المنتقى من روضة العقلاء ونزهة الفضلاء لابن حبان (1-4)
آفة العقل العُجب, والعاقل لا يستحقر أحداً, لأن من استحقر السلطان أفسد دنياه, ومن استحقر الأتقياء أهلك دينه, ومن استحقر الإخوان أفنى مروءته, ومن استحقر العام [عامة الناس] أذهب صيانته.
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد, وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد :
فمن أجلِّ نعم الله عز وجل على عبده الإنسان : نعمة العقل, فإن كان معها الدين المقبول عند الله وهو الإسلام, فقد سُعِدَ من حضي بهما, وفاز بالمُنى, حيث كان عبداً مسلماً مستسلماً لله, عاقلاً لبيباً, متحلياً بكريم الأخلاق.
والمسلم يتطلع إلى معرفة صفات العقلاء ليتحلى بها, وقد ألف الإمام الحافظ محمد بن حبان البستي رحمه الله كتاباً جميلاً في ذلك, سماه "روضة العقلاء ونزهة الفضلاء" وهو روضة يتنقل القارئ فيه من أشياء جميلة إلى ما هو أجمل منها, ومن أمور حسنة إلى ما هو أحسن منها.وقد أثنى أهل العلم علي هذا الكتاب : قال العلامة محمد صالح العثيمين : من أحسن ما رأيت كتاب "روضة العقلاء"..وهو كتاب مفيد على اختصاره, وجمع عدداً كبيراً من الفوائد ومآثر العلماء والمحدثين وغيرهم.
وحيث أن الكتاب يحوي فوائد عظيمة, في خصال وصفات العاقل, فقد قمتُ بانتقاء أبرز ما جاء في الكتب, أسأل الله الكريم أن ينفع بذلك ويبارك فيه.
آفة العقل
آفة العقل العُجب, والعاقل لا يستحقر أحداً, لأن من استحقر السلطان أفسد دنياه, ومن استحقر الأتقياء أهلك دينه, ومن استحقر الإخوان أفنى مروءته, ومن استحقر العام [عامة الناس] أذهب صيانته.
وآفة العقل الصلف [الكِبر] والبلاء المردي, والرخاء المفرط, لأن البلايا إذا تواترت عليهم أهلكت عقله, والرخاء إذا تواتر عليه أبطره.
فضيلة العقل
أفضل مواهب الله لعباده العقل.
وأفضل قسم الله للمرء عـقله فليس من الخيرات شيء يقاربه
قيل لابن المبارك رحمه الله : ما خير ما أعطى الرجل ؟ قال : غزيرة عقل.
ولا يتم دين أحد حتى يتم عقله.
وعمود السعادة العقل, والعقل لو كان شجرة, لكانت من أحسن الشجر.
ومحبة المرء المكارم من الأخلاق وكراهته سفاسفها هو نفس العقل.
وأول تمكن المرء من مكارم الأخلاق هو لزوم العقل:
إن المكارم أبواب مصـنفة فالعقل أولها والصـمت ثانـيها
والعلم ثالثها والحلم رابعها والجود خامسها والصدق ساديها
والصبر سابعها والشكر ثامنها واللين تاسعها والصدق عاشيها
العقل اسم يقع على المعرفة بسلوك الصواب, والعلم باجتناب الخطأ,
فإذا كان المرء في أول درجته يسمى : أدبياً, ثم أربياً, ثم لبيباً, ثم عاقلاً.
ورأس العقل المعرفة بما يمكن كونه قبل أن يكون.
قوت الأجساد المطاعم, وقوت العقل الحكم, فكما أن الأجساد تموت عند فقد الطعام والشراب, كذلك العقول إذا فقدت قوتها من الحكمة ماتت.
من لم يكن عقله أغلب خصال الخير عليه أخاف أن يكون حتفه في أقرب الأشياء إليه...
جعلنا الله ممن ركب فيه حسن وجود ال
العاقل اللبيب
العاقل...لا يبالي ما فاته من حطام الدنيا مع ما رزق من الحظ في العقل.
والعاقل لا يطول أمله, لأن من قوي أمله ضعف عمله, ومن أتاه أجله لم ينفعه أمله.
ومن عقل العاقل دفن عقله ما استطاع, لأن البذر وإن خفي في الأرض أياماً فإنه لا بد ظاهر في أوانه, وكذلك لا يخفى عقله وأن أخفى ذلك جهده.
وأفضل ذوي العقول منزلهم أدومهم لنفسه محاسبة, وأقلهم عنها فترة.
والعاقل لا يخفى عليه عيب نفسه, لأن من خفي عليه عيب نفسه خفيت عليه محاسن غيره, وإن من أشدِّ العقوبة للمرء أن يخفى عليه عيبه, لأنه ليس بمُقلع عن عيبه من لم يعرفه, وليس بنائلٍ محاسن الناس من لم يعرفها.
والعاقل يحسم الداء قبل أن يبتلى به, ويدفع الأمر قبل أن يقع فيه, فإذا وقع فيه رضي وصبر
والعاقل...لا يدعي ما يحسن من العلم, لأن فضائل الرجال ليست ما ادعوها ولكن ما نسبها الناس إليهم
ولا يجب للعاقل أن يغتم, لأن الغم لا ينفع, وكثرته تزري بالعقل, ولا أن يحزن, لأن الحزن لا يرد المرزئه [المصيبة] ودوامه ينقص العقل.
والعاقل لا يخيف أحداً أبداً ما استطاع, ولا يقيم على خوف وهو يجد منه مذهباً.
والعاقل لا يبتدئ الكلام إلا أن يسال, ولا يكثر التماري إلا عند القبول, ولا يسرع الجواب إلا عند التثبت.
والعاقل لا يتكل على المال, وإن كان في تمام الحال, لأن المال يحلُّ ويرتحل, والعقل يقيم ولا يبرح.
والعاقل لا يقاتل من غير عُدّة, ولا يخاصم من غير حجة, ولا يصارع بدون قوة.
الواجب على العاقل إذا لم يعرف بالسماحة أن لا يعرف بالبخل, كما لا يجب إذا لم يعرف بالشجاعة أن يعرف بالجبن, ولا إذا لم يعرف بالشهامة أن يعرف بالمهانة, ولا إذا لم يعرف بالأمانة أن يعرف بالخيانة.
لا يجب للعاقل أن يتوسل في قضاء حاجته بالعدو, ولا بالأحمق, ولا بالفاسق, ولا بالكذاب, ولا بمن له عند المسئول طعمه.
والعاقل يبتدئ بالصنائع قبل أن يُسال, لأن الابتداء بالصنيعة أحسن من المكافأة عليها....والعاقل يستعمل مع أهل زمانه لزوم بعث الهدايا بما قدر عليه لاستجلاب محبتهم إياه, ويفارق تركه مخافة بغضهم.
وإني لاستحب للعاقل المداومة على إطعام الطعام, والمواظبة على قري الضيف.
ما يزيد في نماء العقل
التجارب
لا يكون المرء بالمصيب في الأشياء حتى تكون له خبرة بالتجارب, وكانت العرب تقول : العقل التجارب.
معاشرة العقلاء, وتجنب الحمقى والسفهاء
والذي يزداد به العاقل من نماء عقله هو التقرب من أشكاله, والتباعد من أضداده, فعن محمد بن أبي مالك الغزي قال : سمعت أبي يقول : جالسوا الألباء أصدقاء كانوا أو أعداء, فإن العقول تلقح العقول.
قال شعبة رحمه الله : عقولنا قليلة, فإذا جلسنا مع من هو أقل عقلا منا ذهب ذلك القليل, وإني لأرى الرجل يجلس مع من هو أقل عقلاً منه فأمقته.
- التصنيف: