مظاهر نور الطاعة في الدنيا والآخرة (3-3)
من أعظم آثار نور الطاعة: النور التام يوم القيامة، فأهل هذا النور هم أهل المشي في الناس في العرصات
النور الحسي:
الأصل في نور الطاعة أنه معنوي، لكنه قد يكون لبعض الأشخاص حسياً، كرامة من الله عز وجل لهم، قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله وقوله: ﴿ نور ﴾ يُحتمل أن يكون نوراً حسياً، أو معنوياً."
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، خرجا من عند النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة، ومعهما مثل المصباحين، يضيئان بين أيديهما، فلما افترقا صار مع كل واحد منهما واحد، حتى أتى أهله.[أخرجه البخاري] وجاء في لفظ أنهما: أُسيدُ بن خضير، وعبَّادُ بن بشر، رضي الله عنهما، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وكرامات الصحابة والتابعين بعدهم، وسائر الصالحين كثيرة جداً، مثل: ما كان لعباد بن بشر وأسيد بن خضير، وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: في حديث الباب..إكرام الله تعالى هذين الصحابيين بهذا النور الظاهر، وادخر لهما يوم القيامة ما هو أعظم وأتمّ من ذلك إن شاء الله تعالى، وقال العلامة عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله: وهذا من كرامات الله لأوليائه، وقال الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله الراجحي: وهذا نور حصل لهما في الدنيا، وما أعده الله لهما في الآخرة أعظم.
النور بعد الموت:
ويظهر نور الطاعة بعد الموت، فيما يشاهد من نور لبعض الموتى، من الشهداء، ومن غيرهم من الصالحين، ممن ذكر مغسلي الموتى أنهم رأوا نوراً منهم، وهم يغسلونهم.
النور في القبر:
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: ونوراً أيضاً في القبر، فإن الإنسان إذا كان مؤمناً – جعلنا الله منهم – يفسح له في قبره مد بصره، ويأتيه من روح الجنة ونعيمها.
النور عند الموت:
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: روح المؤمن إذا بشرت بهذا، خرجت من البدن بسهولة، لأنها ستفارق المألوف لكن إلى ما هو خير منه، فيسهل عليها أن تخرج، بخلاف روح الكافر، والعياذ بالله، فإنها إذا بُشِّرت بالنار تفرقت في البدن، فتؤخذ منه بشدة، ولهذا يشاهدُ بعضُ الأموات حسِّياً استنارة وجهه...وحدثني شخص وهو ثقة لاسيما في هذا القول وقد حضر جنازة رجل مُحتضر أعرفه من عباد الله الصالحين ومن طلبة العلم يقول إنه في غرفة بالمستشفى فإذا بنور قد ملأ الغرفة ولا أستطيع أن أصفه لأنه شيء عظيم..فبدأ الموت بهذا الرجل سبحان الله هذا يدلُّ على أن الملائكة تنزلت بنور لهذا الميت وهذا شيء أنا أشهدُ به عليه وأنا أعرفُ حال المشهود له بأنه رجل حرِي بذلك."
النور في عرصات القيامة:
من أعظم آثار نور الطاعة: النور التام يوم القيامة، فأهل هذا النور هم أهل المشي في الناس في العرصات، قال العلامة ابن القيم رحمه الله: أهل النور هم أهل المشي بين الناس، ومن سواهم أهل الزمانة والانقطاع، فلا مشي لقلوبهم ولا لأحوالهم ولا لأقوالهم ولا لأقدامهم إلى الطاعات، وكذلك لا تمشي على الصراط إذا مشت بأهل الأنوار أقدامهم"
في عرصات القيامة أهوال وشدائد، من أكرمه الله جل جلاله بالنور نجا منها، قال الشيخ عبدالعزيز بن صالح آل الشيخ: النور الذي يعطيه الله عز وجل المؤمن، ويؤتاه المؤمن من الذكور والإناث، هذا النور نور حقيقي...نور مخلوق يعطاه المؤمن، ليبصر موضعه، وليكون دليلاً على موضع الصراط، لأن جهنم قبلها، وبينها وبين العرصات ظلمة عظيمة، هذه الظلمة لا يتجاوزها، ويبصر موضع الصراط الذي هو موضع الطريق إلى تجاوز دار الهوان، والعذاب، أعاذنا الله منها، إلا من أوتى نوراً."
قال الله عز وجل: ﴿ {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ }﴾[الحديد:12،13] قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: يقول الله تعالى مخبراً عن المؤمنين المتصدقين أنهم يوم القيامة يسعى نورهم بين أيديهم في عرصات القيامة بحسب أعمالهم كما قال عبدالله بن مسعود في قوله تعالى ﴿ يسعى نُورُهم بين أيديهم ﴾ قال: على قدر أعمالهم، يمرون على الصراط، منهم من نوره مثل الجبل، ومنهم من نوره مثل النخلة، ومنهم من نوره مثل الرجل القائم، وأدناهم نوراً من نوره في إبهامه يتقدم مرة ويطفأ مرة...وعن أبي أمامة قال: يبعث الله ظلمة يوم القيامة، فما من مؤمن ولا كافر يرى كفه، حتى يبعث الله بالنور إلى المؤمنين بقدر أعمالهم...وعن ابن عباس بينما الناس في ظلمة، إذ بعث الله نوراً، فلما رأى المؤمنون النور، توجهوا نحوه، وكان النور دليلاً من الله إلى الجنة"
وقال الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ: في هاتين الآيتين.بشارة عظيمة وتخويف كبير، أما البشارة فهي لأهل الإيمان بأن الله عز وجل يكرمهم أيما إكرام، وينزل السكينة والطمأنينة عليهم في العرصات، حيث يعطيهم الله عز وجل النور الذي يسعى بين أيديهم...وفيها: تحذير كبير، وتخويف، وإنذار للمنافقين، والمنافقات الذين ما دخل نور الله عز وجل إلى قلوبهم، بأنهم يسلبون النور الذي به البصر يوم القيامة، وبه الطمأنينة، وبه السكينة بما يستقبلون من الأمر، فيسلبون النور، ويُخدعون، بأن يُقال: ارجعوا ورائكم فالتمسوا نوراً، فيرجعون فلا يجدون نوراً."
وكلما عظم نور المؤمن في الدنيا كلما عظم نوره الذي في الآخرة، قال العلامة ابن القيم رحمه الله قال أُبي بن كعب رضي الله عنه: " المؤمن مدخله نور، ومخرجه نور، وقوله نور، وعمله نور" وهذا النور بحسب قوته وضعفه يظهر لصاحبه يوم القيامة، فيسعى بين يديه وبيمينه، فمن الناس من يكون نوره كالشمس، وآخر كالنجم، وآخر كالنخلة السحوق، وآخر دون ذلك حتى إن منهم من يُعطى نوراً على رأس إبهام قدمه، يضيء مرة، ويطفئ أخرى كما كان نور إيمانه ومتابعته في الدنيا كذلك فهو هذا بعينه يظهر هناك للحس والعيان"
وقال الشيخ صالح بن عبدالعزيز بن محمد آل الشيخ: من عظم نوره في الدنيا بتحصيله وكسبه، عظم نوره في الآخرة يوم تزل القدم، ويوم تفترق النفوس، والقلوب بين ناج، وبين مكردس، أسأل الله عز وجل أن يجنبنا الخذلان، وأن يمنّ علينا بالنجاة، وقال العلامة عبدالرحمن السعدي رحمه الله: إذا كان يوم القيامة، وكورت الشمس، وخسف القمر، وصار الناس في الظلمة، ونصب الصراط على متن جهنم، فحينئذ ترى المؤمنين والمؤمنات، يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم، فيمشون بإيمانهم ونورهم في ذلك الموقف الهائل الصعب، كل على قدر إيمانه، ويبشرون عند ذلك بأعظم بشارة، فيقال: ﴿ {بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} ﴾ فالله ما أحلى هذه البشارة بقلوبهم وألذها في نفوسهم، حيث حصل لهم كل مطلوب محبوب ونجوا من كل شر ومرهوب، وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: كلما قوي إيمان العبد وكلما قوي طلبه للحق فإن الله تعالى يهديه ويزداد نوره، وكلما ضعف إيمان العبد أو ضعف طلبه للحق، فإنه يضعف نوره...فكلما نقص الإيمان أو نقص طلب الحق فإنه ينقص هذا النور.
الظلمات التي يجدها من حُرِمَ نور الطاعة:
ظلمة القلب:
قال ابن عباس رضي الله عنه: إن للسيئة ظلمة في القلب، وقال العلامة ابن القيم رحمه الله: وللمعاصي من الآثار القبيحة المذمومة والمضرة بالقلب والبدن في الدنيا والآخرة ما لا يعلمه إلا الله، فمنها...ظلمة يجدها في قلبه حقيقة يحسُّ بها كما يحسُّ بظلمة الليل البهيم إذا ادلهم، فتصير ظلمةُ المعصية لقلبه كالظلمة الحسية لبصره فإن الطاعة نور والمعصية ظلمة وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: الفجور من أسباب ظلمة القلب، ولذلك فإن الزنا سواء كان بالعين أو بالرجل أو باليد أو باللسان أو بالفرج تأثيره على القلب وعلى نور القلب أعظم من غيره"
ظلمة في الوجه:
قال ابن عباس رضي الله عنه: إن للسيئة سواداً في الوجه، قال الله عز وجل: ﴿ {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } ﴾ [آل عمران:106] قال العلامة السعدي رحمه الله: يخبر تعالى بتفاوت الخلق يوم القيامة في السعادة والشقاوة، وأنه تبيض وجوه أهل السعادة، الذين آمنوا بالله، وصدقوا رسوله، وامتثلوا أمره، واجتنبوا نهيه...وتسود وجوه أهل الشقاوة، الذين كذبوا رسله، وعصوا أمره، وفرقوا دينهم شيعاً، وقال العلامة ابن القيم رحمه الله عن آثار المعاصي القبيحة: ظلمة يجدها في قلبه حقيقة...وتقوى هذه الظلمة حتى تظهر في العين، ثم تقوى حتى تعلو الوجه وتصير سواداً فيه يراه كل أحد"
ظلمة في القبر:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( «إن هذه القبور مملوة ظلمة على أهلها» )[أخرجه مسلم] قال ابن علان رحمه الله لعدم المنافذ التي يدخل منها الضوء إليها فلا ينيرها إلا الأعمال الصالحة.
من حجب الله النور عنه، فبسبب إعراض العبد وعدم رغبته في الخير، وعدم قيامه بالأعمال التي تكون سبباً في حصوله على هذا النور، قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: اعلم..أن حجب الله النور عن العبد ليس منعاً لفضله تبارك وتعالى فإنه سبحانه وتعالى ذو الفضل العظيم، والعطاء أحبُّ إليه من المنع، والهداية أحبُّ إليه من الإضلال، لكن المرء نفسه هو الذي منع نفسه هذا النور، واقرأ قول الله تعالى: ﴿ { فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} ﴾ [الصف:5] واقرأ قول الله تعالى: ﴿ {فَإِنْ تَوَلَّوْا} ﴾ يعني عن الحق وأعرضوا عنه: ﴿ {فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ} ﴾ [المائدة:49] يتبين لك إن إضلال الله للعبد وحجب النور عنه بسبب نفسه فهو الذي لم يهتدِ...فينبغي بل يجب على المرء أن يلجا إلى الله دائماً بأنه يسأله أن ينور قلبه.
اللهم نسألك النور التام يوم القيامة.
كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ
- التصنيف: