سمات الرسول صلى الله عليه وسلم القيادية
ولا تزال سيرته عليه الصلاة والسلام تغزر بالمعالم القيادية والسمات الرائعة فقها وشأنا وسياسة وإدارة، وخليق بالمسلم الواعي مراجعتها على الدوام واستلهام الدروس والمعاني منها، والله الموفق..!
• من صغره صلى الله عليه وسلم وعبقريته ظاهره، وهمته عالية، والنفَس القيادي يلوح، فقد كان يوضع لجده عبد المطلب سرير بجنب الكعبة، فيُدفع عنه كل الصبيان، حتى يجيء رسول الله عليه الصلاة والسلام، فيحاولون دفعه، فيمنعهم جده عبد المطلب قائلا : (دعوا ابني هذا فإنه سيكون له شأن)...!
• واستنبط أبو الفرج ابن الجوزي رحمه الله علو همته من صباه، وعدم رضاه باليسير والقليل...!
• إذا ما علا المرءُ رام العلا/ ويقنع بالدون من كان دونا...!
• واصطفاه الباري تعالى لرسالته، ورفعه دينا وعقلا وخلقا، فجمع ما بين منائر الوحي، وفطانه السلوك الاجتماعي، والذيجعل من سيرته مرجعا للعبقرية القيادية( {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } ) [سورة الأحزاب] .
• ومن أجل صفاته القيادية: الصدق والشجاعة، وقد اعترف بها المشركون، ولقبوه قبل البعثة( بالصادق الأمين ) وكانت إحدى علامات هرقل الرومي في الاستدلال على نبوته( هل كُنتُم تتهمونه بالكذب ) فقال: لا، فقلت: ما كان ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله...!
• وأما الشجاعة فوراد المنايا، حاضر في كل المواقف، ويكفي قول علي رضي الله عنه( كنّا إذا اشتد بِنَا البأس اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم ).
• التروي في اتخاذ القرارات والدليل أن الأنصار لما انتهوا من عقد بيعة العقبة الثانية قالوا : ” يا رسول الله، إن شئت لنميلنّ على أهل منىً غداً بأسيافنا ” فقال صلى الله عليه وسلم: ( لم نؤمر بذلك، ولكن ارجعوا إلى رحالكم ).
• إشراك الأمة والأتباع في القرارات ومشاورتهم على الدوام ( «أشيروا علي أيها الناس» ) رددها في مواطن مختلفة كبدر وأحد، تحقيقا للنهج القرآني ( وشاورهم في الأمر )سورة آل عمران. واستكمالا لنهج المجتمع المسلم ( {وأمرهم شورى بينهم} ) [سورة الشورى] .
• بل ذلك كان كثيرا وطبعةً له، قال أبو هريرة رضي الله عنه ( «ما رأيت أحدًا قط ، كان أكثر مشورةً لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم » ) [أخرجه أحمد] .
• التضحية والخدمات الاجتماعية معالم قيادية، أحرزها المصطفى المختار من قبل البعثة، فلما عاد من حراء، قال لزوجه خديجة رضي الله عنها ( لقد خشيت على نفسي "، فقالت : كلا والله لا يخزيك الله أبداً ، إنك لتصل الرحم ، وتَحمل الكَلّ ، وتُكسب المعدوم، وتَقري الضيف، وتعين على نوائب الحق ).
• وكان يفتح باب الحوار والمراجعة كما في اختيار موضع بدر، وحكم الأسرى، وعاد إلى رأي الحُباب بن المنذر رضي الله عنه : إن هذا ليس بمنزل...!
• بُعد نظره العجيب، كما صنع في (صلح الحديبية) من الصبر وقبول غبن الصلح ومضضه، ليتفرغ للدعوة وإظهار سماحة الإسلام، وفضح غرور القرشيين وعدم صلاحيتهم للإشراف على مكة وحرمها، وكذلك تركه لقتل المنافقين برغم استحقاقهم ( لئلا يتحدث العرب أن محمدا يقتل أصحابه ) كما في الصحيحين .
• خدمة الناس ومشاركتهم الأعمال والمهام : كما شارك في بناء المسجد وحفر الخندق برغم المتاعب والجوع، ولكنه رسخ في عقولهم فضيلة العمل والتواضع واحتمال الشدائد ، وسيد القوم خادمهم، كما ينقل..!
• تهيئة الشباب والصف الثاني والقواعد البديلة: كما حصل من تربية ابن عباس على العلم، وأسامة للقيادة، ومصعب للدعوة، وترك مهاجري الحبشة إلى سنة(٧) للهجرة للأحوال الطارئة .
• ومع بأسه وحزمه لم تنأَ عنه صفات الرحمة والعفو: في مظانه التاريخية ، قال تعالى ( { بالمؤمنين رؤوف رحيم} ) [سورة التوبة] ، ولما فتح مكة ذلك الفتح الأعظم، عفا وسامح وقال ( « اذهبوا فأنتم الطلقاء » ).
• ومن صفاته: إعداد الرجال وصناعة الأبطال كما صنع في دار الأرقم بن أبي الأرقم، وخلّص جلسائه كما قال علي رضي الله عنه:( « كنت أكثر أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: جئت أنا وأبو بكر وعمر ودخلت أنا وأبو بكر وعمر» ..) كما في الصحيحين .
• ومن صفاته: الثبات على مبادئه ودعوته، برغم العروض المقدمة، والإغراءات السالبة، والتي وضعتها قريش ومن خلال نائبها عتبة بن ربيعة(.. : يا ابن أخي إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر، مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا، وإن كنت تريد به شرفا سودناك علينا حتى لا نقطع أمرا دونك ...) فما زاد رسول الله على الإنصات وتلاوة صدر سورة فصلت التي قطعت عنقه، وقرّعت أذنه...!
• ومنها: حزمه الإداري، مثل ما صنع مع الشاعر الهجاء أبي عزة الجُمحي، وكان عفا عنه في بدر، فعاد في أحد وأسره، فأمر به وقُتل، وقال: ( «لا ترجع إلى مكة، فتمسح عارضيك، وتقول: خدعت محمدا مرتين، لا يُلدغ المؤمن من جحر واحدٍ مرتين» ).
• وهو ليّن رفيق وقت الرفق، شديد متين وقد الشدة والحسم: يحمي الضعفاء، ويساعد الموالي والمساكين، ويقول ( «إخوانكم خوَلكم» ..) كما في الصحيح، وتأتيه الجارية من نساء المدينة فيقضي حاجتها حيث شاءت .
• ومنها: عدالته الفذة، وعيشه الزاهد الفريد، وحرصه على محاسبة أقاربه ( «لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها» ).
• الحرص على التجميع ونبذ الخلاف والتقطيع، مما يزينه رواة الأخبار والشائعات، وقد صح قوله( « يد الله مع الجماعة» ) وقوله( «إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ، ولكن في التحريش بينهم» ) ويروى( «لا يُبَلِّغُنِي أحدٌ من أصحابي عن أحدٍ شيئًا، فإنِّي أحبُّ أن أخرج إليكم وأنا سَلِيم الصَّدر » ) كما عند الترمذي .
• وكان يُشيد ويشجع ويرفع المعنويات، حتى يجعل من أتباعه قوة متلاحمة، وفئة ترهبها الخصوم، فيريهم في بدر مصارع القوم، وفي الخندق يبشرهم بالعاقبة والفتوحات، ويقول ( « الآن نغزوهم ولا يغزوننا نحن نسير إليهم » ).
• وهو الصبور القنوع الحكيم، الذي يشتري الأقوام بالدنيا ولعاعتها، ويرسخ مبادئ آخرين حينما يكلهم لإيمانهم، كما فعل في حنين، فأعطى المؤلفة قلوبهم عطاءَ من لا يخشى الفقر، قَالَ أَنَسٌ رضي الله عنه: ( إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيُسْلِمُ مَا يُرِيدُ إِلَّا الدُّنْيَا، فَمَا يُسْلِمُ حَتَّى يَكُونَ الْإِسْلَامُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا) وهذا تربية رسول الله ومقصده الإداري والاستراتيجي .
• وهو القائد البارز للناس: فلا حجاب ولا ابتعاد، وبابه مفتوح لكل طارق، قاض للحوائج ومجيب للسائلين، قال جرير رضي الله عنه( «ما حجبني رسول منذ أسلمت، وما رآني إلا تبسم في وجهي» ). ويستطيع كل أعرابي، وصغير وكبير الوصول إليه، ومثل ذاك مع ما فيه من متاعب، إلا إنه يصل إلى الأفئدة بلا استئذان ( {وإنك لعلى خلق عظيم} ) [سورة القلم] .
• وهو الشخصية المعتدلة، التي لا تغضب على كل حال، ولكن في مواضعه الصحيحة، كانتهاك الحرمات، وقال لرجل ( «لا تغضب» ) وصح قوله( « ليس الشديد بالصُّرَعة ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» ).
• ولا تزال سيرته عليه الصلاة والسلام تغزر بالمعالم القيادية والسمات الرائعة فقها وشأنا وسياسة وإدارة، وخليق بالمسلم الواعي مراجعتها على الدوام واستلهام الدروس والمعاني منها، والله الموفق..!
- التصنيف: