عهد بن اُمية - يزيد بن معاوية أبو خالد الأموي

منذ 2019-11-04

يزيد بن معاوية، أبوخالد، ولد سنة خمس أو ست وعشرين، كان ضخمًا كثير اللحم كثير الشعر، وأمه ميسون بنت بحدل الكلبية.

يزيد بن معاوية أبو خالد الأموي

يزيد بن معاوية، أبوخالد، ولد سنة خمس أو ست وعشرين (1)، كان ضخمًا كثير اللحم كثير الشعر، وأمه ميسون بنت بحدل الكلبية.
روى عن أبيه وعنه: ابنه خالد، وعبد الملك بن مروان.
جعله أبوه ولي عهده، وأكره الناس على ذلك كما تقدم.


قال الحسن البصري: أفسد أمر الناس اثنان: عمرو بن العاص يوم أشار على معاوية برفع المصاحف فحملت، ونال من القراء، فحكم الخوارج، فلا يزال هذا التحكيم إلى يوم القيامة. والمغيرة بن شعبة، فإنه كان عامل معاوية على الكوفة فكتب إليه معاوية: إذا قرأت كتابي فأقبل معزولًا، فأبطأ عنه فلما ورد عليه قال: ما أبطأ بك؟ قال: أمر كنت أوطئه وأهيئه، قال وما هو: قال: البيعة ليزيد من بعدك قال: أو قد فعلت؟ قال: نعم، قال: ارجع إلى عملك، فلما خرج قال له أصحابه؟ ما وراءك؟ قال: وضعت رجل معاوية في غرز غي لا يزال فيه إلى يوم القيامة، قال الحسن: فمن أجل ذلك بايع هؤلاء لأبنائهم، ولولا ذلك لكانت شورى إلى يوم القيامة.


وقال ابن سيرين: وفد عمرو بن حزم على معاوية فقال له: أذكرك الله في أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- بمن تستخلف عليها، فقال: نصحت وقلت برأيك وإنه لم يبق إلا ابني وأبناؤهم، وابني أحق.
وقال عطية بن قيس: خطب معاوية فقال: اللهم إن كنت إنما عهدت ليزيد لما رأيت من فضله فبلغه ما أملت وأعنه، وإن كنت إنما حملني حب الوالد لولده وأنه ليس ما صنعت به أهلًا فاقبضه قبل أن يبلغ ذلك.
فلما مات معاوية بايعه أهل الشام، ثم بعث أهل المدينة من يأخذ له البيعة، فأبى الحسين وابن الزبير أن يبايعاه، وخرجا من ليلتهما إلى مكة.


فأما ابن الزبير فلم يبايع ولا دعا إلى نفسه، وأما الحسين فكان أهل الكوفة يكتبون إليه يدعونه إلى الخروج إليهم زمن معاوية، وهو يأبى، فلما بويع يزيد أقام على ما هو مهمومًا يجمع الإقامة مرة ويريد المسير إليهم مرة أخرى، فأشار عليه ابن الزبير بالخروج، وكان ابن العباس يقول له: لا تفعل، وقال له ابن عمر: لا تخرج، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خيره الله بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة، وإنك بضعة منه ولا تنالها -يعني: الدنيا- واعتنقه وبكى وودعه، فكان ابن عمر يقول: غلبنا الحسين بالخروج، ولعمري قد رأى في أبيه وأخيه عبرة، وكلمه في ذلك أيضًا جابر بن عبد الله وأبو سعيد وأبو واقد الليثي وغيرهم، فلم يطع أحدًا منهم، وصمم على المسير إلى العراق، فقال له ابن عباس: والله إني لأظنك ستقتل بين نسائك وبناتك كما قتل عثمان، فلم يقبل منه، فبكى ابن عباس، وقال: أقررت عين ابن الزبير، ولما رأى ابن عباس عبد الله بن الزبير قال له: قد أتى ما أحببت، وهذا الحسين يخرج ويتركك والحجاز، ثم تمثل:
يا لك من قنبرة بمعمر ... خلا لك الجو فبيضي واصفري
ونقري ما شئت أن تنقري


وبعث أهل العراق إلى الحسين والرسل والكتب يدعونه إليهم، فخرج من مكة إلى العراق في عشر ذي الحجة ومعه طائفة من آل بيته رجالًا ونساء وصبيانًا، فكتب يزيد إلى واليه بالعراق عبيد الله بن زياد بقتاله، فوجه إليهم جيشًا أربعة آلاف عليهم عمر بن سعد بن أبي وقاص، فخذله أهل الكوفة كما هو شأنهم مع أبيه من قبله، فلما رهقه السلاح عرض عليه الاستسلام والرجوع والمضي إلى يزيد فيضع يده في يده، فأبوا إلا قتله، فقتل وجيء برأسه في طست حتى وضع بين يدي ابن زياد، لعن الله قاتله وابن زياد معه ويزيد أيضًا.
وكان قتله بكربلاء، وفي قتله قصة فيها طول لا يحتمل القلب ذكرها، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وقتل معه ستة عشر رجلًا من أهل بيته.


ولما قتل الحسين مكثت الدنيا سبعة أيام والشمس على الحيطان كالملاحف المعصفرة، والكواكب يضرب بعضها بعضًا، وكان قتله يوم عاشوراء، وكسفت الشمس ذلك اليوم، واحمرت آفاق السماء ستة أشهر بعد قتله، ثم لازالت الحمرة ترى فيها بعد ذلك اليوم ولم تكن ترى فيها قبلها.
وقيل: إنه لم يقلب حجر بالبيت المقدس يومئذ إلا وجد تحته دم عبيط، وصار الورس الذي في عسكرهم رمادًا، ونحروا ناقة في عسكرهم، فكانوا يرون في لحمها مثل النيران، وطبخوها فصارت مثل العلقم، وتكلم رجل في الحسين بكلمة، فرماه الله بكوكبين من السماء فطمس بصره.


قال الثعالبي: روت الرواة من غير وجه عن عبد الملك بن عمير الليثي قال: رأيت في هذا القصر -وأشار إلى قصر الإمارة بالكوفة- رأس الحسين بن علي بين يدي عبيد الله بن زياد على ترس، ثم رأيت رأس عبيد الله بن زياد بين يدي المختار بن أبي عبيد، ثم رأيت رأس المختار بين يدي مصعب بن الزبير، ثم رأيت رأس مصعب بين يدي عبد الملك، فحدثت بهذا الحديث عبد الملك فتطير منه وفارق مكانه.

وأخرج الترمذي عن سلمى قالت: دخلت على أم سلمة -وهي تبكي- فقلت: ما يبكيك؟ قالت: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في المنام وعلى رأسه ولحيته التراب، فقلت: ما لك يا رسول الله؟ قال: شهدت قتل الحسين آنفًا (2).
وأخرج البيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بنصف النهار أشعث أغبر، وبيده قارورة فيها دم، فقلت: بأبي وأمي يا رسول الله، ما هذا؟ قال: هذا دم الحسين وأصحابه، لم أزل ألتقطه منذ اليوم، فأحصي ذلك اليوم فوجدوه قتل يومئذ (3).


وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن أم سلمة قالت: سمعت الجن تبكي على حسين وتنوح عليه.
وأخرج ثعلب في أماليه عن أبي خباب الكلبي قال: أتيت كربلاء فقلت لرجل من أشراف العرب، أخبرني بما بلغني أنكم تسمعون نوح الجن، فقال: ما تلقى أحدًا إلا أخبرك أنه سمع ذلك، قلت: فأخبرني بما سمعت أنت، قال: سمعتهم يقولون:
مسح الرسول جبينه ... فله بريق في الخدود
أبواه من عليا قريش ... وجده خير الجدود
ولما قتل الحسين وبنو أبيه بعث ابن زياد برءوسهم إلى يزيد، فسر بقتلهم أولًا، ثم ندم لما مقته المسملون على ذلك، وأبغضه الناس، وحق لهم أن يبغضوه.
وأخرج أبو يعلى في مسنده بسند ضعيف عن أبي عبيدة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " «لا يزال أمر أمتي قائمًا بالقسط، حتى يكون أول من يثلمه رجل من بني أمية يقال له: يزيد» " (4).


قال نوفل بن أبي الفرات: كنت عند عمر بن عبد العزيز، فذكر رجل يزيد، فقال: قال أمير المؤمنين يزيد بن معاوية، فقال: تقول أمير المؤمنين؟ وأمر به، فضرب عشرين سوطًا.
وفي سنة ثلاث وستين بلغه أن أهل المدينة خرجوا عليه وخلعوه، فأرسل إليهم جيشًا كثيفًا وأمرهم بقتالهم، ثم المسير إلى مكة لقتال ابن الزبير، فجاءوا وكانت وقعة الحرة على باب طيبة، وما أدراك ما وقعة الحرة؟ ذكرها الحسن مرة فقال: والله ما كاد ينجو منهم أحد، قتل فيها خلق من الصحابة -رضي الله عنهم- ومن غيرهم، ونهبت المدينة، وافتض فيها ألف عذراء، فإنا لله وإنا إليه راجعون قال صلى الله عليه وسلم: «من أخاف أهل المدينة أخافه الله، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين» (5). رواه مسلم.
وكان سبب خلع أهل المدينة له أن يزيد أسرف في المعاصي.
وأخرج الواقدي من طرق: أن عبد الله بن حنظلة الغسيل قال: والله ما خرجنا على يزيد حتى خفنا أن نرمى بالحجارة من السماء إنه رجل ينكح أمهات الأولاد، والبنات، والأخوات، ويشرب الخمر، ويدع الصلاة.


قال الذهبي: ولما فعل يزيد بأهل المدينة ما فعل، مع شربه الخمر وإتيانه المنكرات، اشتد عليه الناس، وخرج عليه غير واحد، ولم يبارك الله في عمره، وسار جيش الحرة إلى مكة لقتال ابن الزبير، فمات أمير الجيش بالطريق، فاستخلف عليه أميرًا، وأتوا مكة، فحاصروا ابن الزبير وقاتلوه ورموه بالمنجنيق، وذلك في صفر سنة أربع وستين، واحترقت من شرارة نيرانهم أستار الكعبة وسقفها وقرنا الكبش الذي فدى الله به إسماعيل وكانا في السقف، وأهلك الله يزيد في نصف شهر ربيع الأول من هذا العام، فجاء الخبر بوفاته والقتال مستمر، فنادى ابن الزبير: يا أهل الشام إن طاغيتكم قد أهلك، فانقلبوا وذلوا وتخطفهم الناس، ودعا ابن الزبير إلى بيعة نفسه, وتسمى بالخلافة، وأما أهل الشام فبايعوا معاوية بن يزيد، ولم تطل مدته كما سيأتي.
ومن شعر يزيد:
آب هذا الهم فاكتنعا1 ... وأمر النوم فامتنعا
راعيًا للنجم أرقبه ... فإذا ما كوكب طلعا
حام حتى إنني لأرى ... أنه بالغور قد وقعا
ولها بالماطرون إذا ... أكل النمل الذي جمعا
نزهة حتى إذا بلغت ... نزلت من جلق بيعا
في قباب وسط دسكرة ... حولها الزيتون قد ينعا
وأخرج ابن عساكر عن عبد الله بن عمر قال: أبو بكر الصديق أصبتم اسمه، عمر الفاروق قرن من حديد أصبتم اسمه، ابن عفان ذو النورين قتل مظلومًا يؤتى كفلين من الرحمة، معاوية وابنه ملكا الأرض المقدسة، والسفاح، وسلام، والمنصور، وجابر، والمهدي، والأمين، وأمير الغضب، كلهم من بني كعب بن لؤي، كلهم صالح لا يوجد مثله.
قال الذهبي: له طرق عن ابن عمر، ولم يرفعه أحد.
وأخرجه الواقدي عن أبي جعفر الباقر قال: أول من كسا الكعبة الديباج يزيد بن معاوية.
مات في أيام يزيد من الأعلام سوى الذين قتلوا مع الحسين، وفي وقعة الحرة: أم سلمة أم المؤمنين وخالد بن عرفطة، وجرهد الأسلمي، وجابر بن عتيك، وبريدة بن الحصيب، ومسلمة بن مخلد، وعلقمة بن قيس النخعي الفقيه، ومسروق، والمسور بن مخرمة، وغيرهم رضي الله عنهم، وعدة المقتولين بالحرة من قريش والأنصار ثلاثمائة وستة رجال.
 


1- تولى الخلافة 60هـ وحتى 64هـ.

2- أخرجه الترمذي "3771/5"، وقال أبو عيسى: هذا حديث غريب.

3- أخرجه البيهقي في الدلائل "471/6".

4- أخرجه أبو يعلى "871/2".

5- أخرجه مسلم "1366/2".

  • 5
  • 2
  • 12,048
المقال السابق
معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه
المقال التالي
معاوية بن يزيد

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً