قضية المرأة في النظم الجاهلية وفي الإسلام:المقال الثاني
كانت المرأة لا تملك الانفصال عن زوجها ولو طلقها مائة مرة، فجعلها الإسلام طلقتين فقط، وفي الثالثة تنتهي عشرتها مع زوجها.
2- كان حكم الجاهلية يقضي بأن المرأة لا إرث لها من مال والديها ولا أحدا من أقاربها، بل الذي يختص بالمال كله هو الرجل فقط، ولكن حكم الله تعالى: {لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا } [النساء:7] فجعل المرأة ترث من المال مهما كان قليلا أو كثيرا بقدر نصيبها الذي بينته السنة أتم بيان.
3- كانت المرأة تورث كالمتاع أو كالحيوانات التي يتركها الميت لورثته، هكذا حكم الجاهلية، ولكن حكم الإسلام يختلف تماما إذ حكم بأن هذا لا يحل، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا} [النساء:19].
4- كانت المرأة تعامل كقطعة من جماد لا اهتمام بها ولا نظر لمشاعرها، فقد كان الرجل يجمع بين الأختين في الزواج دون أي اعتبار لما تحس به كل منهما من الغيرة والتعذيب النفسي، ولكن الله في القرآن الكريم جعل هذا العمل من المحرمات المؤبدة في حياة كل منهما تحت رجل واحد، حيث قال الله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ [النساء:22] إلى أن قال تعالى { وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا} [النساء:23].
5- كانت المرأة لا تملك الانفصال عن زوجها ولو طلقها مائة مرة، فجعلها الإسلام طلقتين فقط، وفي الثالثة تنتهي عشرتها مع زوجها.
6- كان الرجل يعدد الزوجات حسب ما يريد، فجعلها الإسلام أربعا فقط مع أمن الجور والاستطاعة الكاملة.
7 – كانت المرأة لا رأي لها في اختيار الزوج الذي تريد، بل تزوج مكرهة.
8- كانت المرأة إذا مات عنها زوجها ينكحها ولده من غيرها دون أي اعتبار لما كانت تتمتع به في حياة زوجها من منزلة ودون اعتبار لزوجة الأب التي هي بمنزلة الأم، فأبطل الله هذه الفعلة القبيحة وحرمها بقوله تعالى {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاء سَبِيلاً} [النساء:22].
ثلاث صفات قبيحة لهذا السلوك البهيمي.
9- كانت المرأة التي تقع أمة لشخص بأي سبب تقهر وتهدر كرامتها، بل تصبح سلعة رخيصة معروضة إذ كان سيدها يكرهها على البغاء ليثرى على حساب عفتها، فأبطل الله ذلك فقال تعالى {وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [النور:23] فحرم الله ذلك السبيل الجائر إلى الأبد.
كما أنه لم يكن للمرأة أي حقوق أو دور مع الرجل في الأمور المهمة، فلا يسمع لها رأي، ولا يقام لها وزن، وإنما هي لمتعة الرجل فقط، فجاء الإسلام الذي أعطى المرأة حقوقا لم تنلها في حياتها لا من قبل ولا من بعد في غير الإسلام، فقد بين الله في كتابه الكريم وفي سنة نبيه أن المرأة هي بخلاف ما كانت تتصوره الجاهلية، فهي تماما مثل الرجل في أشياء كثيرة تأملها فيما يلي:
أولاً: أصل الخلق: تحدث الله في القرآن الكريم عن الأصل الذي تكاثر منه الإنسان وجعل المرأة شريكة الرجل في تكوين ذلك الأصل وجعله نعمة توجب على الإنسان التقوى والمراقبة، قال الله تعالى يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى[الحجرات:13]، وأن الذكر والأنثى خلقا من نفس واحدة، قال تعالى { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَآءً} [النساء:1].
ثانيا: أن كلا من الرجل والمرأة سواء في اعتبار كل منهما هبة ومنحة من الله تعالى، قال تعالى { لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَآءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} [الشورى:49-50].
ثالثا: سوى الله في القرآن الكريم كذلك بين الرجل والمرأة في الاستقلال في المسئولية الشخصية، وهذا يتمثل في الأمور الآتية:
1- تحميل المرأة مسئولية تصرفها في الدنيا كالرجل سواء بسواء، قال تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَآءَ بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [المائدة:38].
2- ترتيب الجزاء في الآخرة على العمل الفردي من الرجل والمرأة طاعة كان أو معصية، قال تعالى عن الطاعة: فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ [آل عمران:195].
وبالنسبة للمعصية قال تعالى: {لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [الأحزاب:73 ].
3- سوى بينهما في إباحة كسب المال بالطرق المشروعة رغم اختلاف طبيعتهما وأرشد كلا منهما إلى تحري الفضل والخير من الأموال بالعمل دون التمني والتشهي، وأنه ليس للرجل أن يسلب المرأة مالها ولا العمل الذي يتناسب مع طبيعتها، كما أنه ليس للمرأة أن تطمع فيما وراء مؤهلاتها الطبيعية، قال تعالى: {وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [النساء:32].
ومعنى ما فضل الله به بعضكم على بعض: أي تمني النساء أن يكن رجالا أو تمني بعضكم أموال البعض الآخر.
4- سوى بينهما في استحقاق الإرث بحكم الصلة التي تربط كلا منهما بالموروث، فقال تعالى {لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا} [النساء:7].
وبهذا أبطل ما كان متعارفا عليه قبل الإسلام من حرمان المرأة والصغير من الميراث، وإن كان نصيب الرجل أكثر من المرأة في الميراث، فذلك لما كلفه به الإسلام من النفقة عليها والقيام بشؤونها، و على هذا فإن نصيب المرأة وإن كان يبدو قليلا لكنه كثير، إذ أن ما تأخذه سيكون باقيا لها بخلاف الرجل فإن ما يأخذه سيذهب في الإنفاق على النساء و على كل من يعول الرجل، فقليل يبقى خير من كثير يزول.
5- وسوى بينهما في توجيه الخطاب عندما تحدث عن الآداب العامة ووجوب مراعاتها مثل غض البصر، وحفظ الفرج، وعدم إبداء المرأة لزينتها، فقال تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور:30-31]
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات:11].
وسوى بينهما في التكافل الاجتماعي، فاعتبر المرأة طرفا مساويا للرجل، ولها نفس التأثير وعليها نفس التبعة، يقول تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة:71].
وسوى بينهما عندما هدد من يعمل على إيذاء المؤمنين والمؤمنات، {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} [الأحزاب:58].
وسوى بينهما في طلب الاستغفار من الرسول صلى الله عليه وسلم لكل منهما، قال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ } [محمد: 19].
ومن تكريم الله للمرأة ولطفه بها أن أوجب الإسلام على الرجل أن يقوم بالإنفاق على وليته، والزوج على زوجته، فهو مسئول عن مسكنها وكسوتها ومطعمها ومشربها على قدر طاقته، قال تعالى: { لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [الطلاق:7]، وهذا بخلاف البهائم فإن الأنثى هي التي تقوم بالإنفاق على نفسها و على أولادها.
ومن تكريم الله للمرأة أن جعل الرجل قيما عليها ومسئولا عنها، فهو الذي يقوم بكل ما تحتاج إليه مما لا تقدر عليه، وقد جعل الله للرجل درجة عليها ليقوم بالتوجيه والإرشاد، قال تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ [النساء:34]، ولم يقل سبحانه "بما فضلهم عليهن"، ولعل ذلك إشارة إلى أن هذا التفضيل ليس إلا كتفضيل بعض أعضاء الجسم على بعضها الآخر دون أن يكون ذلك احتقارا للمفضول كتفضيل اليد اليمنى على اليد اليسرى مثلا، أو كتفضيل العقل على البصر، ونحو ذلك مما اقتضته الحكمة الإلهية .
ومن تكريم الله للمرأة في الإسلام كذلك أن جعلها راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، ومنحها كل الحقوق التي تليق بطبيعتها وبما يقوم به صلاحها، ولقد شهد الكثير من الكفار أن الإسلام أعطى المرأة فوق ما كانت تحلم به، وأنها سعيدة جدا في ظل حضارته الوارفة.
هذا هو الوضع السليم للمرأة في الإسلام، وظلت على هذا الخير إلى أن جاءت الحضارة الغربية الجارفة فإذا بالمرأة تخدع عن هذا الخير وتنزل إلى الحضيض دون أن تشعر حيث نفخوا في روعها أن الحشمة والعفة والحجاب وبيت الزوجية والاقتصار على تربية الأولاد فقط في داخل بيتها وعدم مشاركتها الرجل في العمل جنبا إلى جنب نفخوا في روعها أن كل هذا وما يشبهه من مظاهر عدم انفلات المرأة، أنه تأخر ورجعية إلى الوراء، وأن اقتحام المرأة كل ميدان هو التقدم، فالرقص والاختلاط، وكشف العورة، ونبذ الحياء، كله أدلة قوية على السير في الطريق العلماني السليم بزعمهم، طريق تقدم المرأة وحريتها في ظل الحضارة اللادينية.
وما نسمعه اليوم من المناداة الملحة في أكثر البلدان الإسلامية إلى تقديم المرأة وإلى دخولها في الحكم أقوى دليل على أن النية مبيتة، بل إن البلدان الإسلامية أصبح الحكم عليها بالتقدم أو التأخر عند الغرب يقاس بمدى استهتار المرأة بكل القيم الفاضلة ونبذ الحجاب والانفلات عن الدين.
وانهالت على المرأة المدائح تلو المدائح لجرأتهن على اقتحام الميادين التي كانت للرجال، وأخذ الكتاب والمفكرون في الصحف والإذاعة والتلفزيون وكل وسائل الإعلام يطالبونهن بالمزيد من هذه الجرأة التي لا حد لها عندهم حتى تصورت أنها علت فوق منزلة الرجل وظنت أنها وصلت إلى خير، بينما هي في الواقع مظلومة ظلما فاحشا في ظل هذه الحضارة اللادينية، فأصبحت تعاني من الهموم والمتاعب وإرهاق العمل مثل ما يعانيه الرجل، رغم طبيعتها الضعيفة، وقد أدركت كثير من النساء زيف تلك الدعايات الكاذبة التي بهرجها دعاة تحرير المرأة، وجأرت كثير من نساء العرب المثقفات بالشكوى من وضعهن، وتمنين لو أنهن يعشن عيشة النساء المسلمات كما صرحن بذلك.
وعن الحياة التعيسة التي تعيشها المرأة الأوروبية بعد أن زج بها أدعياء الحضارة والتقدم من العلمانيين اللادينيين في كل معترك الحياة، وبعد أن أصبحت سلعة معروضة بأرخص الأسعار، لا هم لها إلا استرضاء الرجل، وهو أيضا لا هم له إلا الاستمتاع بها إن كانت ذات جمال وكمال، والويل لها إن لم تكن كذلك.
عن تلك الحياة التعيسة تقول الكاتبة الإنجليزية " آني رود " : " إذا اشتغلت بناتنا في البيوت خوادم أو كالخوادم خير وأخف بلاء من اشتغالهن في المعامل، حيث تصبح البنت ملوثة بأدران تذهب برونق حياتها إلى الأبد. أيا ليت بلادنا كبلاد المسلمين حيث فيها الحشمة والعفاف والطهارة رداء الخادمة والرقيق الذين يتنعمان بأرغد عيش، ويعاملان معاملة أولاد رب البيت، فلا يمس عرضهما بسوء. نعم إنه عار على بلادنا الإنكليز أن تجعل بناتها مثلا للرذائل بكثرة مخالطتهن للرجال، فما بالنا لا نسعى وراء ما يجعل البنت تعمل ما يوافق فطرتها الطبيعية كما قضت بذلك الديانة السماوية وترك أعمال الرجال للرجال سلامة لشرفها " .
وتقول الكاتبة " اللادي كوك" : "إن الاختلاط يألفه الرجال، ولهذا طمعت المرأة بما يخالف فطرتها، و على قدر الاختلاط تكون كثرة أولاد الزنا، ولا يخفى ما في هذا من البلاء العظيم على المرأة. فيا أيها الآباء لا يغرنكم بعض دريهمات تكسبها بناتكم باشتغالهن في المعامل ونحوها ومصيرهن إلى ما ذكرنا، فعلموهن الابتعاد عن الرجال إذ دلنا الإحصاء على أن البلاء الناتج من الزنا يعظم ويتفاقم، حيث يكثر الاختلاط بين الرجال والنساء، ألم تروا أن أكثر أولاد الزنا أمهاتهن من المشتغلات في المعامل ومن الخادمات في البيوت، ومن أكثر السيدات المعرضات للأنظار، ولولا الأطباء الذين يعطون الأدوية للإسقاط لرأينا أضعاف ما نرى الآن، ولقد أدت بنا الحال إلى حد من الدناءة لم يكن تصوره في الإمكان حتى أصبح رجال مقاطعات من بلادنا لا يقبلون البنت ما لم تكن مجربة، أعني عندها أولاد من الزنا فينتفع بشغلهم، وهذا غاية الهبوط في المدنية، فكم قاست هذه المرأة من مرارة الحياة حتى قدرت على كفالتهم، والذي اتخذته زوجا لها لا ينظر لهؤلاء الأطفال ولا يتعهدهم بشيء يكون ويلاه من هذه الحالة التعيسة نرى من كان معينا لها في الوحم ودواره والحمل وأثقاله والفصال ومرارته " .
وتقول " أجاثا كريستي " أشهر كاتبة إنجليزية للمؤلفات البوليسية: " إن المرأة الحديثة مغفلة، لأن مركزها في المجتمع يزداد سوءا يوما بعد يوم، فنحن النساء نتصرف تصرفا أحمقا لأننا بذلنا الجهد الكبير في السنين الماضية للحصول على حق العمل والمساواة في العمل مع الرجال، والرجال ليسوا أغبياء، فقد شجعونا على ذلك معلنين أنه لا مانع مطلقا من أن تعمل الزوجة وتضاعف دخل الزوج، ومن المحزن أن نجد بعد أن أثبتنا نحن النساء أننا الجنس اللطيف، أننا نعود اليوم لنتساوى في الجهد والعرق الذي كان من نصيب الرجل وحده " .
وفي استفتاء لمعهد غالوب في أمريكا تقول النتيجة: " إن المرأة متعبة الآن، ويفضل 65% من نساء أمريكا العودة إلى منازلهن: كانت المرأة تتوهم أنها بلغت أمنيتها في العمل، أما اليوم وقد أدمت عثرات الطريق قدمها، واستنزفت الجهود قواها فإنها تود الرجوع إلى عشها لاحتضان أفراخها .
بل وصل الحال بدعاة العلمانية الغربية إلى أن يعتبروا الفضائل رذائل، والعفة مشكلة فقد " انزعجت السلطات التعليمية في اسكوتلانده بسبب موجة الزواج التي تعصف بالمدرسات، فقد تبين أنه خلال عام 1960م عينت 1463 مدرسة في اسكوتلانده، وفي نهاية العام تركت ألف منهن الوظيفة للزواج، وقالت السلطات إن الزواج يهدد النظام المدرسي " .
وهؤلاء الذين ينزعجون من تزويج النساء يشابهون انزعاج قوم لوط حينما دعاهم عليه السلام إلى الطهارة والعفة، فاعتبروا دعوته جريمة، كما قال تعالى مخبرا عن ذلك : {أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ } النمل [:56].
وكان لوقوف دعاة الشر في وجه فطرة المرأة آثاره السلبية، فقد ارتفعت نسبة الانتحار بين النساء في تلك المجتمعات، وارتفعت نسبة الطلاق بينهن، بل وارتفعت نسبة السرقات بين النساء دون أن يكن في حاجة إلى المال، وإنما إلى الانتقام من المجتمع الذي أوصلهن إلى تلك الحالة التعيسة.
أقدمت الممثلة الشهيرة "مارلين مونرو" على الانتحار رغم بهرجة الحياة التي كانت ترى عليها، وقد كتبت قبل أن تنتحر هذه النصيحة لبنات جنسها تقول فيها: "احذري المجد.. احذري من كل من يخدعك بالأضواء، إني أتعس امرأة على هذه الأرض، لم أستطع أن أكون أما، إني امرأة أفضل البيت والحياة العائلية الشريفة على كل شيء.. إن سعادة المرأة الحقيقية في الحياة العائلية الشريفة الطاهرة، بل إن هذه الحياة العائلية لهي رمز سعادة المرأة، بل الإنسان.. "، وتقول في النهاية: " لقد ظلمني كل الناس، وإن العمل في السينما يجعل من المرأة سلعة رخيصة تافهة مهما نالت من المجد والشهرة الزائفة" (9) .
وقد كتب بعض الأطباء في " فيينا " تقريرا عن نسبة محاولات الانتحار بين الفتيان والفتيات قال فيه : "وقد لوحظ أن النساء أكثر محاولة من الرجال، ففي عام 1948م كان عدد المحاولات من النساء 381، وهذا يوافق 61ر58% من المجموع، وفي عام 1956م كان العدد 590 أي بنسبة 73ر56%، وفي عام 1959م كانت النسبة 92ر55%، كما لوحظ أن نسبة المحاولات من الفتيان والفتيات الذين تتراوح أعمارهم بين 14 عاما، و20 عاما ترتفع باستمرار، فعند الفتيان كانت النسبة في عام 1948م 5ر6%، وفي عام 1956م كانت 53ر6%، وفي عام 1959م كانت 81ر6%. وأما عند الفتيات فالتصاعد مخيف، ففي عام 1948م حاولت 50 فتاة الانتحار، وهذا يشكل نسبة 69ر7% من مجموع محاولات الانتحار في ذلك العام، وفي عام 1956 حاولت 89 فتاة الانتحار، وهذا يشكل نسبة 55ر8%، وفي عام 1959م حاولت 150 فتاة الانتحار، وهذا يعني نسبة 20ر14%، وهذا يعني أن كل تسعة أيام توجد ست محاولات انتحار، أربع منها من جانب الفتيات، واثنتان من جانب الفتيان" (10) .
وقالت إحدى الكاتبات الألمانيات: " أتمنى أن أعيش مع رجل ناجح حتى ولو كانت له عشر زوجات " لأنها لا تعرف أن للرجل أن يجمع بين أربع زوجات فقط في الإسلام عند حاجته لذلك.
ومع كل ما سبق فإنه من المؤسف ما تلاحظه – أخي القارئ – من استشراء ذلك الداء العضال الذي أصيب به الغرب في أخلاقهم وفي سلوكهم الاجتماعي، من المؤسف أن ينتقل ذلك كله إلى ديار المسلمين الذين أصبحوا أشبه ما يكونون بتلك القرية التي ضربها الله مثلا بقوله تعالى: {وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ} [النحل:112].
ومما يجدر التنبيه إليه قضية الفوارق بين الناس وما هو الصحيح في النظرة إليها.
- التصنيف:
- المصدر: