سنن الله في التغيير المستفادة من سورة الكهف:المقال الثامن

منذ 2019-03-18

وقد سبق تدريب خضر عليه السلام تدريب الله لموسى عليه السلام التواضع وأن لا يتسلل إليه مرة أخرى ما يُفهم منه الإعجاب بالنفس ولو بلغ أرفع درجة عند الله وهو كونه نبي من أنبياء الله بل هو كليم الله الذي اصطفاه على الناس.


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد
قوله تعالى { {قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا} } [ الكهف: 70 ]
هذا الكلام من خضر عليه السلام يدل على تدريبه لموسى على الصبر والالتزام بالصمت لكونه متعلم وخضر هو العالم المعلِّم كما ترى.
وقد سبق تدريب خضر عليه السلام تدريب الله لموسى عليه السلام التواضع وأن لا يتسلل إليه مرة أخرى ما يُفهم منه الإعجاب بالنفس ولو بلغ أرفع درجة عند الله وهو كونه نبي من أنبياء الله بل هو كليم الله الذي اصطفاه على الناس.
وأيضا يُأخذ من هذه القصة عدم المداخلة أثناء إلقاء الدروس أو المحاضرات خصوصا إذا كان لا يرتاح الأستاذ لهذا الأمر.
وهذا بالطبع يحتاج من طالب العلم الصبر , أما إذا كان الأستاذ يرحب بها برحب الصدر فقد تكون الأسئلة مناسبة ويستفاد منها وقد تُعرقل عن الدرس وتُخرج عن موضوع الدرس أو تٌشغل عن الدرس لكن إنما الأستاذ الحصيف هو الذي لا يستطرد طويلاً بل يوجز وسيعود إلى صلب الموضوع سريعاً ليكسب الوقت
قوله تعالى : { {فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72) قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (73)} }
وهذه - بالطبع - كانت انطلاقتهما الأولى عليهما السلام ولكنهما ركبا على البحر وهوله , وقد حصلت المفاجأة بخرق خضر - عليه السلام - السفينة التي كانت تقلهما على الفور ويُفهم من هذا الاستعجال بالخرق قوله تعالى { {حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا} }.
ومن المعلوم الركوب على البحر وحده مخوف فكيف إذا كان صاحبك أخذ يُكسِّر السفينة التي تُقلُّكم وفي نفس الوقت ممنوع عليك الكلام بل عليك الصبر والمصابرة والتفرج أو الترقب لما سيحدث!! . 
إذا ترى هنا أن التدريب على الصبر ليس بالأمر الهين ولو تتطلب الأمر أن تشعر بهلاك نفسك في البحر لكن موسى عليه السلام كانت هذه المرة منه نسيان.
وأيضاً يُأخذ من القصة أن العذر للإنسان بالنسيان ومعاملة الناس فيما بينهم بالسماحة وعدم التعسير كان أمرا مشروعا ومعروفا في الأمم الماضية وعند الرسل جميعا كما يبدوا من القصة.
ففي الحديث الذي رواه جابر بن عبد الله قال قال النبي لى الله عليه وسلم : " « رحِم اللهُ عبدًا سَمْحًا إذا باع سَمْحًا إذا اشترى سَمْحًا إذا اقتضى سَمْحًا إذا قضى» " أخرجه ابن حبان في صحيح ابن حبان برقم 4903 
كما يُأخذ من القصة أن الأمر الجديد على الشخص سينسى ولا غرو من ذلك حتى يتأقلم معه ولذلك ينسى الناس كثيرا في الأيام الأولى من صيام رمضان فيأكلون أو يشربون حتى يتأقلموا معه. 
وأيضا يُأخذ من القصة الخلق الرفيع الذي حباه الله بكوسة عليه السلام ولذلك لم يعاتب إلا فعل خضر خصوصاً مع هذا الفعل الجسيم الحاصل من خضر عليه السلاك بينما نرى في أوساط الناس إذا حدث شيء من أخ في الله ولم يُعلم لم فعل وما الحكمة وراء فعله هذا تُعدِّي عليه بالاتهامات فاتُّهم أولا نفسه إما بالجنون وربما وقعت شتائم وربما تنابزوا بأوصاف لا تليق وربما اتهموا النيات والمقاصد...إلخ, ومع ذلك كله ربما لم يكن الأمر جسيماً خطيراً يخاف منه الهلاك كما حدث لموسى عليه السلام ولكنه مع ذلك إنما هو بمجرد أمر بسيط,! والله المستعان.
وأيضا يُأخذ منه أن يُترك النقاش العقيم الكثير عندما يقودك رجل أعلم منك وأخبر وأحكم سواء كان ذلك الأمر في أمر السلم أو الحرب أو في ولاية عامة أو في أمور أقل منها , وهذا بالطبع غير سديد وجميل لكون الرائد لا يكذب أهله كما يقال في المثل.
ولكن هنا قد يظهر لبعض الناس إشكال وهو أن موسى عليه السلام علق بما يَعده من الصبر لخضر بمشيئة الله ولكنه مع ذلك لم يصبر فما السبب؟
والجواب: أولا : لا شك ولا إشكال أن لفظة { {إن شاء الله} } مباركة وأنها مما يعين الله بها عبيده ولكن لم تنفذ إراداة الله هنا لقضاءٍ ولقدرٍ سبق. 
وثانيا: الذي يراد من التدريب هو أن يتعثر المرء على الطريق مرة تلو مرة أخرى حتى يستقيم في آخر أمره على الجادة وكما يراد منه , والله أعلم.
وأنبِّه هنا تعظيم حرمة (إن شاء الله) لما رأينا كثيراً من الناس كالتجار ونحوهم إذا وعدوا شيئاً لبعض العمال المساكين وربما تكون حقوقهم قالوا إن شاء الله سأفعل في يوم كذا وكذا مثلاً والعجيب أنهم مع ذلك ينوون عدم إيقاء الوعود يقولون هذه الكلمة فجعلوها عرضة لأكاذيبهم, حتى قد يكره بعض الجهال هذه الكلمة وليست الكلمة لها ذنب بل الذنب من الكذاب, والله المستعان.
قوله تعالى { {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72)} } [ الكهف: 72 ] 
لم يخاطب خضر موسى عليه السلام في المرة الأولى بضمير المخاطب { {لك} } بل تلطف معه رجاء أن يستجمع أمرة ولا يعاود الأسئلة ولما عاودة مرة ثانية استخدم معه ضمير المخاطب فاستحى موسى عليه السلام فوعده إن سأله عن أمر آخر بعد ذلك أن لا يصاحبه ويفارقه ولكن المواقف في الحقيقة صعبة والأمور حرجة وسأفصلها في المقالات القادمة ما سيفتح الله لي بحمده ومنه إن شاء الله تعالى . والله أعلم والهادي إلى سواء السبيل.
الفقير إلى رحمة ربه وعفوه
عبد الفتاح آدم المقدشي

  • 3
  • 1
  • 4,932

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً