نداءات الرحمن لأهل الإيمان - (5) فريضة الصيام وآثاره على نفس الصائم
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}
الآية (183) من سورة البقرة
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
الشرح:
اعلم أيها القارئ أو السامع أنك بإيمانك منادى بهذا النداء الإلهي، وإنه لشرف لك وأي شرف فأصغ بأذنك تسمع، وأحضر جميع أحاسيسك وافهم، ووطن النفس على أن تعمل بما تعلم فإن في ذلك لحاقك بعظماء العباد، فقد روى مالك في الموطأ (أن من علم وعمل بما علم وعلمه غيره دعي في السماء عظيما) هذا النداء الموجه للمؤمنين والمؤمنات يحمل فرضية صيام رمضان، ولما كان في الصوم مشقة؛ لأن ترك المعتاد من الأكل والشرب شاق على النفس، لذا هونه الله تعالى على عباده المؤمنين بقوله: {كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} أي المؤمنين الأولين أتباع الرسل عليهم السلام. وهذا على حد قول العامة: " المصيبة إذا عمت خفت".
والصيام معناه: الإمساك عن الأكل والشرب والجماع، وذلك من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بنية الصيام، وقد بين تعالى شهر الصيام بقوله {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} وبينه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: " بنى الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت (1)، وصوم رمضان " ومن رحمة الله بعباده المؤمنين أن للمريض والمسافر أن يفطرا ويقضيا ما افطراه يوم الشفاء، والعودة إلى البلد كما أن الحائض والنفساء تفطران وتقضيان بعد الطهارة من الحيض ودم
النفاس؛ إذ قال تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} وأما المريض الذي لا يرجى برؤه، والشيخ الكبير الهرم فإنهما لا يصومان ويطعمان من كل يوم مدا من طعام للفقراء والمساكين.
واعلم أيها القارئ أن الصيام من أفضل العبادات، وأعظمها أجرا؛ فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم «أن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك» والخلوف رائحة الفم المتغيرة بطول الصيام، وقال صلى الله عليه وسلم: " من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" ورغب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صيام ستة أيام من شوال، وصيام التاسع والعاشر من شهر المحرم، ويوم التاسع من شهر ذي الحجة وهو يوم عرفة، فقال صلى الله عليه وسلم " صيام عاشوراء يكفر ذنوب سنة، وصيام يوم عرفة يكفر ذنوب سنتين الماضية والآتية " ورغب في صيام ثلاثة أيام من كل شهر وهى الأيام البيض الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر وقال صلى الله عليه وسلم: «إنها كصيام الدهر». كما كان صلى الله عليه وسلم يصوم الاثنين والخميس.
واعلم أيها القارئ الكريم أن من أكل أو شرب أو جامع وهو صائم فسد صومه وأن من اغتاب أو نم أو سب مؤمنا بطل أجره، فاحذر مفسدات الصوم، ومبطلات أجره.
واعلم أن للصوم فوائد روحية واجتماعية وصحية، ومن الفوائد الروحية أن الصيام يعود على الصبر ويقوى عليه، ويعلم ضبط النفس ويساعد عليه ويوجد في النفس ملكة التقوى.
ومن الفوائد الاجتماعية أنه (يربى) الأمة على النظام والاتحاد وحب العدل والمساواة ويكون في الصائم عاطفة الرحمة وخلق الإحسان، كما يصون المجتمع من الشرور والمفاسد.
ومن الفوائد الصحية أنه يطهر الأمعاء، ويصلح المعدة، وينظف البدن من الفضلات والرواسب، ويخفف من وطأة السمن، وثقل البطن بالشحم. وفى الحديث الحسن «صوموا تصحوا».
وأخيرا أيها القارئ لا تنس النية؛ فإنها شرط في صحة الصوم لقول الرسول صلى الله عليه وسلم:
"لا صيام(2) لمن لم يبيت الصيام بالليل" وقوله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» (3) واعلم أن صيام رمضان تكفى فيه النية من أول ليلة منه إلا أن يفطر لعلة مرض أو سفر، فإنه يعيد النية ليلة بدئه الصيام.
واعلم أن من أكل أو شرب ناسيا أنه لا كفارة عليه، وأما من أكل أو شرب أوجامع متعمدا فإن عليه الفضاء والكفارة وهى صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا، أو عتق رقبة إن وجدت وقدر على ذلك (4).
وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين
__________
1 متفق عليه
2 رواه الترمذى.
3 رواه البخاري.
4 من فقهاء الأمة من لا يرى الكفارة على من أكل أو شرب، ولكن على من جامع فقط.
- التصنيف:
- المصدر: