنا نحن وقد هل علينا رجب والدماء تسيل منا ليلاً ونهارًا، فلا نكاد يمر علينا يوم إلا ونسمع عن عشرات القتلى في اليمن وأكثر منهم في سوريا وأضعافهم في ليبيا، وغير ذلك من بلاد المسلمين....


فيا قوم: متى تعود لرجب حرمته؟ ونكف عن سفك الدماء وإزهاق الأرواح وترويع الآمنين فيه، إن لم نستطع فعل ذلك على مر الأيام، وإذا كنا نعجز ونحن مسلمون عن التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم، ونتخلق بخلق القرآن وعدم ظلم أنفسنا في هذا الشهر الحرام، فلا أقل من أن نقتفي أثر العقلاء من عرب الجاهلية -الذين لم يكن لهم هدي ولا دين- إذا دخل رجب، فنعطل فيه أسلحتنا ونضعها، ونجعل الناس تنام آمنة وتسير في الطرق سالمة، ولا يخاف بعضهم بعضا حتى ينقضي رجب.


 

المصدر: أحمد عبد الحميد عبد الحق - موقع المختار الإسلامي
  • 1
  • 0
  • 3,058

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً