الخليفة الراشد عمر بن الخطاب - (6) التفاضل في العطاء

منذ 2019-09-19

انھمار الفيء على الناس مغزارا ومكثارا ومدرارا، مما يقتضي التفاوت والمفاضلة بين الناس، ولخص عمر وجھة نظره تلك في قوله: "لا أجعل من قاتل رسول الله كمن قاتل معه".

(6) التفاضل في العطاء

كان من رأي الخليفة الاول أبي بكر الصديق رضى الله عنه التسوية بين الناس في العطاء؛ لان التسوية في المعاش خير، أما الجھاد في سبيل، الله والسابقة في الدين، فأمرھما موكول إلى ثواب الله عز وجل فلما ولي عمر ابن الخطاب رضى الله عنه الخلافة، رأى رأيا  آخر ملائما لتطورات الاوضاع الاقتصادية في عھده، حيث حركة الفتوحات الكبرى، وانھمار الفيء على الناس مغزارا ومكثارا ومدرارا، مما يقتضي التفاوت والمفاضلة بين الناس، ولخص عمر وجھة نظره تلك في قوله: "لا أجعل من قاتل رسول الله كمن قاتل معه".

لقد أعطى الاعطيات على السابقة في الدين، فأعطى – مثلا صفوان بن أمية، والحارث بن هشام، وسُھيل بن عمرو ممن أسلمو يوم الفتح أقل مما أخذ من قبلهم، فامتنعوا من أخذه، وقالوا: لا نعترف أن يكون أحد أكرم منا أي: في الاحساب. فبين لھم عمر مقياسه الجديد: إنما أعطيتكم على السابقة في الاسلام، لا على الاحساب، عندئذ رضوا واقتنعوا، وأخذوا.


دعا عمر بن الخطاب علماء الانساب العرب من أمثال: عقيل بن أبي طالب، ومخرمة بن نوفل، وجُبير بن مُطعم، وقال لھم: اكتبوا الناس على منازلھم (قبائلھم، وعشائرھم، فبدأوا ببني ھاشم، ثم أبي بكر وقومه من تيم، ثم عمر وقومه من بني عدي.

فلما نظر عمر فيما فعلوا، قال:  وددت لان يكون ھكذا، ولكن ابدأوا بقرابة رسول الله الاقرب فالاقرب، حتى تضعو عمر حيث
وضعه، الله ولم ينخدع عمر بمطالب بني عدي من الابقاء عليھم في الترتيب الذي وضعه النسابة، ففطن عمر لمقصدھم، ولم يُلب رغبتھم؛ لانھم يقصدون محاباتھم،

فقال :لا، تريدون أن تذھبوا بحسناتي، ستوضعون في أماكنكم ولو أُطبق عليكم الدفتر، ولو أن تكتبوا في آخر الناس، ولئن جاءت الاعاجم بالاعمال، وجئنا بغير عمل، فھم أولى بالرسول منا يوم القيامة. فليعمل كل امرئ لما عند اللهولا ينظر لقرابة، فإن من قصر به عمله لم يسرع به نسبُه.
بدأ عمر بن الخطاب بمن شھد بدرا من المھاجرين والانصار، وفرض لكل رجل منھم خمسة آلاف درھم سنويا حليفهم، ومولاھم معھم بالسواء، وفرض لمن كان له إسلام كإسلام أھل بدر، ومن مھاجرة الحبشة ممن شهد أحدا أربعة آلاف درھم لكل رجل، وفرض لابناء أھل بدر ألفين إلا الحسن والحسين، فإنه ألحقھما بفريضة أبيھما؛ لقرابتھما برسول الله ففرض لكل واحد منھما خمسة آلاف درھم وكذلك فرض للعباس، وفرض لامھات المؤمنين عشرة آلاف درھم، وزاد عائشة ألفي درھم؛ لمحبة الرسول إياھا.

وجعل نساء أھل بدر في خمسمائة درھم، ونساء من بعدھم إلى الحديبية على أربعمائة درھم، ونساء من بعد ذلك إلى
الايام (ما قبل القادسية من الفتوح ثلاثمائة درھم، ونساء أھل القادسية على مائتي درھم، ثم سوى بين النساء بعد ذلك، وجعل عطاء الصبيان مائة درھم، وفرض لكل من ھاجر قبل الفتح لكل رجل منهم ألفين، ولغلمان أحداث من أبناء المھاجرين كمسلمة الفتح.

وميز عمر بن أبي سلمة، فأعطاه أربعة آلاف درھم؛ لمكانه من النبي، وأعطى أسامة بن زيد أربعة آلاف درھم، فقال عبد الله بن
عمر بن الخطاب ابن الخليفة:  فرضت لى ثلاثة آ$ف، وفرضت لاسامة أربعة آلاف، وقد شھدت ما لم يشھد أسامة، فقال عمر: زدته؛ لانه أحب إلى رسول الله منك، وكان أبوه أحب إليه من أبيك، ثم فرض للناس على منازلھم، وقراءتھم القرآن، وجھادھم، ثم جعل من بقي من الناس بابا واحدا، وجعل لمن جاءه مسلما بالمدينة خمسة وعشرين دينارا سنويا لكل رجل، وفرض لاھل اليمن وقيس بالشام والعراق ممن جاھد ما بين ألفين إلى ألف، إلى تسعمائة إلى خمسمائة إلى ثلاثمائة درھم، ولم ينقص أحد منهم عن ذلك، وجعل لبعض النساء المتميزات عطاء كبيرا، ففرض لصفية بنت عبد المطلب ستة آلاف درھم، ولكل من: أسماء بنت عُميس، وأم كلثوم بنت عقبة، وأم عبد اللهبن مسعود ألف درھم. وذكر عن الواقدي أنه فرض للنساء المھاجرات ثلاثة آلاف درھم لكل واحدة، ولم ينس عمر أن يفرض للمنفوس (المولود مائة درھم، فإذا ترعرع بلغ به مائتي درھم، فإذا بلغ زاده، وإذا أتي باللقيط فرض له مائة درھم، علاوة على رزق يأخذه وليه كل شھر بقدر ما يصلحه، ثم يزيده من سنة إلى سنة، وكان يوصي بھم خيرا، ويجعل رضاعھم ونفقتھم من بيت المال.


 لقد كان عمر حريصا على توصيل ھذا العطاء بنفسه إلى مواطن القبائل، حيث يقيم الناس، ولقد رئي يحمل ديوان خزاعة (أسماء أفراد القبيلة) حتى ينزل عندھم، فلا يغيب عنه امرأة بكر، ولاثيب، فيعطيھن في أيديھن، ثم ينتقل إلى
أماكن أخرى، وھكذا حتى توفي رضوان الله عليم. وتجدر الاشارة إلى أن المال لما فاض عن الحاجة، فكر عمر قبيل وفاته في أن يعود إلى رأي أبي بكر في التسوية بين الناس في العطاء، فقال: لئن بقيت إلى الحول لالقحقن أسفل الناس بأعلاھم.
 


تأليف: عبد الفتاح فتحي عبد الفتاح

المصدر: كتاب الخلفاء الراشدين

  • 1
  • 1
  • 7,979
المقال السابق
(4) منهج عمر في مراقبة ومحاسبة الولاة
المقال التالي
(3) المهمات المسندة إلى الولاة

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً