الآليات الإسلامية لمواجهة الإفساد والمفسدين فى واقع المسلم المعاصر (1 من 2)

منذ 2019-08-17

إن الإسلام شرع تدابير عدة لمنع نجاح هذه الآلة التخريبية التي تصيب المجتمع بالجهل والسطحية الفكرية وتحفزه على إطلاق العنان لكل شهواته (الغضب و الجنس والاستكبار وحب المال والطعام والتملك ..الخ)

 

التحذير من خطوات الشيطان

عندما نتابع ما يطلق عليه ترندات تويتر و جوجل بالعالم العربي (ويقصد بها رؤوس عناوين الموضوعات الرائجة والأكثر بحثا على تويتر وجوجل) فإنك تصاب بصدمة لأنها دائما يغلب عليها السفاهة والتفاهة والمجون فهي غالبا تدور حول كرة القدم أو الممثلات والمغنيات، خاصة ما يتعلق بأجسامهن شبه العارية وحتى لو حدث ذات مرة وراجت قضية سياسية أو اقتصادية ضمن الترند فإن ذلك في الأغلب يكون بفعل ما اصطلح عليه بالذباب أو اللجان الإلكترونية، وإذا تفكرت في سبب هذا تجد أن العقل المجتمعي تدهور فكريا وأخلاقيا وعقيديا بسبب أن السفاهة والتفاهة بجانب الإسفاف الأخلاقي قد صار له آلة تخريبية جبارة (دولية وإقليمية ومحلية) تروج له بعد أن غلفت كل هذا السوء فى غلاف ذي ألوان زاهية و لامعة وجذابة جدا، ومن هنا تم تجهيل المجتمعات العربية والإسلامية والنزول بآفاق عقلها و إضعاف عزائمها لأن الشهوات تميل لها النفوس ولا تملها بل لا يمكن للنفس الانفكاك عنها والانعتاق من عبوديتها إلا بالعزيمة القوية والصبر المر والمجاهدة والمكافحة الشاقة ولذلك وصف تعالى عبادا له تعالى أتقياء بقوله "أولى الأيدي والأبصار" فهم أولو أيدي أي عزائم وأولو أبصار أي علم وبصيرة.

إن الإسلام شرع تدابير عدة لمنع نجاح هذه الآلة التخريبية التي تصيب المجتمع بالجهل والسطحية الفكرية وتحفزه على إطلاق العنان لكل شهواته (الغضب و الجنس والاستكبار وحب المال والطعام والتملك ..الخ) ومن هذه التدابير نُذَكِّر بالتالي:
 
الحث على طلب العلم الشرعي
 
 والأدلة كثيرة من القرآن وصحيح السنة على وجوب طلب العلم الشرعي وفضله ولو لم يكن منها غير قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين" (رواه البخاري وغيره) لكفى حيث قال بعض العلماء: "مفهوم الحديث أن من لم يرد الله به خيرا فلن يفقهه في الدين"، و بعض العلم الشرعي هو فريضة على كل مسلم ومسلمة وهو العلم المتعلق بما يحتاجه المسلم في حياته اليومية من واجبات و مباحات ومحرمات ومستحبات ومكروهات في العبادات والمعاملات والسلوك الاجتماعي والشخصي فضلا عن أسس ومجمل مفاهيم العقيدة، كما أن التفقه الكامل في الإسلام بأصوله وفروعه هو من فروض الكفاية أي فرض على الأمة الإسلامية كلها أن توفر فيه حد الكفاية فإن قام به عدد كافي سقط الفرض عن الباقين وإن لم يقم به عدد كافي صار جميع الأمة آثمين قال تعالى " {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً ۚ فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} " (سورة التوبة آية 122).
 ومن يرد التوسع حول حكم طلب العلم وفضله بأدلته فليرجع للمراجع المتخصصة في هذا الباب مثل: "جامع بيان العلم وفضله" لابن عبد البر، و"الفقيه والمتفقه" للخطيب البغدادي، و"طبقات المتعلمين" للشوكاني، و "فضل طلب العلم" في قسم "الفضائل" بكتاب "رياض الصالحين" للنووي، و"كتاب العلم" في "صحيح البخاري" بشرحه "فتح الباري" لابن حجر.
وغني عن الذكر أن العلم بالعقيدة الإسلامية الصحيحة و بالحلال والحرام هو أقوى حصن ضد آلة الإفساد التي نراها بكل زمان ومكان تسعى لإفساد عقيدة وتفكير وسلوك المجتمع لأن العلم بالشرع الإسلامي يمنعها من جر المجتمع إلى هاوية الانحطاط الفكري والسلوكي لأن المفسدين ينجحون أكثر كلما غاب العلم بالشرع الإسلامي وانتشر الجهل بالشرع الإسلامي ولذلك من سنن الله الكونية رفع العلم بالشرع الإسلامي في أخر الزمان كي يفشو الجهل وتقوم الساعة على شرار الناس كما ورد بالأحاديث النبوية الصحيحة العديدة، إذ لن يتسنى أن يتحول كل الناس إلى الشر إلا بغياب العلم بالشرع الإسلامي  وانتشار الجهل بالشرع الإسلامي.
 
الحث على البحث والتفكر في علوم الدنيا من سنن كونية وغيرها
 
وهذا أدلته كثيرة ومشهورة في القرآن حيث أمر تعالى في آيات كثيرة بالسير في الأرض والنظر في السماء والبحار والتفكر فيما تحويه من ظواهر كونية، وهذا لا يدفع فقط للإيمان بالله أو تقوية إيمان المؤمن وكذا الانتفاع الدنيوي بما تتيحه هذه الظواهر الكونية للإنسان من فرص وإمكانات ولكن أيضا فإن مثل هذا السير والتفكر والتدبر يرتقي بفكر الإنسان وطموحاته و هذا الارتقاء والطموح هو مضاد لأهداف المفسدين في الانحطاط بفكر وعقل المؤمن والتردي بطموحاته إلى هاوية الشهوات والرغبات الصغيرة التافهة والمحرمة.
 
الحث على مجاهدة النفس الأمارة بالسوء
 
إن مجاهدة النفس الأمَّارة بالسوء هو مجاهدة ضد الوقوع في أسر الشهوات والرغبات المحرمة شرعا وهو أمر حث عليه الإسلام فى الكتاب والسنة ووعد الله من يفعله بالسداد والهداية قال تعالى: " {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} " (سورة العنكبوت آية 69)، وقد فسر كثير من العلماء هذه الآية -ومنهم ابن القيم- على أنها تعني جهاد النفس بجانب جهاد الأعداء أيضا.

ولا شك أن جهاد النفس بهذه الطريقة يمنع المسلم والمسلمة من اتباع دعوات وسبل المفسدين ويقوي إيمان هذا المجاهد نفسه، ومحصلة هذا تزيد قوة المجتمع المسلم إيمانيا و أخلاقيا كما أنها تؤدي إلى تقوية عزائم أفراده لأن كل من ينجح في مقاومة شهوته ورغبته المحرمة إنما ينجح بكفاح ومجاهدة وهو تمرين قوي وفعال للعزيمة، ثم إن الترفع عن الرغبات المحرمة من شأنه أن يرتقي بالعقل والفكر والطموح بدل من انحصار فكر ووجدان الإنسان في أمور حقيرة فيها تدني، وكل هذه أمور مضادة لما يهدف له المفسدون بآلاتهم التخريبية المفسدة الجبارة؛ لذلك نجد أن المفسدين وأدواتهم تخاطب شهوات ورغبات النفس والجانب الضعيف فى النفس ويصورون له أن الانسياق وراء الشهوات المحرمة والصغيرة هو قوة لأنه يواجه العادات والتقاليد بحسب خطابهم الافسادي لكن في واقع الأمر فإن الترفع عن الشهوات والتقيد بالشرع الحنيف بشأنها هو القوة ولا ينجح أحد فيه الا بعزيمة قوية وكفاح كبير ومجاهدة عظيمة.
 
الحث على التقوى 
 
حث الإسلام على التقوى إذ قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون" و تكرر حث المسلمين على التقوى في القرآن والسنة كثيرا فالتقوى واجبة شرعا على كل مسلم ومسلمة، والتقوى هي تجنب المعصية قال صلى الله عليه وآله وسلم: "ما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم وما نهيتكم عنه فانتهوا"، والتقوى تمثل مانعا قويا يمنع سقوط المسلم فى مستنقع الشهوات المحرمة ويكفى للدلالة على ذلك قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا مما به بأس". 
 
النهي عن اتباع خطوات الشيطان
 
 قال تعالى: " {يٓا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} " (سورة النور آية 21) وحذر سبحانه من اتباع خطوات الشيطان فى مواضع عدة من القرآن، وهو أمر يتكامل مع مجاهدة النفس كما يتكامل مع التقوى؛ وذلك لأن التدرج لتعويد النفس على خلق أو سلوك أو نمط حياة هو سنة كونية ولذلك فالشيطان يستغل هذه السنة الكونية لتغيير الإنسان للأسوأ وجره الى سبيل الغاويين خطوة خطوة ليصير العصيان والانحراف عادة عند الإنسان بينما تعمل مجاهدة النفس والتخلق بالتقوى على استخدام هذه السنة الكونية في تغيير الإنسان للأفضل خلقا وسلوكا وعلما وفكرا خطوة خطوة أيضا، ولن ينجح المسلم في تحقيق ذلك كله إلا بعدم اتباع خطوات الشيطان، ولذلك أمر الإسلام بسد الذرائع أى بمنع السلوكيات والأعمال التى ستفضي تاليا إلى أى أمر محرم.

وسنكمل فى الحلقة التالية إن شاء الله سردنا للآليات الإسلامية للتصدي للإفساد ونناقش كيفية تفعيلها في واقعنا المعاصر.

عبد المنعم منيب

صحفي و كاتب إسلامي مصري

  • 9
  • 0
  • 3,493

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً