إطلالة محب على المرأة السلفية!!
نمط آخر شديد السوء بين المتدينين، يستخدم الدين في إحكام السيطرة على المستضعفين من النساء والولدان، يهدد بالطلاق.. يهدد بالنفقة.. يستحضر النصوص التي تأمر الزوجة بطاعة زوجها ويُغيِّب تلك التي تأمر بحسن العشرة وإكرام الزوجة
بسم الله الرحمن الرحيم
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
من أغرب ما شاهدت في مصر بعد ثورة يناير 2011 حضور المرأة السلفية.. ذات النقاب الأسود في ميادين الثورة وانتشارها في منتديات الحوار، وحاولت مرة بعد مرة أن أكتب ورقة عن حال المرأة السلفية، كوني مشغول بالأسرة والأبناء وعندي تجربة شخصية في بيتي، وكلما كتبت شطبت.
تتجمع الأفكار ثم تتبعثر؛ رياح من الأفكار تعصف برأسي.. لا تسكن ولا تخرج، والآن أحاول من خلال مقالٍ- أو أكثر- الإمساكَ بعددٍ من الأفكار، أحاول تشخيص الحالة السلفية من خلال أحد أهم زوايا الرؤية في المشهد.
المرأة.
وأكتب عن هذه التي تجلس في بيتها ترعي زوجها وصبيانها.. هذه التي تتغطى بالسواد في الميادين والطرقات.. هذه التي كلما رأيتها دعوت لها، فلا أحمل في نفسي من منقبةٍ مهما بدر منها فأقل أحوالها أنها تمنع شرًا عن غيرها.
وإني من الذين يلقون اللوم على الرجل إن قصرت المرأة.
أكتب كأب، وزوجٍ، وأخ؛ وأضع ما عندي في هيئة فقرات على النحو التالي:
(1)
تمركز الخطاب السلفي حول عددٍ قليلٍ من القضايا، من أبرزها قضية الحجاب، فلا تكاد تجد سلفيًا إلا وهو ينادي على النساء بأن يتحجبن بالجدران (القرار في البيت) أو بالثياب إن اضطررن للخروج، وبعد موجة (الربيع العربي) خرجت المرأة السلفية وشاركت. شوهدت في كل المواطن: في صفحات الميديا، وفي المنتديات الحوارية، وفي ميادين الثورة حيث الاحتجاج السلمي وشبه السلمي(الاشتباك مع الأمن بالحجارة)، ومع محرم وبدون محرم.
وقل مثل هذا على مشاركة السلفيين في السياسة، فقد كانت الحالة السلفية ترفض الثورة الشعبية كوسيلة للتغيير ومع ذلك شاركت في الثورة وحضرت المشهد السياسي كله، فأخرجت مرشحًا للرئاسة وأيدت مرشحين آخرين إسلاميين وشبه إسلاميين وعلمانيين؛ وأسسوا الأحزاب ودخلوا البرلمان!!
هذا التناقض بين النظرية والتطبيق يثير سؤالًا يبحث عن سبب مخالفة السلفيين لثوابتهم. عن مدى انضباط السلفيين على قواعدهم النظرية، أو: يثير هذا التناقض بين النظرية والتطبيق البحث عن القيم الحقيقية التي تصنع الفرد المتدين وتضبط سلوكه في واقعنا المعاصر، أو مدى فاعلية التحديات الخارجية، وكيف أنها تؤثر بقوة في سلوك السلفيين فتخرجهم عن ثوابتهم.
(2)
المفترض أن نموذج المرأة المثالي الذي ينشده السلفيون هو تلك التي في بيتها تساعد زوجها وتربي أبناءها.. تحفظهم القرآن الكريم والسنة وتعلمهم المغازي والسير ومتون الفقه، وهي الصورة المنقولة عن نساء الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولا زالت موجودة في بعض بوادي شنقيط (موريتانيا).
وفي واقعنا المعاصر لم تنهض المرأة السلفية بشيءٍ من ذلك، لم تقر في بيتها، ولم تتعلم ما تعلمه لأبنائها، فقط التزمت بنوع معين من الثياب (النقاب)، وخرجت كغيرها- باستثناء الثياب- تطلب الرزق أو تبحث عن ذاتها، وانعكس ذلك على طبيعة الأسرة السلفية، فقد تربى الأبناء في محاضن المجتمع العلماني، ولم يحفظوا كتابًا ولا سنة ولم يتعلموا السيرة والتاريخ الإسلامي ولم يتفقه أحد في الدين. وبالتالي أخرج السلفيون جيلًا علمانيًا بنكهة متدينة. من المسئول؟!
أهي التحديات الخارجية التي شكلها المجتمع العلماني بمؤسساته التي تجبر الجميع على الدخول فيها فتأكل وقتهم وتغرس فيهم وفي أبنائهم قيمها رغمًا عنهم؟؟؛
أهي حالة الغفلة عن استراتيجيات التغيير وأدوات الفعل، والاستغراق في التفاصيل مما جعلهم في حسابات (أهداف/ استراتيجيات) غيرهم؟
أهي الانحرافة الكبرى التي حدثت للحالة السلفية المعاصرة حين انشغلت بالتدين الفردي وغفلت عن التدين المجتمعي؟!
علينا أن نسأل عن الذي حال بيننا وبين الرجوع إلى نموذجنا الأول في الأسرة والمجتمع.. عن تلك اليد الخفية التي تدفعنا بعيدًا عن أهدافنا...
(3)
حدثني مرةً بأن فلانًا طيبًا خلوقًا.
فقلت: بل رديء .. سيء.. شديد السوء.
ثم عاد مرةً بعد مرة ويحتج بحسن منطقة وحديثه عن المروءة وصلة الأرحام؛ وأعود عليه بذات الإجابة.
وبعد أعوام ظهر سوء خلقه، فجاء صاحبي يقول: كيف كنتَ تجزم بأنه سيء الخلق؟؟
فقلت: وضع النبي، صلى الله عليه وسلم، مقياسًا نعرف به حال الرجل، هذا المقياس هو: علاقته بأهله، قال، صلى الله عليه وسلم،: ( «خيركم خيركم لأهله» ) وذكر أن الذين يضربون نساءهم ليسوا بخيار الناس.
وهو مؤشر عقلاني وواقعي إذ أن أحدنا تظهر أخلاقه الحقيقية على مَن هم في دائرة سلطانه كالزوجة والأبناء ومَن يتقاضى منه راتبًا أو يخضع لتقيمه في العمل...؛ وكثير من الناس تتغير أخلاقهم حين يتعاملون مع من هم تحت سلطانهم. فأنتَ قيَّمته على سلوكه الخارجي.. على حسن لفظه... على ما يتحدث به عن نفسه أمام الناس، وأنا وضعته على هذا المؤشر النبوي شديد الدقة.. شديد الوضوح!!
ثم قلت متابعًا أحاول رصد واحدة من أهم الظواهر المنتشرة في واقعنا المعاصر، وخاصة بين مَن ينتبسبون للتدين: في هذه الأيام ظهر نمط آخر شديد السوء بين المتدينين، يستخدم الدين في إحكام السيطرة على المستضعفين من النساء والولدان، يهدد بالطلاق.. يهدد بالنفقة.. يستحضر النصوص التي تأمر الزوجة بطاعة زوجها ويُغيِّب تلك التي تأمر بحسن العشرة وإكرام الزوجة وتوفير الأمان النفسي والمادي والمجتمعي لها. قد كثر هؤلاء اليوم وأفسدوا..
يتزوج أحدهم بمن هي تتفوق عليه فهمًا وخلقًا، وهو ذكوري غارق في ذكوريته، فيغار منها. نعم يغار منها. وتشتعل نار الذكورية والغيرة في صدره.. فيصحو ويبيت ولا هم له إلا إحكام السيطرة عليها، ويستخدم النص الشرعي أداةً لتنفيذ مآربه الذكورية... ينزع النص من سياقه ويستخدمه في تكبيل زوجته.
فبَدَلَ أن يستثمر في إمكاناتها.. بدل أن يُفعلها طلبًا للأجر من الله .. بَدَلَ أن يحول الأسرة لمشروعٍ يثمر الخير له وللناس في الدنيا والآخرة تتحول العلاقة إلى صراع بين الزوجين، ويشتعل البيت.
وإني أتهم العلمانية، تلك التي تسربت لكثيرين فجعلت خيارات الزواج على شيء آخر غير الخلق والدين، تلك التي جعلتهم لا يمتثلون لأمـــــــــــر النبي، صلى الله عليه وسلم، ( «إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه» ).
لو أن الدين متمكن من النفوس ما كان الخيار على المال (الوظيفة) ولا على الهيئة الخارجية، ولتأسست البيوت على مشاريع جادة تنشر الخير وتدفع الظلم.
وأتهم تلك الغفلة عن انتخاب السلالات.. عن تزويج الأكفاء بحثًا عن مميزين يشكلون رأس مالٍ اجتماعي...
(4)
في تسعينات القرن الماضي وما بعدها انتشر تعدد الزوجات بين السلفيين. ظهرت حالة من الحماسة بين النساء والرجال للتعدد، وتقدم المشهد شيوخ الفضائيات وطلبة العلم، وما كاد الزمان يمضي حتى انكفأت التجربة.. انحنت وغرست رأسها في الطين خجلًا مما ألمّ بها!!
حاول السلفيون مصارعة العلمانية فكان أن صرعتهم العلمانية وصارت بهم إلى حيث لا يريدون!!
ما الذي حدث؟!
كيف لم تثمر التجربة مع حالة التوافق والحماسة التي صاحبتها؟!
دخلها المترفون والذكوريون يبحثون عن شهواتهم باسم الدين. كانت في جوهرها توظيف للدين في تحصيل الشهوات، وكانت حالة من الجهل بمقاصد الشريعة من التعدد، أو حالة من عدم الرغبة في تحقيق مقاصد الشريعة الحقيقية من التعدد، وإنما انتقوا بعض المقاصد التي توافق أهواءهم. فالتعدد توسعة للبيت، والبيت المسلم وسيع.. مؤسسة بها ثلاثة أجيال جيل يخدم ويعلم (الأبناء) وجيل يجتهد على تحصيل الرزق والقيام بحاجة الأبناء (الأباء) وجيل ثالث يرشد الجميع بخبرة سنوات طوال (الأجداد)، والتعدد لسد خلل في المجتمع فبه تكفل الأرامل واليتامى والمطلقات وغيرهن؛ ولكنهم- بقصدٍ أو بدون قصد- اتجهوا للمميزات من الأبكار، وأقبل عليهم المميزات من الأبكار طمعًا في المال وأجواء الشهرة والمال. ولذا فسدت التجربة.. لأنها لم تؤسس على تقوى من الله ورضوان. لم تنهض بواجب الوقت.
أعود مرة ثانية- إن شاء الله- لأكمل خواطري حول المرأة السلفية والأسرة السلفية...
محمد جلال القصاص
13 شعبان 1440هـ
18/4/2019
- التصنيف:
محمود أبو الحمد محمود
منذ