التفسير واختلاف القراءات
إنّ حكاية الأقوال المختلفة المؤثرة في المعنى في تفسير بعض الآيات المقروءة بأكثر من وجهٍ قد يكون مرجعه إلى اختلاف القراءات فحسب، فتدلّ إحدى القراءات على معنى، والأخرى على معنى مختلف، وتنقل الأقوال عن السلف على سبيل الاختلاف دون التنبه إلى القراءة التي فسر عليها الآية.
إنّ حكاية الأقوال المختلفة المؤثرة في المعنى في تفسير بعض الآيات المقروءة بأكثر من وجهٍ قد يكون مرجعه إلى اختلاف القراءات فحسب، فتدلّ إحدى القراءات على معنى، والأخرى على معنى مختلف، وتنقل الأقوال عن السلف على سبيل الاختلاف دون التنبه إلى القراءة التي فسر عليها الآية.
وقد نبه على هذه المسألة السيوطي (ت911هـ) فقال: «من المهم معرفة التفاسير الواردة عن الصحابة بحسب قراءة مخصوصة؛ وذلك أنه قد يرد عنهم تفسيران في الآية الواحدة مختلفان فيُظَنُّ اختلافًا وليس باختلاف، وإنما كلّ تفسير على قراءة.
ومن أمثلة ذلك في تفسير قوله تعالى: {لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا} [الحجر: 15].
حيث ورد في {سُكِّرَتْ} قراءتان:
الأولى: «سُكِّرَتْ» بضم السين، وتشديد الكاف.
الثانية: «سُكِرَت» بضم السين، وكسر الكاف مع التخفيف.
وقد أخرج ابن جرير من طرقٍ عن ابن عباسٍ أن معنى «سكرت»: سُدَّتْ. وأخرج من طرق أخرى عن ابن عباس أنها بمعنى: أُخِذَتْ.
فظن بعضهم أن هذا اختلاف في النقل عن ابن عباس، أو تضارب في التفسير. ولكن التابعي الجليل قتادة بن دعامة السدوسي (ت117هـ) فطن لسبب هذا الاختلاف في التفسير، وهو اختلاف القراءة، فقال: «من قرأ «سُكِّرَتْ» مشددةً فإنما يعني: سُدَّتْ، ومن قرأ «سُكِرَت» مخففةً فإنه يعني سُحِرَت»، وهو معنى قول ابن عباس: أُخِذَتْ.
قال السيوطي: وهذا الجمعُ من قتادة نفيسٌ بديعٌ. ثم اضاف السيوطي مثالين آخرين على هذا، فقال: «ومثله قوله تعالى: {سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ} [إبراهيم: 50]. أخرج ابن جرير عن الحسن أَنَّه الذي تُهنأُ به الإبلُ. وأخرج من طرقٍ عنه وعن غيره أَنَّهُ النحاسُ المُذابُ.
وليسا بقولين، وإنما الثاني تفسير لقراءة من «قطرٍ آنٍ»، بتنوين «قطر» وهو النحاس و«آن» شديد الحر، كما أخرجه ابن أبي حاتم هكذا عن سعيد بن جبير.
وقد خَرَّجتُ على هذا قديمًا الاختلافَ الوارد عن ابن عباس وغيره في تفسير آية: {أَوْ لَامَسْتُمُ} [النساء: 43]، هل هو الجماعُ أو الجَسُّ باليدِ؟ فالأول تفسيرٌ لقراءة {لَامَسْتُمُ}. والثاني لقراءة «لَمَسْتُم» ولا اختلاف»[1].
هذه لفتةٌ أحببت الإشارة إليها تنبيهًا لمن يقرأ تفسيرًا لأحد علماء الصحابة والتابعين فيظن هذا من التعارض في الأقوال، وهو قد يرجع إلى اختلاف القراءة التي فسّر عليها واستند إليها في قوله.
([1]) ينظر: الإتقان (6 / 2306).
عبد الرحمن بن معاضة الشهري
الشيخ عبد الرحمن بن معاضة الشهري المدير العام لمركز تفسير للدراسات القرآنية https://tafsir.net/ دكتوراه في القرآن وعلومه من كلية أصول الدين بالرياض عام 1425هـ
- التصنيف:
- المصدر: