الليبرالية في الحكم والسياسة
منذ 2019-01-13
العمل على تطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول المنطقة من خلال الاقتصاد والشراكة في حلف جديد غير مرتبط بهوية دينية أو قومية.
دخلت الليبرالية إلى البلاد الإسلامية بشكل تدريجي وقد بدأ ذلك في أواخر عهد الدولة العثمانية التي كان لها دور كبير في المحافظة على ديار الإسلام، والحكم فيها بالشريعة الإسلامية في الجملة.
ولكن الدولة العثمانية رسخت الانحراف العقدي من خلال تبني الإرجاء والتصوف، وأهملت الشورى والمشاركة السياسية، وهذا ما جعل الدولة والمجتمع بحاجة ماسة للإصلاح، وقد كان هذا أثناء صعود الدول الأوروبية وقيام حركات التحرر بعدد من الثورات ضد العهد القديم مما نتج عنه تغير كبير في الأنظمة السياسية، والتركيبة الفكرية والاجتماعية في أوروبا.
في هذه الأثناء بدأت المطالبة بالإصلاح في الدولة العثمانية، ولكن عملية الإصلاح لم تتم بالأسلوب الصحيح، حيث تم ذلك على الطريقة الأوروبية. وقد كانت البداية غير مقصودة لتطبيق الليبرالية كنظام سياسي في الدولة، ويمكن تتبع عملية تسلل الليبرالية من خلال رصد بدايات التأثر بالنظام الليبرالي ومراحله متدرجا منذ التقليد الشكلي للأنظمة الغربية في أواخر الدولة العثمانية وإلى مشروع الشرق الأوسط الكبير ومنتدى المستقبل في واقعنا المعاصر، وذلك من خلال ما يلي:
عهد التنظيمات:
بدأ عهد التنظيمات عندما شعرت الدولة العثمانية بالوهن والضعف الشديد في حين أن أوروبا قد أثبتت تفوقا قويا في الميدان العسكري والسياسي والعلمي، وهذا ما جعل الدولة العثمانية تفكر في إيجاد طريقة تتمكن بها من اللحاق بالدول الأوروبية في التقدم الصناعي والإداري. وقد كان الخلل في هذه التنظيمات هو بناؤها على النموذج الغربي، وكان الواجب تحريك العقلية الإسلامية للاختراع والإبداع حسب الحاجة، وما يناسب الدولة، وتوسيع الإصلاح ليشمل تجديد الدين وتنقيته من شوائب الإرجاء والتصوف، وفتح باب الاجتهاد وغيره...,
المنهج التوفيقي بين الإسلام والحضارة الغربية الليبرالية : نشأ في عهد التنظيمات السابق، وما صاحبه من دعوة للإصلاح على النمط الأوروبي نخبة من الأساتذة والضباط وموظفي الدولة العثمانية تبنوا الإصلاح، واقتنعوا أن هذا الإصلاح لن يتم إلا بتبني بعض صيغ المجتمع الأوروبي.
.....ولكن هذه الحركة لم تبدأ منفصمة عن الإسلام، وهذا ما استدعى النظر في الإصلاحات الجديدة المأخوذة من أوروبا ومحاولة ربطها بأحكام الإسلام وعقائده.
فقد مثل هذه الحركة من الجانب الفكري "ضياء باشا "، و " نامق كمال "، وهما ممن اطلع على الآداب الأوروبية وأعجبوا بها وشكلوا حزبا سياسيا وهو " حزب الشباب العثماني " وحاولوا الربط بين الفكر الليبرالي والإسلام.
......وفي مصر كان الطهطاوي ممن تشرب الأفكار الليبرالية وأعجب بها إعجابا كبيرا، وقد اطلع في رحلته إلى باريس على الفكر الليبرالي، وقرأ كتب التاريخ والفلسفة والفكر السياسي باللغة الفرنسية، وقد تعرف على فكر فولتير وروسو ومونتسكيو وغيرهم أثناء إقامته هناك.
....وممن تأثر بهذه المنهجية التوفيقية – أيضا – "خير الدين التونسي" الذي يقول عن الدول الأوروبية: " وإنما بلغوا تلك الغايات والتقدم في العلوم والصناعات بالتنظيمات المؤسسة على العدل السياسي وتسهيل طرق الثورية " .
.....وممن ينبغي الوقوف عنده في هذا المجال " محمد عبده " فقد كان صاحب مدرسة مستقلة تخرج منها عدد من الليبرالية في البلاد الإسلامية.
ولهذا وقف الحاكم الإنجليزي لمصر كرومر مع محمد عبده وسانده في كثير من مشاريعه, ومن ذلك أنه احتضنه عندما اصطدم بالخديوي عباس حتى أصبح هو سنده في كل ما استهدفه من مشاريع تطوير الأزهر ومدرسة تخريج القضاة.
وقد ذكر كرومر في كتابه (مصر الحديثة) أنه منح محمد عبده خلال إقامته بمصر كل ما يملك من عون وتأييد, وأنه "محمد عبده" لم يكن يستطيع أن يحتفظ بمنصبه في الإفتاء لولا هذا التأييد.
الجمعيات والأحزاب السياسية الليبرالية :
ظهر في أواخر الدولة العثمانية جمعيات وأحزاب سياسية سرية تتلقى الدعم والمساعدة من الدول الاستعمارية التي كانت تتربص بالدولة، وتستعمل هذه الأحزاب للضغط عليها بما يوافق مصالحها.
وقد أنشأ كثيرا من هذه الجمعيات نصارى العرب في بلاد الشام، كما وجدت أحزاب تجمع بين بعض المسلمين والنصارى، وقد وجد بعض هذه الأحزاب لأفكار سياسية وقتية ثم انتهى. ومن أبرز هذه الجمعيات التي كان لها أثرا:
جمعية الاتحاد والترقي: وهي أول جمعية منظمة تعتمد على الفكر الليبرالي بمفهومه العام، وترجع بداية ظهور هذه الجمعية إلى جماعة (الأحرار) التي تكونت في عهد السلطان عبد العزيز، وأنشأت في عام 1864م مجلة في لندن باسم "حريت" .
ومن خلال هذه الحركة تم التحول من الحكم بالشريعة الإسلامية – مع وجود التفريط والمخالفة- إلى الحكم بالطاغوت والتشريع بغير ما أنزل الله تعالى.
وقد كان وراء هذه الحركة يهود الدونمة في سلانيك, فمن خلال محافل الماسونية تكونت هذه الحركة الليبرالية, وأصبح كثير من أعضائها من اليهود الماسون.
حزب الوفد :
حزب الوفد هو امتداد لأول حزب ليبرالي تكون في مصر أثناء الاحتلال البريطاني، وهو حزب الأمة، وقد التأم حزب الأمة بين جماعة من كبار الملاك وآخرين من المثقفين و على رأسهم " أحمد لطفي السيد، وقد كان المثقفون أصحاب مذهب سياسي واجتماعي وهو (الليبرالية)، وحاولوا التوفيق بينه وبين رغبات هؤلاء الأعيان...,
التحول الديمقراطي ومشروع الشرق الأوسط الكبير:
لم تعرف البلاد الإسلامية الليبرالية إلا من خلال دعاة التغريب، ولم يكن لمفاهيمها السياسية تطبيق في الواقع إلا عن طريق الاستعمار الغربي، وقد كانت فترة الاستعمار هي " العصر الذهبي لليبرالية " في كل البلاد الإسلامية التي دخلها الاستعمار.
و " مشروع الشرق الأوسط الكبير " مشروع أمريكي، ولكن الاتحاد الأوروبي وخاصة ألمانيا وفرنسا كان له مشاركة فعالة لاسيما وأن الولايات المتحدة عرضت المشروع على قمة الدول الثمانية الكبار، وقد بدأ العمل بهذا المشروع من خلال "منتدى المستقبل".
أما أبرز مبادئ مشروع الشرق الأوسط الكبير ، فهي:
أولا: تشجيع الديمقراطية (بمفهومهم! ).
ثانيا: بناء مجتمع معرفي.
ثالثا: توسيع الفرص الاقتصادية.
أما الأهداف الحقيقة لمشروع الشرق الأوسط الكبير:
مشروع الشرق الأوسط الكبير مشروع له أبعاد سياسية واقتصادية، وينطلق من المنفعة الغربية بالدرجة الأولى، فالغاية تبرر الوسيلة حسب الرؤية الميكافيللية الغربية، ولكنه يتذرع بالخوف على المصالح الغربية، ويتجمل بالحرص على الإصلاح وإشاعة الديمقراطية والحرية في العالم.
والمتابع للسياسة الغربية يجزم أن مصلحة المنطقة غير واردة في هذا المشروع، فالاستعمار البريطاني والفرنسي نهب ثروات الشعوب، واستعبد الناس وفق مصالحه الذاتية:
والأهداف الحقيقية لهذا المشروع يمكن بيانها من خلال ما يلي:
أولا: إعادة ترتيب أوضاع المنطقة لتتقبل النموذج الليبرالي في الشأن السياسي (الديمقراطية)، والشأن الاقتصادي (الرأسمالية) لظنهم أن تطبيق الليبرالية في هذه البلاد الشرق أوسطية سيخفف الاحتفال الشعبي وبالتالي يفقد الإرهابيين (المجاهدين) التأثير على الشعوب الإسلامية في المنطقة.
ثانيا: تهيئة المنطقة للعولمة ودخول الشركات الغربية في أسواقها لزيادة الكسب، وحل مشكلة الفائض في الاقتصاديات الغربية، والبحث عند اليد العاملة الرخيصة.
ثالثا: العمل على تطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول المنطقة من خلال الاقتصاد والشراكة في حلف جديد غير مرتبط بهوية دينية أو قومية.
- التصنيف:
- المصدر: