اختاري فارسا بحق
حتى تقدم لخطبتها شاب وسأل أهلها عنه: " لا يدخن، يصلي في المسجد وشهد له إمامه وجيرانه وكل من يعرفه بالخير والأخلاق والدين، شاب مكافح " ، ولم يعد لها حجة حتى لو لم تجد اللحية التي طالما حلمت بها.
كم من فتاة تحلم بذلك الفارس الذي يأخذها على حصان أبيض، ولكنه في مخيلتها ليس مجرد فارس، بل هو ذلك الملتزم الذي تبدو عليه أمارات الالتزام؛ تنير اللحية وجهه، ويعلوه ذلك الجلباب القصير، يأخذ بيدها ويعينها على طاعة الله.
وهذا ما كانت تحلم به رفيقتي، لقد عاشت طيلة طفولتها وصباها وهي تسعى أن تكون ممن يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله حتى تحقق نصيبها من حلمها،
وتتمنى أن تكون في صحبة " شاب نشأ في طاعة الله " ليكمل باقي الحلم.
وكم نسج خيالها أحلاما وردية عن بيت يملؤه الالتزام بمفهومه وبمظاهره وبواطنه.
زوج ملتحي من جهة، وزوجة ترتدي الإسدال والسواد من جهة أخرى ،
أطفال حفظة لكتاب الله، يطوفون بين هذا المسجد وذاك، صيام بالنهار وقيام بالليل.
وانتظرت فارس الأحلام ذلك طويلا جدا، ولكن.. لم يأتِ، بل كان يأتي من هو ذو وضع اجتماعي جيد وظروف ملائمة، ولكن لم تجد التدين الذي ترجوه.
وبدأ يرسخ في ذهنها أنها لا تستحق ذلك الفارس، إذا فلتكن أحلامها على قدرها،
من هي تلك الضعيفة الضئيلة ليكافأها الله بعابد زاهد تقي نقي، وبدأ يتوغل هذا الإحساس داخلها يوما بعد يوم وفقدت الأمل.
حتى تقدم لخطبتها شاب وسأل أهلها عنه: " لا يدخن، يصلي في المسجد وشهد له إمامه وجيرانه وكل من يعرفه بالخير والأخلاق والدين، شاب مكافح " ، ولم يعد لها حجة حتى لو لم تجد اللحية التي طالما حلمت بها.
قالت في نفسها "لا بأس فأنا لا أستحقها، وإلى متى سأنتظر شيئا في علم الغيب، ثم أنا فوضت أمري لله ولا أفتر عن صلاة الاستخارة وكل ما أراه رؤى مبشرة "
هكذا أقنعت نفسها.
وتزوجت ذلك الشاب رغم عدم قناعتها به، وحقيقة وجدته طيبا حنونا عطوفا، يتقي الله ويخافه ويحرص على الحلال بشدة، ويبتعد عن الحرام، ذا أخلاق وقيم ومبادئ قلما نجدها في هذا الزمان.
لكن بقيت المظاهر التي كانت تحلم بها؛ لحية، تعلم العلم الشرعي، قيام الليل، الحرص على النوافل وغيرها تنغص عليها صفاء حياتها، كان غياب تلك المظاهر من حياتها يجعلها حزينة.
إلى أن قابلت بعض صديقاتها ورفيقات دربها، اللاتي ذكرنها بأيام الصبا ونسماته وذكرياته، فإذا بها تعرف من أخبار صديقاتها ما جعلها تراجع نفسها؛ فلانة التي تزوجت الشيخ الذي يشهد له الجميع بالصلاح والتقوى، تفاجأت كيف يعامل زوجته، وما هي عليه من ضنك العيش وسوء المعاملة وكأنها جارية! لا يعرف من الشرع إلا حقوق الزوج، وليس على لسانه إلا أن طاعة الزوج واجبة، ولا ينظر بعد ذلك إلى مشاعرها ورغباتها وطاقتها وقدرتها على تحقيق ما يأمرها به.
وتلك التي وقفت أمام أهلها وتنازلت عن التكافؤ الاجتماعي والعلمي لتفوز بالشاب الملتزم، فإذا به لا يعرف عن الإسلام إلا مظاهره! ينتهك محارم الله في السر، ويلتف حول تعاليم الإسلام في العلن.
فأدركت أن الإيمان والتقوى والالتزام ليس بقول ولا مظاهر وإنما أفعال لا يقلل منها ترك سنة أو تأخر عن فضل، فأبواب الجنة كثيرة وقلما من يدخلها من كل أبوابها.
لقد جاء الإسلام فغير الصحابة، لم يغير المظاهر فقط، بل غير القناعات والعقائد وطريقة التفكير والنظر للأمور، وغير السلوكيات كما غير المظاهر.
ولكن كثيرا من المسلمين اليوم قد اختلط عليهم الفارق بين مظهر الاسلام -والذي نحن مطالبون به - وجوهر الإسلام، فأفرط بعضهم فجعل المظهر هو المعيار الوحيد لقياس درجة التدين والالتزام.
إن الدين جوهر ومظهر، مخبر ومنظر، ما أجملها عندما تجتمع، وما أقبح المرء عندما يهتم بمظاهر الأمور ويترك جوهرها.
فإذا أنعم الله على الفتاة بذي خلق ودين حرص على أن يطبق سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في سلوكه ومنهجه كما سار على هديه في مظهره وسمته؛ فهذا من فضل الله عليها.
ولكن ذلك لا ينفي أن يكون الخير موجودا في غيرهم ممن حرص على الجوهر وإن قصر في بعض سنن الملبس أو المظهر وتمسك بفروض الإسلام وتعاليمه الأساسية.
ولا ينفي ذلك أيضا وجود قلة ممن فهم من الإسلام قشوره وأعرض عن لُبِّه ولم يغرف من معينه الحقيقي فكان مظهره خادعا، خُدعت به من كانت تبحث عن صندوق مجوهرات تضع فيه أثمن شيء تملكه وهو نفسها ، فما إن رأت صندوقا متقن الصنعة جميل المنظر انبهرت وسارعت إليه دون أن ترى ما فيه، ثم فوجئت بعد ذلك بسوء ما يحتويه من الداخل وقت لا ينفع الندم.
يخطئ ويندم كثيرا ذلك الذي يجعل معيار اختياره لشريك أو شريكة حياته قائما على مظاهر خارجية وينسى الجوهر الذي هو الأساس والمظهر تابع له، ذلك الجوهر الذي يترجمه لنا أخلاقه وتعاملاته مع من يعرف ومن لا يعرف، من كلامه عن رؤيته ونظرته لزوجة المستقبل في ضوء ما غُرس في قلبه من تعاليم الشرع وأخلاقه.
قال رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ: ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق )رواه أحمد . فلا يكفي الحرص على الصلاة والصيام والاعتكاف ولكن لنبحث عن الخلق والفكر السديد والإنصاف.
فليكن المعيار الحقيقي للاختيار قائم على مدى الالتزام بأخلاق الإسلام وتعاليمه على نور وبصيرة، قائم على التطبيق الفعلي لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا كان يمتنع وجود بشر بلا خطأ فلنحرص عند الاختيار ألا يكون العيب في جوهر الإنسان وفهمه لحقيقة تعاليم الإسلام .
- التصنيف: