فتية سائرون للعلياء!

منذ 2019-03-21

وتزداد القناعة بالعمل الخيري من خلال نصوص دينيّة، ومفاهيم تربويّة، ومرتكزات أخلاقيّة، وشيم عربيّة، وأعراف مجتمعيّة، ومشتركات إنسانيّة، والواحد منها كفيل بجعل المرء يصرف قسمًا من حياته ونشاطه للخير

الجلوس إلى عقول منفتحة، وقلوب طاهرة، وهمم عالية، يزيد في نشاط الكاتب والمتحدّث، وينعش أرواحهم، ويزيد فاعليتهم في التّعاطي مع الرّأي العام، ويعيد الشيّخ الهرم منهم إلى حيويّته؛ ولذلك فما أحرى الاجتماعات الشّبابيّة والأسريّة، وملتقيات الأحياء وأندية الكتاب والأدب، أن تفرد لهم قسمًا من برامجها، وتقبس من معانيهم النّاجمة فقط من معادن الحكمة، ومنابع التّجربة، وتلك أشياء لا تشترى.

وفي سانحة جميلة، أكرمني فتية فضلاء بنقاش عن العمل الخيري والشّباب، واتّفقنا على أنّه أيّ عمل من فعل أو قول أو منهما معًا، تكون نتيجته خيرًا على الفرد نفسه، أو على غيره، أو على المجتمع المحيط أو البعيد في الحال أو المآل، وبذلك يتمدّد المراد ليشمل بذل المعروف والفضل، وكفّ الأذى، ونشر القيم والأخلاق، ورفع الوعي والمهارات، وصنع الفرص من أجل حياة أجمل، ومعيشة أكمل، ومستقبل آمن.

أمّا مجالاته فكثيرة، منها إصلاح الذّات فهي المطيّة الأساس، وخدمة الأسرة فهي النّواة الأهم، ونفع المجتمع، وإفادة الجيران، والارتقاء بالزّملاء، وإنقاذ المجتمع، والإحسان إلى الأمّة والإنسانيّة، وكلّ ميسر لما خلق له. وينطلق بعضها من دراسة واختصاص، أو من موهبة واهتمام، أو من مشاركة عامّة متاحة أو اقتضاها الحال، ولربّما كانت مؤقّتة، أو دائمة، أو موسميّة.

ومن فضاءاتها أن يكون الخير في حقل ديني، أو موضوعات اجتماعيّة، أو شؤون فكريّة، أو فنون رياضيّة، أو إبداعات مهاريّة، أو فرص اقتصاديّة، أو مبادرات تنمويّة، وكلّما كان العمل أدوم، وعدد المستفيدين منه أكثر، وفرص خلوده أقوى، ومستوى التّأثير من خلاله أعمق، فهو الهدف المنشود، ولا حرج أن يُبلى لأجله الشّباب ويفنى المال، فعنهما سنسأل.

وتزداد القناعة بالعمل الخيري من خلال نصوص دينيّة، ومفاهيم تربويّة، ومرتكزات أخلاقيّة، وشيم عربيّة، وأعراف مجتمعيّة، ومشتركات إنسانيّة، والواحد منها كفيل بجعل المرء يصرف قسمًا من حياته ونشاطه للخير، فكيف باجتماع عاملين أو أكثر؟ فما أقلّ من إنسان يُقال عنه: مضى بلا أثر! وما أعظم أن يدخل الواحد سرورًا على قلوب آخرين؛ فيشعر هو بسعادة تملأ أطرافه، ويشعر بقيمة نفسه تتعالى، وأسنى من ذلك أن يكون الله جلّ جلاله في عونك ما دمت تعين الآخرين، ولأجل هذه المكرمات أو بعضها نافس الأثرياء والوجهاء في أعمال البّر والخير.

ويمكن أداء الأعمال الخيريّة فرديًا، ويزداد نجاح غالبها من خلال تظافر شبكة من المهتمين، أو رعاية مؤسّسة قائمة، ومن الواقع فكثير من العمل الفردي يبدأ بذرة يزرعها صاحبها، فإذا اشتدّ عودها صارت مؤسّسة، بينما تصطبغ كثير من أعمال المؤسّسات والشّبكات بخصائص أفرادها، حتى يصدق قول القائل: إنّ هذا العمل عليه سمة فلان، أو منحى بلد ما.

وقد يكون صلب عمل الإنسان في قطاع خيري صرف، فيكتسب ويحتسب، أو يستقلّ بالاحتساب في فائض وقته بما يستطيعه من فكر أو جهد، ولا تعارض بينهما مادامت النّية خالصة صافية، وإرادة الخير سامية عامّة، والدّوافع أصيلة نبيلة، والسّرائر لا يطلّع عليها إلّا الخبير العليم، وكم من عمل يسير عظّمته أعمال القلوب؛ فطار إلى قمم لم يبلغها خيال.

كما تقتضي الحكمة والكياسة انصراف المهنيين كالمحاسب، والقانوني، والمراجع، والممارس الصّحي عن العمل الكامل في القطاع الخيري خلال بواكير مسيرتهم العمليّة، حتى يفيدوا من خبرات القطاعات الحكوميّة والتّجاريّة، ويكتشفوا أسرار المهنة، وبعد تحصيل القدر المناسب يصبحون من روافد العمل الخيري في هذه الجوانب، التي تتعاظم الحاجة لها يومًا إثر أخيه.

وكم في التّقنية والاتّصال ومواقعها وحساباتها ومنصّاتها من سبل لنشر الخير، وإبلاغ الحق، وإيصال الرّسائل السّامية، وهي ساحات مفتوحة، وروض أنف مهما بدا أنّ الرّعاة فيه كثر، وكم ترك الأوّل للآخر. وما أجمل أن يشيع الشّباب في محيطهم ثقافة العمل المجتمعي والخيري، وأن يكونوا فيها من المجدّدين النّابهين، فمجتمعاتنا أمانة بل أمانة ثقيلة في أعناقنا.

وإنّ هذه المنابر والميادين لم تجعل البحث عن كهف يأوي إليه فتية آمنوا بربّهم وازدادوا هدى ضرورة ملّحة، فبإمكانهم مخاطبة القريب والبعيد، وإسناد عمليات التّحسين والتّطوير، وابتداء مشروعات مباركة وزرع أخرى، فما أُغلق باب لدرجة السّدد المطبق إلّا وفتح الله دروبًا عديدة، وهذه باحات الخير تنادي شبابًا إلى الله أنابوا؛ حتى تظلّ أمّتهم خير أمّة أخرجت للنّاس؛ تنجب الميامين الفاعلين المباركين، الذين يمسحون عن وجهها الكريم النّوم!

أحمد بن عبد المحسن العسَّاف-الرِّياض

مدونة أحمد بن عبد المحسن العسَّاف

  • 0
  • 0
  • 1,638

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً