فضل شهر رمضان

منذ 2011-08-04

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس في الخير، وكان أجود ما يكون في شهر رمضان المبارك، وقد كان السلف الصالح يشتاقون إليه، وكانوا ينتظرون قدومه بفارغ الصبر لأنه شهر رحمة الله، وشهر غفران الله، وشهر الحسنات، وشهر العبادة ..



الخطبة الأولى:
الحمد لله الكريم المنان الرحيم الرحمن، خلق الإنسان وعلمه البيان والشمس والقمر بحسبان، يحسبان الشهور والأعوام وفاضل بينها الخبير العليم.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الحمد في الأولى والآخرة وإليه المآل، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أرسله رحمة للعالمين، ونورًا يهدي به من يشاء إلى صراط مستقيم، فأبان الطريق وأوضح السبيل، فما بقي من خير إلّا دلَّ عليه ولا شرّ إلا حذر منه، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحابته والتابعين.

أما بعد:
اعلموا رحمكم الله أن الله أحكم الحاكمين وأحسن الخالقين، فقدر الشهور والأعوام وجعل أفضلها وأحبها إليه هو شهر رمضان، ثم زاد في تفضيله ففرض على الأمة صيامه، ثم زاد في تفضيله فجعل فيه ليلة هي خير من ألف شهر، وأنزل فيه كتابه على رسوله صلى الله عليه وسلم، ثم زاد في تفضيله وتكريمه فجعل كل أعمال بني آدم تضاعف لهم الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعين ضعفًا، إلّا شهر رمضان فقد جعل جزاء صومه إليه وحده بدون عدد ولا حساب، وهو أكرم الأكرمين، كما جاء في الحديث القدسي قال الله تعالى: «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به» (الراوي: سفيان بن عيينة: السنن الكبرى للبيهقي).


ولهذا فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس في الخير، وكان أجود ما يكون في شهر رمضان المبارك، وقد كان السلف الصالح يشتاقون إليه، وكانوا ينتظرون قدومه بفارغ الصبر لأنه شهر رحمة الله، وشهر غفران الله، وشهر الحسنات، وشهر العبادة والمواساة، وشهر الصبر، الصبر في ذات الله، والصبر عن محارم الله وإنما يوفَّى الصابرون أجرهم بغير حساب، وها هو ذا شهر رمضان على الأبواب فأهنئكم أيها المسلمون بقدومه، وأبارك لكم بشهر رمضان المبارك: { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185].

وأستحثكم على اغتنامه وانتهاز الفرصة، إن الفرصة تصير إن لم تنتهزها غصة، فاستبشروا بمقدمه، وقابلوه بالفرح والعمل الصالح والبشر، فمن رعى هذا الشهر رعاه الله، ومن ضيعه ضيعه الله، والله جل وعلا يختبر عباده في رمضان ليتبين فيه المطيع من العاصي، فالسعيد من حفظه والشقي من أضاعه، فمرحبًا بقدوم شهر الهداية والقرآن، شهر السلام والإسلام، شهر المحبة والرحمة والهداية، شهر اجتمعت فيه الفضائل والمكارم، شهر الطهر والتوبة والعبادة والذكر، شهر الدعاء نوالاستغفار قال تعالى: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } [البقرة: 186].


فبادروا بالتوبة وإخلاص العمل قبل أن ينصرم هذا الشهر المبارك هذا الشهر العظيم، ففي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إن الله تبارك وتعالى يغفر لأمته في آخر ليلة من رمضان» فقيل: يا رسول الله أهي ليلة القدر؟ فقال: «لا. ولكن العامل إنما يوفى أجره إذا قضى عمله » (الراوي: أبو هريرة المحدث: الرباعي - المصدر: فتح الغفار - الصفحة أو الرقم: 1265/3، خلاصة حكم المحدث: إسناده ضعيف). فاغتنموا أوقاتكم واعلموا أنكم محاسبون على الصغيرة والكبيرة في أيامكم هذه، فغض الطرف وإفشاء السلام، والتسبيح والتهليل والذكر والدعاء، والاستغفار في هذا الشهر مُتَأَكَّدٌ ولازم، لأن الصوم معناه شرعًا: الإمساك عن المحارم وعن كل ما لا يليق بكريم الأخلاق والعادات، زيادة على الصبر على الجوع والعطش..

والصوم ركن من أركان الإسلام ومن لم يقم به ويلتزم بشروطه فإن إسلامه في خطر، لأنه دعامة من دعائمه، ولذلك لم يخل دين من الأديان السماوية إلا والصيام ركن من أركانه، قال تبارك وتعالى: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [البقرة:183].

أقول قولي هذا وأسأل الله أن يغفر لنا ولعامة المسلمين فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين، يوم يجمع الأولين والآخرين ويُعطي كل إنسان صحيفته، ويقول لهم: « يا عبادي! إنما هي أعمالكم ترد عليكم فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنَّ إلّا نفسه » (الراوي: ابن تيمية: مجموع الفتاوى). وأشهد أن لا إله إلا الله أرحم الراحمين وأحكم الحاكمين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أرسلـه بالهدى ودين الحق، وأمرنا أن نصلي عليه في كل صلاة وعند كل مناسبة فقال: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } [الأحزاب: 56]. اللهم صلِّي وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحابته والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.


أما بعد:
فاعلموا أيها المسلمون أنَّ شهركم هذا وصومه ركن من أركان الإسلام، فاستقبلوه وبرهنوا على إسلامكم وانصياعكم لأوامر ربكم، وصوموا عن الطعام والشراب وعن غيره من المحرمات مثل: (الكلام في أعراض الناس، والشتائم والسباب، والمراباة والخداع والنفاق..) وطهروا أنفسكم وأطيعوا ربكم، ورحبوا بشهر الغفران وشهر البركات، استقبلوه مخلصين طائعين ومن عمل صالحًا فلنفسه.

واعلموا رحمكم الله: أن الشهر أيامٌ معدودات وأنه سينتهي بعد أيامه، فلينظر كل منكم حصيلته وعمله، ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها فأولئك كان سعيهم مشكورًا وعملهم مبرورًا، فتسابقوا على الخيرات واغتنموا الصحة قبل المرض، والعمل الصالح قبل أن تطوى الصحيفة ويختم الكتاب، وقديمًا قيل:
إذَا هَبَّتْ رِيَاحُك فَاغْتَنِمْهَا *** فَإِنَّ لِكُلِّ خَافِقَةٍ سُكُونُ

فاغتنموا أوقاتكم في شهركم فإنه لا يُعوض، ومن فرَّط في غيره فليراجع نفسه وليتب إلى الله وليستغفره في هذا الشهر، أما من فرط فيه وأضاعه فقد خسر دنياه وآخرته، واعلموا وفقكم الله أننا سنصل إلى يوم لا يغني فيه مال ولا بنون إلّا من أتى الله بقلب سليم وعمل صالحًا.


عباد الله: عليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة، واعلموا أن أحسن الحديث الكتاب الذي أنزله الله في شهر رمضان فتدارسوه وامتثلوا أوامره، واعلموا أن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وأن شر الأمور محدثاتها وأن كل محدثة بدعة، وأن كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. اللهم أصلح ولاة المسلمين، اللهم ولِّ علينا خيارنا، اللهم واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك وامتثل أوامرك، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، اللهم يسر أمورهم وفرج كربهم يا أرحم الراحمين.

عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ . وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُّمْ وَلاَ تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ } [النحل: 90، 91]. فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.


27/ 7/ 2011ميلادي - 25/ 8/ 1432هجري
 

المصدر: محمد بن صالح الشاوي - موقع الألوكة
  • 6
  • 0
  • 4,888

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً