رمضان قادم فمع أي الفرق أنت؟

منذ 2011-07-21

لقد انقسم الناس من حيثية الاستعداد لشهر العبادة والطاعة إلى قسمين: أناس لا يستعدون له، فهم عندهم رمضان كغيره من الأشهر، فهم لا يصومون ولا يصلون ولا يعملون، فلمَ الاستعداد؟!


الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، يا رب سدِّد وأَعِنْ، أما بعد:

فها هو رمضان سيقلُّنا عما قريب إن شاء الله ويأتينا بالخيرات والبركات من الله جل وعلا فما حال الناس في الاستعداد له؟

لقد انقسم الناس من حيثية الاستعداد لشهر العبادة والطاعة إلى قسمين: أناس لا يستعدون له، فهم عندهم رمضان كغيره من الأشهر، فهم لا يصومون ولا يصلون ولا يعملون، فلمَ الاستعداد؟! نسأل الله العافية، وهؤلاء أقلية ولله الحمد، والواجب على أفراد هذه الفئة الظالمة لأنفسها الرجوع إلى الله تعالى من قبل أن يخسروا الدنيا والآخرة.

أما القسم الآخر، فهم الذين يستعدون، وهؤلاء نقسمهم ثلاثة أقسام؛ قال تعالى: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} [فاطر: 32].

فالأول: الظالمون لأنفسهم:
من هم عاكفون على المعاصي وفي غفلة طيلة السنة، ثم هم ما أن يسمعوا برمضان حتى تأخذهم نشوة وغبطة أنهم سيتابعون أخيرًا الجزء الأول أو الثاني من المسلسل الفلاني، وغدًا سيرون الفوازير والكاميرا الخفية، والبرنامج الفلاني المضحك، وسيقيمون الدورة الرمضانية والخيمة الرمضانية، والسهرات والمسابقات، فيبدؤون بالإعداد لهذا من تنظيم دورات رياضية وشعرية وغنائية وغيرها، وبناء الخيم والبيوت الخشبية التي سيجتمعون بها من أجل الدقِّ على العود، وشرب الشيشة، ولعب الورق، والطاولة واللغو حتى الفجر، فإذا قال المؤذن: "الله أكبر" لصلاة الصبح، ذهبوا إلى فراشهم للنوم، نسأل الله العافية، فهؤلاء ما قدروا الله حق قدره، وما عرَفوا قيمة رمضان، ولا عرفوا هدي النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في رمضان.

ومن استعداداتهم أيضًا: شراء ما لذَّ وطاب من ألوان المأكولات والحلوى، والإفراط في هذا، وكأن حربًا ستقوم أو مجاعة ستعم الناس عمَّا قريب، فإن صاموا يومَهم رأيتهم كالأموات، هذا مغضب عابس الوجه؛ لأنه لم يدخن اليوم، وهذا مزاجه معكر لا يطيق أن يرى أحدًا، وهذا يُخل بدوامه وانتظامه، وهذا يقضي يومه غاطًّا في سبات عميق، وهكذا إلى أن يؤذن للمغرب فيأكلون ويشبعون، ولله الحمد والمنة على نعمه، ولكنهم يثقلون على أنفسهم، فتراهم لا يستطيعون أداء الصلوات بعدها على أكمل وجه، ففي النهار لا يؤدون العبادات والأعمال على أكمل وجه بسبب الجوع، وحجتهم في هذا أنهم صائمون، وبعد المغرب لا يؤدونها على أكمل وجه أيضًا، ولكن بسبب الشبع الزائد هذه المرة، فتزيد أوزانُهم في رمضان أكثر من غيره، ويأتي رمضان عليهم ويذهب وما فعلوا فيه شيئًا من العبادات والقربات، ولا حول ولا قوة إلا بالله؛ قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «رغم أنف رجل دخل عليه رمضان، ثم انسلخ قبل أن يغفر له» [صححه الألباني].

وقد يدخل في هذا القسم أيضًا أناس أرادوا التوبة، أو أرادوا التفرُّغ للعبادة، فقالوا: إذا جاء رمضان غدًا، سوف نعمل ونفعل ونتوب، فإذا جاء رمضان ما فعلوا ما أرادوه، وإنما هذا له سببان رئيسان: أما الأول: فهو عدم صدقهم مع الله، فثبَّطهم الله عن عبادته؛ لأن عبادة الله هي توفيق منه سبحانه وتعالى فلو أنهم صدقوا الله ما قالوا: "إذا جاء رمضان سنتوب"، بل لتابوا من حينها، والسبب الآخر: أن العبادة لم تكن لهم ديدنًا وسمة، فأنت يا أخي مثلاً إن لم يكن لك وردٌ يومي من القرآن تقرؤه يوميًّا، فسوف ترى الأمر صعبًا جدًّا أن تختم القرآن في رمضان، وإن لم تجاهد نفسك في الصلاة على الخشوع فيها دومًا وأبدًا، سوف تواجه صعوبة في التلذذ بها في رمضان، وستجد صعوبة في قيام رمضان، ولهذا نرى المساجد في أول رمضان قد امتلأت، وصفوف المصلين قد تصل إلى خارج المسجد، وأما في آخر رمضان قد يصل المصلون إلى نصف المسجد فقط.

وهذا القسم الأول جعلوا رمضان شهر غفلة ومعصية، نعوذ بالله من الخذلان، وهم الظالمون لأنفسهم كما أشرنا، وعليهم الاقتداء بالقسم الثالث الذي سيأتي ذكره إن شاء الله قدر استطاعتهم، وإلا فعليهم الاقتداء بالقسم الثاني الآتي.


أما القسم الثاني من المستعدين لرمضان، فهم المقتصدون:
وهم الذين يجاهدون أنفسهم دائمًا وأبدًا على طاعة الله، ويحبسونها عن معصيته، فيفعلون الواجبات ويجتنبون المحرمات، فإذا جاء رمضان اشتغلوا بالعبادة وقراءة القرآن والقيام، والصيام بلذة، ولكن اعتورهم أمران، أما الأول: فإقبالهم على رمضان ببرنامج مفتوح، فهم في نواياهم أنهم إن جاء رمضان سيجتهدون في العبادة، ولكنهم لم يضعوا البرنامج المناسب لهم، مثلاً هم يقرؤون القرآن كلَّ يوم في رمضان، ولكن ليس في بالهم أن يقرؤوه في الوقت الفلاني، بعد الفجر أو العصر مثلاً، أو أن يختموا في كلِّ ثلاثة أيام، أو في كلِّ أسبوع أو أسبوعين مرة، أو مثلاً هم يركزون على قراءة القرآن وينسون نصيبهم من قيام الليل، والصدقة وأعمال البرِّ وصلة الرحم، أو يركزون على جانب الصدقة وينسون ويزهدون في الباقي وهكذا، وأما الأمر الثاني: أنهم قد يسترسلون في الخوض في بعض المباحات كثيرًا، فتكون شاغلاً لهم عن العبادة، وقد توقعهم فيما ينقص أجورهم، كالإكثار من الأكل مثلاً، ويترتب عليه الكسل والخمول، أو الإكثار من الزيارات، أو الخروج للتنزه والتسوق مثلاً، أو الانشغال بتراكمات العمل وهكذا.


وأما القسم الثالث، وهم السابقون في الخيرات أسأل الله أن يجعلنا منهم:
فهم من كانت عبادة الله لهم سمتًا وديدنًا وعادة، ليست العبادة ذاتها عادة، لا، ليس هذا هو المقصود، وإنما عبادة الله أصبحت جزءًا من حياتهم، حتى إنهم لم يكتفوا بفعل الواجبات فقط، بل فعلوا المستحبات أيضًا، ولم يتركوا المحرمات فحسب، بل تركوا المكروهات، بل واستقلوا كثيرًا من المباحات وزهدوا فيها، فإن مرَّ عليهم يومٌ لم يفعلوا فيه بعض المستحبات يتقربون بها إلى الله تعالى شعروا أنهم أذنبوا وقصَّروا تمامًا، كما قال أحدهم وكان من ديدنه أن يقوم كلَّ ليلة ثلاث ساعات، فنام إحدى الليالي منهكًا وقام ساعة فقط من تلك الليلة: "إنا لله وإنا إليه راجعون"، وهذا حصل في زماننا هذا، فما بالك بالقرون الأولى؟ وأنا أقول الآن: "إنا لله وإنا إليه راجعون، أين نحن منهم"؟!
 

لاَ تَعْرِضَنَّ بِذِكْرِهِمْ مَعَ ذِكْرِنَا *** لَيْسَ الصَّحِيحُ إِذَا مَشَى كَالْمُقْعَدِ


فهؤلاء هم الذين يتسابقون إلى الخيرات، ويقتدون بالنبي صلَّى الله عليه وسلَّم وبسلف الأمة الصالح، فقد كان السلف الصالح يتنافسون في فعل الخير دائمًا، وإذا جاء رمضان تنافسوا أكثر وأكثر، فمنهم من كان يختم القرآن في كلِّ ثلاثة أيام، حتى إذا جاء رمضان ختم في كل يومين مرة، وفي العشر الأواخر في كلِّ يوم مرة، بل ومنهم من ختم في كلِّ يوم مرتين، كالشافعي رحمه الله وكانوا يطيلون القيام، حتى إن بعضهم إن رأيته ظننت أنه لا ينام أبدًا، وكانوا يطيلون القراءة في الصلاة، ويحرصون على الخشوع فيها، وكانوا أجوادًا لا يردُّون سائلاً، ويعطون العطايا على حبِّها، وكان بعضهم لا يأكل إلا مع الفقراء والمساكين، وكانوا لا يخرجون من بيوتهم إلا للصلاة وللحاجة؛ خوفًا من أن ينقصوا أجور صيامهم باللغو، والحديث الفارغ، والنظر المحرم، فكانوا يلزمون بيوتهم حرصًا على صيامهم وأجره، وكانوا إذا انتهى رمضان حزنوا على فراقه وخافوا أن ذهب ولم يتقبل الله منهم، حتى قال بعضهم عندما رأى بعض الناس يلعبون ويلهون في العيد: "إن كان هؤلاء قُبل منهم صيامهم، فما هذا فِعل الشاكرين، وإن لم يُقبل منهم، فما هذا فِعل الخائفين".

أما هؤلاء، فلا يحتاجون إلى برنامج رمضاني؛ لأنهم كما أشرنا يعبدون الله كأنهم يرونه، وإذا جاء رمضان زادوا العبادة، وجدُّوا واجتهدوا فيها.

أسأل الله أن يقوي إيماننا ويقيننا، وأن يجعل أعمالنا صالحاتٍ مخلصات لوجهه الكريم.

ولهذا؛ سأعزز هذه الرسالة إن شاء الله برسالة ثانية أتحدث فيها عن شيء من هذا، وسميتها "نصائح رمضانية"، أسأل الله أن يسهل كتابتها.


أما نصيحتي لإخواني وأحبابي الآن:
فهي أن تستمعوا لمحاضرة سماحة الشيخ الوالد عبد الله بن جبرين رحمه الله والتي بعنوان: "هدي السلف في رمضان"، والاستماع أيضًا لسلسلة قصيرة بعنوان: "القواعد الحسان في الاستعداد لرمضان" لفضيلة الشيخ رضا أحمد صمدي.

وصلِّ اللهم على محمد وآله وصحبه وسلِّم تسليمًا، لا تنسونا من خالص دعائكم.
 

المصدر: فادي نضال عمر - موقع الألوكة
  • 1
  • 0
  • 13,772

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً