العرب ولباس المرأة

منذ 2019-10-31

معنَى السفورِ عندَ العربِ: هو كشفُ المرأةِ لوجهِها، وليس المرادُ بذلك كَشْفَها لشعرِها أو نحرِها؛ لأنه لا يعرَفُ عندَ غالبِ العربِ والعجَمِ كشفُ المرأةِ لشعرِها؛ قال تَوْبَةُ بنُ الحُمَيِّرِ: وكُنْتُ إذَا ما جِئْتُ لَيْلَى تَبَرْقَعَتْ ... فقَدْ رَابَنِي مِنْهَا الغَدَاةَ سُفُورُهَا

لم يثبُتْ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أرشدَ إلى لباسِ قبيلةٍ أو أُمَّةٍ بعينِها، وإنما ثبَتَ ذلك عن الخليفةِ الراشدِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه؛ فقد كتَبَ لِمَن في أَذْرَبِيجانَ مِن عُمَّالِه وأصحابِه: «عَلَيْكُمْ بِاللِّبْسَةِ المَعَدِّيَّةِ، وَإِيَّاكُمْ وَهَدْيَ العَجَمِ؛ فإِنَّ شَرَّ الهَدْيِ هَدْيُ العَجَمِ».

أخرجَه ابنُ أبي شيبةَ، وابنُ شَبَّةَ، وغيرُهما، بسندٍ صحيحٍ، وأصلُه في «المسنَد» لأحمد .
ومرادُه: ما كان عليه قبائِلُ مَعَدِّ بنِ عَدْنانَ، وهم ذُرِّيَّةُ إسماعيلَ بنِ إبراهيمَ، بلا خلافٍ، وقد ثبتَ مِن وجهٍ آخَرَ عن عمرَ رضي الله عنه قولُه: «عَلَيْكُمْ بِلِبَاسِ أبِيكُمْ إِسْمَاعِيلَ»؛ رواهُ ابنُ الجَعْدِ، بسندٍ صحيحٍ.
والمرادُ: تشبَّهُوا بلباسِ بني مَعَدِّ بنِ عدنانَ زِيّاً وخشونةً، ومِن المهمِّ معرفةُ ما كانتْ عليه أقربُ الناسِ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم نسباً الذين عاش بينَهم؛ فإنَّ فهمَ الحالِ التي نزلَ عليها القرآنُ، مما يُعِينُ على فهمِ مقصودِه، وقد كانت طوائفُ مِن العجَمِ على ما كانت عليه مَعَدُّ بنُ عدنانَ، كعجَمِ أصبهانَ؛ كما قال الأصمعيُّ: عجَمُ أصبهانَ قريشُ العَجَمِ»؛ يعني: في هَدْيِها وأخلاقِها، ولباسِها وشِيَمِها.
وقبائلُ مَعَدِّ بنِ عدنانَ هي بطونٌ مِن العربِ، وفروعُها الكُبرى: رَبِيعةُ ومُضَرُ، ومِن بطونِها الدُّنيا: قُرَيْشٌ وكِنَانَةُ وأَسَدٌ وهُذَيْلٌ وتَمِيمٌ ومُزَيْنَةُ وضَبَّةُ وخُزَاعَةُ وهَوَازِنُ وسُلَيْمٌ وثَقِيفٌ ومازِنٌ وغَطَفانُ وباهِلَةُ وتَغْلِبُ وبنو حَنِيفةَ، وقيل: قُضَاعَةُ وجُهَيْنَةُ، ونَهْدٌ وكَلْبٌ وخَوْلانُ وبَلِيٌّ ومُهْرةُ وغيرُهم، وفيهم اليومَ قبائلُ كثيرةٌ؛ كعُتَيْبةَ وعَنَزَةَ وبَنِي مُرَّة وبَنِي سُلَيْمٍ وبني هلالٍ ومُطَيْرٍ والدَّوَاسِرِ وسُبَيْعٍ والسُّهُولِ، وخَلْقٍ.
وقد كانَ الأصلُ في نساءِ مَعَدِّ بنِ عدنانَ، وكثيرٍ مِن قبائلِ العربِ، السَّتْرَ الغالبَ للبَدَنِ، سواءٌ منهم الوَثَنِيُّ أو الكتابيُّ، حتى يُقالَ في مَثَلِهم السائرِ: «العَوَانُ لا تُعَلَّمُ الخِمْرَةَ»؛ يعني: هيئةَ الاختمارِ؛ لأنها معتادةٌ عليها مِن صِغَرِها، فلا تحتاجُ إلى تعليمٍ وهي كبيرةٌ، حتى كان كثيرٌ مِن نسائِهم لا تكشِفُ وجهَها إلا في الإحرامِ للنُّسُكِ، وهذا مما بَقِيَ فيهم مِن مناسكِ الحنيفيَّةِ، حتى لم يفرِّقُوا بينَ سفورِ المرأةِ لإحرامِها، وبينَ سفورِها عند الرجالِ ولو كانتْ مُحْرِمةً في الحجِّ، قال خُفَافُ بنُ نُدْبَةَ السُّلَمِيُّ: وأَبْدَى شُهُورُ الحَجِّ مِنْهَا مَحَاسِناً ... ووَجْهاً متَى يَحْلِلْ لهُ الطِّيبُ يُشْرِقِ وكانوا يُفَرِّقُون بين الحُرَّةِ والأَمَةِ بكشفِ الوجهِ، والحرائرُ لا يكشفْنَ إلا عندَ الشدائدِ والحروبِ عندَ خوفِ السَّبْيِ والأسْرِ؛ ليَرَاهُنَّ العدوُّ فيَتْرُكَهُنَّ زُهداً بهن؛ قال سَبْرَةُ بنُ عمرٍو الفَقْعَسِيُّ:
وَنِسْوَتُكُمْ فِي الرَّوْع بادٍ وُجُوهُها ... يُخَلْنَ إِمَاءً وَالْإمَاءُ حَرَائِرُ وقد كانَتْ تُسْتَرُ نساءُ نصارى العربِ؛ فيقولُ شاعرُهم الأخطَلُ التَّغْلَبِيُّ:
أَنِـفْـتُ لِبِـيـضٍ يَـجْـتَلِـيـهِـنَّ ثـابِتٌ ... بِدَوْغَانَ، يَهْفُو قَزُّهَا وحَرِيرُهَا
إذَا أَعْرَضَتْ بَيْضَاءُ قالَ لها: اسْفِرِي ... وكانتْ حَصَاناً لا يُنَالُ سُفُورُهَا


وتسمِّي العربُ ما يغطَّى به الوجهُ بأسماءٍ، منها: (الغُدْفَة)، و(الوَصَاوِص)، و(النَّصِيف)، و (النِّقَاب)، و (البُرْقُع)، و (القِنَاع)، و (المَيْسَنانيّ)، وغيرُ هذا مما تقدَّمَ دخولُه فيما يُغَطَّى به الوجهُ مما سبق؛ كالخمارِ والجلبابِ، وغيرِهما.

ومعنَى السفورِ عندَ العربِ: هو كشفُ المرأةِ لوجهِها، وليس المرادُ بذلك كَشْفَها لشعرِها أو نحرِها؛ لأنه لا يعرَفُ عندَ غالبِ العربِ والعجَمِ كشفُ المرأةِ لشعرِها؛ قال تَوْبَةُ بنُ الحُمَيِّرِ:
وكُنْتُ إذَا ما جِئْتُ لَيْلَى تَبَرْقَعَتْ ... فقَدْ رَابَنِي مِنْهَا الغَدَاةَ سُفُورُهَا 

وقد ذكَرَ بعضُ المفسِّرِين -كمُقاتِلِ بنِ حَيَّانَ-: أنَّ تبرُّجَ الجاهليةِ الأولَى -قبلَ وُجودِ العربِ- الذي نَهَى اللهُ عنه في قولِه: {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب: 33]؛

أنَّهُنَّ كُنَّ يُلْقِينَ الخمارَ على رؤوسِهِنَّ ولا يَشْدُدْنَه، ومع ذلك نهى اللهُ عنه، وشدَّد عليه، وذكَرَه مثالاً، لفعلِ سُوء.
وقد جاء عن بعضِ السلفِ -كابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما وغيرِه-: أنَّ تبرُّجَ الجاهليةِ الأُولَى كان بين نُوحٍ وإدرسَ، ولو كان هناك تبرُّجٌ عامٌّ في التاريخِ بعدَه أسوَأُ منه، لذَكَرَهُ اللهُ مثالاً.
والأُمَمُ تتقلَّبُ بين الرجوعِ إلى الفطرةِ وبينَ الانسياقِ لإبليسَ، وكُلَّمَا ابتَعَدَتْ أعادَها اللهُ بالوحيِ، وسَتْرُ النساءِ شِرْعةٌ وفطرةٌ للأنبياءِ والصالحينَ في كلِّ زمَنٍ، وقد صحَّ عن عُمَرَ بنِ الخطابِ رضي الله عنه أنَّه فسَّرَ قولَ اللهِ تعالى: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ} [القصص: 25]؛ بتغطيةِ وجهِها بثوبِها؛ أخرَجَه ابنُ أبي شَيْبة.

  • 16
  • 0
  • 4,510

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً