تعلمتُ من رمضان...!
روعة التقوى المكتسبة من جراء إمساك نزيه، لم تعكره خطيئة، أو يشوش عليه لغو . (( { لعلكم تتقون} )). [سورة البقرة ] .
كنّا نسمع فضلاء يرددون ( رمضان مدرسة الأجيال )، ولم نكن نعي الوعي التام لهذه العبارة، ثم تكشفت لنا مع السنين، وطرق العبد الفقير ذلك الموضوع ، ولم نزل متعلمين ومدققين في روعة وجمال هذا الشهر، وما أودعه الله فيه من أسرار وعجائب منذ كنّا صغارا، حتى اتسع النظر مع طول العمر، وتعاقب الرمضانات، واستكناه حال الأمة في هذا الموسم الكريم، وأدركنا أن الشهر منحة إلهية ودرة ذهبية، فكانت تلكمُ الدروس والتجارب التربوية التي تدل وغيرها على أن رمضان (مدرسة حقيقية) تتعلم منها الأجيال، كبارهم وصغارهم، وإناثهم وذكرانهم، وعالمهم وجاهلهم، ومنها :
١/ إمكانية اجتماع الأمة والأقارب والأحباب ، وأن الصوم بوابة التصافي والتحاب .(( وتعاونوا على البر والتقوى)) سورة المائدة. وأي بر وتقوى أفضل من رمضان..؟!
٢/ روعة التقوى المكتسبة من جراء إمساك نزيه، لم تعكره خطيئة، أو يشوش عليه لغو .
(( { لعلكم تتقون} )). [سورة البقرة ] .
٣/ التنزه في حدائق القرآن المزينة بأفانين الأطايب والرياحين .(( { قد جاءتكم موعظةٌ من ربكم وشفاء لما في الصدور} )) [سورة يونس] .
٤/ رحمة الفقراء وانكسار الأنفس المتكبرة ورجوعها إلى الله.(( «وصُفدت الشياطين» )).
٥/ لذة قيام الليل والتراويح ودوي القرآن المورث للخشوع والتدبر، أين كنّا عن ذاك.؟!(( { كانوا قليلا من الليل ما يهجعون} )) [سورة الذاريات] .
٦/ ترابط أهل الإيمان وشعورهم باحتياجهم إلى بعض (( { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض} )) [سورة التوبة ] .
٧/ فن التسامح والتغاضي والاغتفار(( « فإن سابه أحد أو قاتله» ..))
٨/ المقدرة على تغيير العادات السيئة والأفعال المشينة، كما في الحديث: (( «من لم يدع قول الزور» ..)).
٩/ ارتفاع الهمة وشحذ العزيمة (( «وكان أجود ما يكون في رمضان» )).
١٠/ بلوغ الصبر وملامسة أغصانه المبثوثة في كل مكان وموضوعة على كل بلاء، وأن رمضان حفلة للصبر والاحتمال.(( {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب } )) [سورة الزمر] ، وهم الصائمون في أكثر الأقوال.
١١/ اعتياد الجلوس في المساجد وتعلم الرباط الإيماني المزهر بالذكر (( {فاذكروني أذكركم} )) [سورة البقرة] .
١٢/ استشعار أهمية الصدقة والجود، وحلاوتها على القلب والانشراح .(( «من فطر صائما فله مثل أجره » )).
١٣/ حضور التوبة في النفوس وحاجتها للرجوع والإنابة، (( {وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون} )) [سورة النور] [] .
١٤/ محاسبة الأنفس واسترجاع التندم والألم على مافات .
١٥/ استطعام الطاعة المفقود عند كثيرين، وتلذذهم في مدرسة الثلاثين يوما(( ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة )).
١٦/ أن الصيام مادة للفرح، ففي كل يوم فرحة وتبسم (( للصائم فرحتان..)) يجلو به الغم، ويندفع الحزن.
١٧/ صدقُ رسول الله وعظمة الإسلام، وأنه الدين الحق الخاتم.(( وما ينطق عن الهوى )) سورة النجم .
١٨/ تعاهد الفقراء والسؤال عنهم وتلمس أحوالهم .(( ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع عنده ))..!
١٩/ أن في الناس خيرا مدفونا تكشفه المناسبات والمواعظ والدروس، فلِمَ لانتفكر ونبادر،؟!
٢٠/ مجاهدة النفس في ترك الخطايا، وحملها على الطاعة(( «رب صائم حظه من صيامه الجوع» ..))، وترك الهوى ابتغاء ما عند الله وهو من أجل أنواع الجهاد، قال أبو العتاهية:
أشدُّ الجِهادِ جهادُ الهوى/ وما كرَّمَ المرءَ إلاَّ التُّقَى
وأخلاقُ ذِي الفَضلِ معرُوفةٌ/ ببذلِ الجمِيلِ وكفِّ الأذَى
٢١/ ضبط اللسان وترك اللغو والآثام، لا سيما لمن ابتُلي بالثرثرة ومطاعن الآخرين،(( « فليقل إني صائم» ))
٢٢/ أن في النفس طاقة مختزنة، تدفعها بعض الفضائل والأحوال، ومنها رمضان الحافز الناهض .((فتحت أبواب الجنة )).
٢٣/ خلوة الاعتكاف العشري البهيج، وتطهير النفس من خلطة الحياة الاجتماعية وصخبها .(( {وأنتم عاكفون في المساجد} )) [سورة البقرة] .
٢٤/ التعلق بالقرآن وحفظه وتدارك ما فات، فكما تتلوه تستطيع حفظه وتكراره ،(( {ولقد يسرنا القرآن للذكر} ..)) سورة القمر .
٢٥/ تمني طول اللذائذ الشرعية والتأسف على فراق رمضان وتصرمه، وما ذاك إلا بسبب لذته، وما وضعه في النفوس من غراس لا تتكرر في سواه.(( « يا باغي الخير أقبل» )).
٢٦/ تكرار الطاعات سبب للثبات والتعود والاستحلاء الدائم .وفي الحديث(( الخير عادة )).
٢٧/ تعود القراءة والتطبع بها قرآناً وحديثا وفقها وعقيدة،،! وأن من لديه عقدة الملالة من القراءة يعالجها رمضان بتوفيق الله ومنته .(( {اقرأ باسم ربك الذي خلق} )) [سورة العلق] .
٢٨/ تقدير فضل الله بالنعم وكثرة الآلاء، وأن من بسطها قادر على قبضها ووضعها في اخرين ، فلنتقِ الله ولنحافظ عليها .(( {لئن شكرتم لأزيدنكم} )) [سورة إبراهيم] .
٢٩/ إصلاح الأطفال وتعليمهم العبادة والمسارعة فيها والسبب حبهم لرمضان وانهماكهم في جمالياته،وكان صلى الله عليه وسلم يوقظ أهله وكل كبير وصغير يطيق القيام..!
٣٠/ تنشئة صغار الأئمة وإعداد الكلمات، ومد طاقات العمل التطوعي وتنظيمه بشكل فريد وعجيب .
٣١/ تبصير نساء التراويح والحريصات على القيام والموعظة وتعليمهن الذكر والصدقة وواجبات الإسلام.(( «إن النساء شقائق الرجال » )).
٣٢/ إحياء السنن المهجورة وتجديد الإيمان، وحسن التمسك بالإسلام ، واستثمارها في موسم تتلهف له القلوب .
٣٣/ أن أجمل وأدق تفسير قرآني يكتبه المرء في رمضان حيث الخشوع الدائم، والقلب المتدفق، والنظر الدقيق والروحانية الآسرة، ولو أتيح لي كتابة تفسير كامل لكتاب لم أصفُ له وأتأمله كرمضان .،!
٣٤/ رقّة القلب ولينه من جراء التلاوة المضاعفة، والذكر المردد والإخبات الشديد، وقد شكا رجل إلى الحسن البصري رحمه الله، قسوة قلبه فقال: أذبه بالذكر..!
٣٥/ المسارعة في الخيرات ومبادرة المعالي، والتباعد عن الكسل والتراخي(( {فاستبقوا الخيرات} ))سورة البقرة. قال ابن القيم رحمه الله :( عُمّال الآخرة كلّهم في مضمار السباق ،والذاكرون هم أسبقهم في ذلك المضمار ) .
٣٦/ الضنّ بالوقت والزمان، وقطع دابر كل شاغل وعائق ، فالزمن نفيس، والساعات أخاذة، قال في الحديث: (( «اغتنم خمسا قبل خمس، ومنها: فراغك في شغلك» ))
٣٧/ التواضع والانكسار وهضم النفس، بسبب ما فيه من إخلاص وسرية، قال في الحديث القدسي: (( « يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي » )) وقال ابن القيم رحمه الله ( لا شيء أفسد للعمل الصالح من العُجب ، ورؤيةِ النفسِ ).
٣٨/ العمل أثناء الصيام، ونبذ الكسل والنوم، من طلب الرزق، والتزكية الذاتية، ونفع الخلق، واستشعار ثواب ذلك وفضله، وأن من يستقبله نوما وكسلا لا يجد حلاوته وفضله، ولا يصح حديث: (( نوم الصائم عبادة )). رواه البيهقي في الشعب وسنده ضعيف .
٣٩/ فضل التزاور والصلات، وتلاقي الأسر والبيوتات في إفطار يومي، واطلاع كل على بعض ، في محبة وطيب تواصل.
٤٠/ فن كسب الآخرين واستغلال وجودهم، لا سيما من عُرف تقصيرهم، وبان عوارهم، فقد عادوا إلى الله والعَود أحمد، والتوبة تجبُّ ما قبلها .
٤١/ أن الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك، وموانح الأزمنة سرعان ما تنقضي، فيبكي طالبوها، وينحسر غافلوها..!
٤٢/ تعلم الحلم والكرم والامانة والتبتل والدعاء والوقار ومكارم الاخلاق .
٤٣/ الترفع عن صفات الغضب والجهل والمجادلة والثرثرة والسفاهة، فللصيام حرمة وحدود..!
٤٤/ لهث الجموع وراء العلم والدروس اليومية، والتي تزيدهم علما وبصيرة بدينهم، ومع التعداد اليومي، لا يملون ولا يستكثرون..! درس العصر والتراويح والفجر، فاللهم بارك للأئمة الجادين، وسدد ألسنتهم ، ولا يعني ذلك التطويل بل الاعتدال وضبط الأمور بميزان الحكمة..!
٤٥/ سهولة ختم القرآن وتكرار ذلك لمن وفقه الله، والمهم الصدق والجد والمجاهدة(( {وجاهدوا في الله حق جهاده} )) [سورة الحج] .
٤٦/ نشر مفاهيم جديدة في الدعوة والإصلاح والإيمانيات، من خلال تربية ثلاثين يوما وقد صُبغت بمحاسن الأمور، وتيجان الروحانية.
٤٧/ أنه شهر متجدد يشع منائر شائقة، وخالٍ من الجمود والانقباض، وإنما الجمود في بني آدم وسوء مسالكهم..!
٤٨/ أن لذاذته بالسنن والاثار الشارحة للهدي النبوي، وكثرتها علامة عظمة هذا الدين ومحل الصيام منه.
٤٨/ أنه مفتاح للجنة، والصبر عليه والاستعلاء به باب فسيح إلى الله وفِي الحديث الصحيح: (( «عليك بالصوم فإنه لا عِدل له » )).
٤٩/ أن العسر يعقبه يسر، والجوع منتهاه للشبع، والضيف ستلفه السعة، والحزن ستلتهمه السعادة، والضعف سيغلبه العز والنصر(( {وما ذلك على الله بعزيز} )) [سورة إبراهيم] .
٥٠/ تقبح فيه الخصومات وسائر السيئات، ولكن الخصومة لحظات اجتماعية، ودائما ينفخ الشيطان فيها .(( ولكن في التحريش بينهم)).
٥١/ أن العملية الترابطية فيه، علامة خيرية الأمة ، ونافذة للتمكين المرتقب (( {ولينصرن الله من ينصره } )) [سورة الحج] .
ولا يزال رمضان يتفجر بالدروس والمعالم التربوية النافعة، نفعنا الله وإياكم بدرسه وفقهه، والله الموفق...
ومضة/ رمضان مدرسة الأجيال ، فاغنم كل سنة من دروسه
- التصنيف: