رمضان وأنواع الانتصارات...!
الانتصار الذاتي: بهزيمة النفس في معارك الهوى والشهوات، والتغلب على رغائبها بضع عشرة ساعة، وجعلها تئن طلبا للراحة والمتعة
للانتصار وقْعٌ على النفس كالتّرياق البارد، وكالرياحين المستطابة ، والأفانين الخلابة، وفِي رمضان صنوف وأنواع من الانتصارات الزاهية، والتي تُكسب الصائم الرضيّ عزةً ونشوةً، وبهجةً وسرورا، ومن ذلك :
١/ الانتصار الذاتي: بهزيمة النفس في معارك الهوى والشهوات، والتغلب على رغائبها بضع عشرة ساعة، وجعلها تئن طلبا للراحة والمتعة، ولكن الإيمان يأبى ويأمرها بالصبر والاحتساب، وإذا ما جن الليل استباحت ما حرم أثناء الصيام، وليس استباحت كل المناهي، وفِي ذلك تدريب عجيب، وانتصار عزيز، حيث غيرت عادتها، وتركت مألوفها ، قال صلى الله عليه وسلم:( «حُفت الجنة بالمكاره، وحُفت النار بالشهوات » ).
٢/ الانتصار العبادي: بعلو الهمة والمسارعة في الخيرات، وتقديم العبادة على كثير من المغريات في الغالب، وتضاعف العمل الخيري والزاد الإيماني والتطوعي البهيج( {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى} ) [سورة البقرة] .
وفِي رمضان من التفرغ العبادي ما لا يوجد في غيره، وفِي الخديث الصحيح:( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : «" إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : يَا ابْنَ آدَمَ، تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِي أَمْلَأْ صَدْرَكَ غِنًى، وَأَسُدَّ فَقْرَكَ، وَإِلَّا تَفْعَلْ مَلَأْتُ يَدَيْكَ شُغْلًا، وَلَمْ أَسُدَّ فَقْرَكَ» ) [أخرجه الترمذي وغيره] .
وزيادة ذلك مما يعلي الإنسان، ويضاعف همته، ويثمر له، ويجعله على مستوى عالٍ من الثقة والاطمئنان .
٣/ الانتصار الإيماني : بالاستجابة لأمر الله وشرعه، وتذكر الآخرة وطلبها، والذنوب ورجاء مغفرتها وذبولها، والصوم إيماناً وحسبةً، وليس عادةً وتبعية ، ولكنه يجسّد إيمانه باحتمال الجوع والتباعد عن الشهوات. وفِي الحديث ( «من صام رمضان إيماناً واحتسابا » ..).
٤/ الانتصار الاجتماعي: بتحسين العلائق، ورفع شعار التسامح والتصافي ، ومواصلة الأحبة والجيران، والترفع عن خصومات تافهة ،( فأصبحتم بنعمته إخوانا ) سورة آل عمران. أو الانشغال بنزاعات بالية، وفِي الحديث: ( «يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام » ).
٥/ الانتصار العسكري: بامتلاك قلوب المؤمنين الصائمين باليقين والقدرة على تجاوز الأخطار، واستعصامهم بالله، مع ضعف العتاد والعدة، كما حصل في (غزوتي بدر وفتح مكة) ومشاهد إسلامية أخرى، أظهرت أن العبادة قبل الجهاد وقود وحماس وهمة، تكلل بالنجاح غالبا، قال تعالى:( {إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون} ) [سورة الأنفال] .
٦/ الانتصار التراحمي : بالفرح بالفقراء ومحبتهم، والترحيب بالمساكين والإحسان اليهم، والتواضع للمُعوِزين والترفق بهم، فينزل المتعالي، ويتواضع الأَنِف، ويتودد الجميع، ويجتمعون تحت خيمة رمضان والصيام، لا فضل لأحد على آخر إلا بالتقوى ( {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} ) [سورة الحجرات] .
٧/ الانتصار الخُلقي: الذي يدرأ الغضب، ويحمل على الحِلم والكرم والتواضع، وقول المفيد، وترك المعايب والسَّفساف، وفِي الحديث الصحيح: قال صلى الله عليه وسلم ( « إنما بُعثت لأتممَ مكارم الأخلاق » ). ورمضان موسم اختبار الأخلاق وفحص جذورها، والناجي فيه فائز ومنصور ، متغلب على طبائع اجتماعية ونفسية، ومؤثر لسلامة الصيام، ونيل رضا الله تعالى .
٨/ الانتصار العقلي: بتقديم الباقي على الفاني، والغالي على الرخيص، والجوهر على المظهر، والتفكير فيما عند الله تعالى، وإن أشق ابتداءً، وأنهك قليلا، إلا أنه أثمر ثمارا يانعة، تجنى بعد صبر واحتساب ومصداقية . وفِي ذلك تغليب للشرع على الهوى، وللعقل على العاطفة، واعتقاد أن الملذات لا تؤخذ على كل حال، وأن تأخيرها أحيانا خير للعبد وأطيب وأحكم .
٩/ الانتصار الأممي: الذي يظهرنا أمام الأمم والشعوب، ويعلي ديننا ، ويجعلهم يعجبون من هذه الشريعة، ويلاحظون الصوم، بل واستعملوه في ديارهم لمرضاهم، وشاهد عمالهم صيام الأمة، وصدى التراويح المدوي في الفضائيات، وموائد الصائمين، وكيف استمتعوا بها، وكانت سببا في إسلام بعضهم - خلافا لمن ينتقد تلك الموائد المبسوطة- بدعوى شهود مقصرين أو مفطرين من العمالة الوافدة ...!!
وتناسى أن الإسلام دين معطاء، مفضال، وقد استمالَ مَن قبلهم بالمال والهبات، حتى قالت العرب: ( أسلموا فإن محمدا، يعطي عطاء من لا يخشى الفقر ).
١٠/ الانتصار السلوكي: بتحسن العمل، وتجاوز العادات اليومية الرديئة في الأكل والشرب، والنوم والحركة، والقعود والانطلاق ، إلى أن يتجاوز الصائم عادات الخطايا المسهجنة، فيلقى في رمضان آلات الانتصار عليها، بعد أن يقهر هواه، ويتغلب على العادات والخلطة الاجتماعية الجاذبة والمحركة لها .
١١/ الانتصار الهممي: في تولد همة جديدة، وإنبات عزمة متقدة، تجعل المرء يراجع نفسه كثيرا، فلقد سما وتفوق عباديا، وقرآنيا وخلقيا، فلماذا لا يحافظ على ذلك، ويجعله أيقونة انطلاق بعد رمضان ، فيجد جدا ملتهبا، ويحافظ على خير بناه وأسسه، وفِي القرآن: ( { ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا} ) [سورة النحل] . وقال الإمام الجُنيد رحمه الله( عليكم بحفظ الهمة، فإن الهمة مقدمة الأشياء ).
وفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه ، وتقبل منا أجمعين .
- التصنيف: