التحالف النصراني - المغولي ودوره في سقوط بغداد
من أهداف النصارى السيطرةُ على الأراضي المقدسة، فعندما علموا بأن هناك شعباً وثنياً متوحشاً قادماً من أواسط آسيا قد ألحق الهزيمة بالدول والكيانات الإسلامية، لذا فلا مناص من التعاون والتحالف معهم، بقصد الإطباق على الإسلام، واستعادة الأراضي المقدسة بما فيها القدس
مقدمة:
كان من أهداف الحملات الصليبية السيطرةُ على الأراضي المقدسة في بلاد الشام مهد المسيح (عليه السلام)؛ ولكن قيام كبار زعماء المسلمين أمثال: (عماد الدين زنكي، ونور الدين محمود، وصلاح الدين الأيوبي) باستردادهم لغالبية المدن والقلاع التي سبق للصليبين أن استولوا عليها كبيت المقدس والرُّها وغيرهما، وعدم استطاعة الحملات الصليبية القادمة من أوربا تحقيق مآربها، جعل الصليبيون يفكرون في بدائل أخرى.
فعندما علموا بأن هناك شعباً وثنياً متوحشاً قادماً من أواسط آسيا قد ألحق الهزيمة بالدول والكيانات الإسلامية الواقعة إلى الشرق من الأراضي المقدسة (بلاد الشام)، وتحديداً الدولة الخوارزمية؛ لذا فلا مناص من التعاون والتحالف معهم، بقصد الإطباق على الإسلام من الشرق والغرب وإنهاء دوره، واستعادة الأراضي المقدسة بما فيها القدس «أورشليم».
المغول:
وهم شعب يشبه الترك إلى حد ما في اللغة والسحنة، يقيمون منذ زمن موغل في القدم، ويعيشون عيشة بدوية وسط إقليم مجدب موحش لا يُلقي أحد من جيرانهم إليهم بالاً؛ بل ظل اسمهم غير معروف قروناً طويلة، بعكس ذوي قرابتهم من الأتراك الذين كانوا يتحكمون في مصير آسيا الغربية[1].
أما معنى اسم المغول فما زال موضع خلاف، على الرغم من قول بعضهم إن اللفظة مشتقة من كلمة (mong) الصينية بمعنى باسل شجاع، وإن كان أحد المؤرخين المحدثين يرى أن المغول تحريف لكلمة (ماتحول) وهي إحدى قبائل المغول وكان زعيمها يسمى (يسوجاي) وكان سليل عائلة نبيلة وهو والد تيموجين – تيمورجيه (جنكيزخان)[2].
النصرانية والمغول الوثنيون:
عندما بدأت البعثات النصرانية بالتغلغل داخل نسيج القبائل المغولية الوثنية، الذين كانت ديانتهم هي الشامانية القائمة أصلاً على السحر والشعوذة، فإنهم تمكنوا من تنصير بعض قيادات المغول وتحديداً نسائهم، والواقع أن هذا العطف الشديد على رعايا الإمبراطورية المغولية من النصارى من قبل (توراكينا خاتون) الأم، وكيوك الابن والقاآن (الخان الأعظم للمغول وسليل جنكيز خان)، كان له آثار سريعة في الغرب الأوربي، ممَّا أغرى البابا (إينوسنت الرابع) الذي كان قد خلف (جريجوري التاسع)، وبدأ بتبني سياسة تقوم على تحول المغول إلى النصرانية كوسيلة لإيقاف هجماتهم المدمرة على أوروبا؛ لأن الدين سيمنعهم من ذلك، وفي الوقت نفسه إمكانية استمالة خان المغول كيوك، إلى جانب الغرب الأوربي النصراني، وعقد تحالف نصراني – مغولي مشترك في مواجهة المسلمين في الشرق الإسلامي [3].
وقد استقبل كيوك قاآن مبعوث البابا بما يليق به من الاحترام، غير أنه حينما تبين له أن البابا يدعوه إلى اعتناق النصرانية، لم يسعه إلا أن يردَّ عليه، طالباً منه أن يعترف بسيادته، وأن يقدم عليه مع سائر ملوك الغرب، لبذل يمين الولاء له. فلما عاد يوحنا بيان كاربيني إلى المقر البابوي في نهاية سنة 1247م/ 645هـ. قدم للبابا رسالة خان المغول، ورفع إليه تقريراً مسهباً أشار فيه إلى أن المغول لا يخرجون إلا للفتح أو الغزو، غير أن إينوسنت لم يشأ أن تتحطم أوهامه [4].
فوجه سفارة أخرى برئاسة راهب دومنيكاني اسمه إسكلين Ascelin، فاجتاز بلاد الشام، ومضى إلى تبريز حيث التقى بالقائد المغولي بايجو في حزيران (يونيو) سنة 1247م/645هـ. على أن بايجو أبدى الاستعداد لعقد تحالف ضد الأيوبيين. إذ أعدَّ خطة لمهاجمة بغداد. ولذا كان من مصلحته أن يُشغل المسلمين بالشام عن طريق إرسال حملة صليبية لقتالهم، فأرسل مع المبعوث البابوي إسكلين الدومنيكاني في عودته إلى روما مبعوثين وهما: إيبك وسركيس، ومن المحقق أن سركيس كان نصرانياً نسطورياً، وعلى الرغم من أنهما لم يحملا شيئاً من سلطات التفويض، فإن آمال الغرب انتعشت مرة أخرى، إذ أقاما في روما نحو سنة، ثم عادا في تشرين الأول (أكتوبر) سنة 1248م/ 646هـ، يحملان رسالة من البابا يعلن فيها أسفه لما جرى من تعطيل التحالف المغولي - النصراني[5].
وبينما كان الملك الفرنسي لويس التاسع في جزيرة قبرص، في طريقه الى حملته الصليبية الخامسة على مصر، قدم إلى نيقوسيا في كانون الأول (ديسمبر) 1248م/646-647هـ (مرقص وداود) وهما نصرانيان نسطوريان أيضاً، وأنهما جاءا من قبل الجيغداي نائب الخان على إقليم فارس، وقدما إليه رسالة تنطوي على ما يكنُّه المغول من عطف وميل للنصرانية، وإذ فرح الملك لويس بهذه الرسالة، بادر بإرسال سفارة من الرهبان الدومنيكان برئاسة أندريا لونجيمو longjumean وأخيه وكليهما يجيد التحدث باللغة العربية. والواقع أن أندريا كان ينوب عن البابا فيما دار حديثاً من مفاوضات مع النصارى من أتباع مذهب الطبيعة الواحدة (السريان – المونوفيزيين). وقد حمل المرسلون الرهبان معهم كنيسة صغيرة متنقلة، على أنها هدية تليق بالخان عند اعتناقه النصرانية، وبعض المقدسات الدينية اللازمة لهيكل ونظام الكنيسة، فضلاً عن بعض الهدايا والتحف. فغادرت السفارة جزيرة قبرص في كانون الأول (ديسمبر) 1249م/648هـ ومضت إلى حيث مقر الجيغداي، فوجهها إلى منغوليا، وحينما وصلت السفارة إلى قراقورم العاصمة المغولية، تبين لها أن (كيوك) القاآن قد مات، وأن أرملته (أوقول قايمش ogul gaimis) تولت الوصاية على العرش، فاستقبلت السفارة بالترحاب الشديد، وعبَّرت عن تعاطفها الشديد تجاه النصرانية والنصارى، غير أنها عدَّت ما أرسله الملك الفرنسي لويس التاسع من الهدايا- كجزية- يؤديها التابع للخان، وأن الملك لويس يجب أن يضع نفسه تحت حماية سلطان الإمبراطورية المغولية، وأظهرت رغبتها الشديدة في عقد هذا التحالف المغولي – النصراني ضد المسلمين بالشرق، خاصة وأنه عرف عنها مدى كراهيتها للإسلام والمسلمين. على أن ما وقع من مشاكل بين أفراد الأسرة المغولية الحاكمة (والتي كانت هي السبب الرئيس وراءها) يمنعها إذا صحت نيتها أن ترسل حملة مغولية ضخمة إلى الغرب للاشتراك معاً في محاربة مسلمي الشرق[6].
ولما عاد أندريا مبعوث الملك لويس من منغوليا، التي مكث فيها نحو ثلاث سنوات لم يحمل معه سوى رسالة أعربت فيها الوصية على العرش عن شكرها لتابعها لويس التاسع على ما أبداه من اهتمام نحوها، وطلبت منه أن يواظب على إرسال الهدايا كل سنة. وعلى الرغم من ارتياع لويس التاسع لإخفاقه في هذه المحاولة إلا أنه لم ييئس مطلقاً، وكان يأمل أنه سوف يحل الوقت الذي يتم فيه عقد تحالف مع المغول[7].
وكان ملك أرمينيا الصغرى (كيليكيا) هيثوم الأول قد بعث أخاه كوني تابل سطبل سمباد الأرمني إلى كيوك قاآن واستغرقت رحلته لمدة ثلاث سنوات ما بين 1247-1250م/ 645-648هـ، وقد فاق مبعوث البابا إينوسنت الرابع (كاربيني) في إدراك ما يعود للنصرانية من مزايا إذا تمَّ التحالف مع المغول. وقد استقبله كيوك في حفاوة بالغة، ومنحه براءة تكفل للملك هيثوم الأول الحماية والمحبة. وفي الرسالة التي بعثها سمباد في شباط (فبراير) سنة 1248م من سمرقند إلى صهره - هنري الأول ملك قبرص – ما يشير إلى أهمية النساطرة في بلاط المغول وإمبراطوريتهم، إذ عاشوا في حماية الخان، وحظوا منه بالتشريف، وجعل لهم الامتيازات، وأعلن حمايته لهم من كل من يحاول إلحاق الأذى بهم[8].
تحالف الأرمن مع المغول:
عندما لمس النصارى في غرب آسيا سياسة التسامح التي درج عليها المغول إزاء النصارى بصفة خاصة. حاولوا التقرب إليهم ومحاولة اجتذابهم إلى صفوفهم حتى يستطيعوا بمعاونتهم أن يستردوا بيت المقدس خاصة، وبلاد الشام عامة من المسلمين. وكانت مملكة الأرمن الصغرى (كيليكيا) من أكثر الإمارات المطلة على البحر الأبيض المتوسط إدراكاً لأهمية الزحف المغولي. فمن المعلوم أن الأرمن شهدوا في اهتمام بالغ ما أصاب الجيش السلجوقي من هزيمة ساحقة عام 1243م/ 641هـ، أمام الحملة المغولية التي قادها أحد ولاة الأقاليم، فصار بوسعهم تقدير ما يشكله جيش الخان الكبير من قوة لا سبيل إلى مقاومتها. ولهذا سعى الملك هيثوم الأول إلى خطب ودِّ المغول والتقرب إليهم بغية قيام تحالف معهم. فأرسل إلى القائد المغولي (بايجو) كتاباً يظفر بالولاء والاحترام[9].
ويُعدُّ هيثوم أول ملك يقدم من تلقاء نفسه بزيارة قراقورم، (إذ إن الزائرين الآخرين كانوا إما أتباعاً للخان وإمَّا ممثلين للملوك)، فأقيم له حفل استقبال رسمي في 13 إيلول (سبتمبر) سنة 1254م/ 652هـ، ولقيَ حفاوة بالغة من الخان. وما بذله الخان السابق (كيوك) من ضمانات، تجددت واتسع نطاقها. وقد وعده الخان منكو بأن تعفى الكنائس والأديرة الأرمنية من الضرائب، وجرت معاملته على أنه كبير مستشاري الخان للنصارى في كلِّ ما يتعلق بأمور غرب آسيا[10].
وكانت جهود هيثوم خلال المدة التي قضاها في قراقورم منصبَّة على إقناع الخان بالقيام بحملة مشتركة ضد المسلمين، ومحاولة استعادة بيت المقدس من أيديهم، ويذكر أحد الباحثين أن هيثوم ألَّح في طلبه حتى وافق الخان في النهاية على مساعدة النصارى وتكليف أخيه (هولاكو خان) بالاستيلاء على بغداد وتدمير سلطة الخلافة العباسية[11].
لكن المستقرَّ عند جمهور المؤرخين هو أن اجتياح المغول لبغداد إنما كان بإغراء كلٍّ من الوزير ابن العلقمي ونصير الطوسي الرافضيَينِ الباطنيَينِ.
وفي الأول من تشرين الأول (أكتوبر) سنة 1254م/ 652هـ، عاد هيثوم إلى بلاده محمَّلاً بالهدايا ومبتهجاً بما تكللت جهوده ومساعيه من نجاح، وارتحل عائداً إلى بلاده، وقد سلك طريق تركستان وفارس حيث بذل لهولاكو مظاهر الاحترام، ثم عاد إلى أرمينيا في شهر تموز (يوليو) سنة 1255م/ 653هـ[12].
وما حاوله الملك هيثوم من إقامة حلف نصراني لمساعدة المغول، لقيَ القبول عند نصارى المشرق (الوطنيين) وبعض الفرنجة، فأعلن بوهيمند السادس كونت أنطاكيا وصهر هيثوم موافقته؛ غير أن الفرنجة بسائر جهات آسيا نفروا منه. على أن هيثوم ظل مخلصاً لما جرى التفاهم عليه مع المغول. فتردد كثيراً على بلاط الإيلخانات، وبذل المساعدة العسكرية كلما دعت الحاجة المغولية إليها. وحارب الجيش الأرمني جنباً إلى جنب مع الجيش المغولي في آسيا الصغرى والشام. وما أحرزه المغول من انتصارات لم يهيَّأ لهيثوم أن يسترد فحسب ما انتزعه السلاجقة في منطقة قونيا من حصون وقلاع؛ بل يستعيد أيضاً ممتلكات كانت تابعة لكواسيل، فضلاً عمَّا حصل عليه فيما بعد من بلاد، بعد إغارة المغول على بلاد الشام[13].
هولاكو خان ودوره في تعزيز التحالف المغولي – النصراني:
إن وجود زوجة هولاكو خان بجواره في الحكم كان يمثل نكبة بل كارثة وقعت على رؤوس المسلمين، ليس فقط داخل الإمبراطورية المغولية، بل أيضاً في بلاد فارس والعراق وبلاد الشام. وكان وجودها يمثل العصر الذهبي الثاني للنصارى داخل الإمبراطورية المغولية بفارس، وخارجها. وكانت هي المحرض الرئيس لحملات هولاكو على العراق والتي أدت إلى إسقاط بغداد وتدمير الخلافة العباسية، ثم حملاته على بلاد الشام ومحاولته أيضاً غزو مصر، فيما يعرف بالحرب الصليبية المغولية ضد المسلمين في الشرق الأدنى على النحو الذي سنوضِّحه بعد قليل، وبحيث يمكن أن نطلق عليها بحق اسم المرأة الرهيبة، وتلك المرأة هي دوقوز خاتون، زوجة هولاكو خان.
دور النصارى في سقوط بغداد:
وعلى أية حال فبعد دخول هولاكو وجيشه إلى بغداد استباحوها لمدة أربعين يوماً (كان كل يوم منها عبوساً قمطريراً وشره مستطيراً) على حد تعبير المؤرخ الفارسي (وصاف)، وقتلوا أكثر من ثمانمئة ألف شخص كما يقول المؤرخ الانكليزي هورث (Howorth)، والفارسي وصاف، ولم ينجُ من مذابحهم حتى الطفل الرضيع ووجد النصارى الشرقيون في هذه الايام الرهيبة فرصة طيبة للتشفي من المسلمين.
وكان النصارى من طوائف: النساطرة والأرمن والجورجيين في جيش هولاكو، وكان لا يقلون عنفاً عن المغول أنفسهم. ولم يسلم من بغداد غير الأرقاء والنصارى الذين لجؤوا إلى كنيسة سوق الثلاثاء تبعاً لتعليمات الجاثليق النسطوري (البطريرك مـكـيخا).
كما أن الخليفة المستعصم بالله نال مصرعه مع كل أفراد أسرته وحاشيته. وعلى الرغم من أن رشيد الدين فض الله الهمذاني تغنَّى دائماً بأمجاد أسرة جنكيزخان، ويعدُّ المؤرخ الرسمي لهولاكو وأبنائه فإنه لم يسعه إلا أن يردد بأن الخليفة المستعصم وحاشيته ماتوا شهداء في سبيل الدين الإسلامي. على أن الاستيلاء على بغداد، وزوال الخلافة، ممَّا شجعت حاشية هولاكو من النساطرة، ابتداءً من زوجته دوقوزخاتون وقائده (كتبغا نويان)، تراءى كأنه من أعمال حملة صليبية نسطورية، ومن الدليل على ذلك ما كان من اختيار جاثليق النساطرة (مكيخا) ليكون رسولاً من قبل خليفة هولاكو.
مهما يكن من أمر، فإن المؤرخ النسطوري (صليبا)، بعد أنْ يذكر، أنَّ هولاكو فتح بغداد في عهد البطريرك مكيخا الثاني، يقول: «وأنعم هولاكو خان على هذا الأب (مكيخا) وأعطاه دار الخليفة المعروفة بدار الدويدار التي على الدجلة حتى يسكنها، وعمر فيها البيعة الجديدة (ورزق جاهاً عظيماً)، واستناح (مات) يوم السبت الذي بعد الأحد الجديد، وهو ثامن عشر نيسان (إبريل) سنة 1576 يونانية (1265م /664هـ... ودفن في البيعة الجديدة التي بناها (بدار الخليفة)...».
وعندما مات هولاكو في ربيع سنة 1265م /664هـ، ولحقت به زوجته دوقوزخاتون في صيف نفس العام «وقد شمل المسيحيون في كلِّ العالم حزناً شديداً على وفاة هذين النبراسين العظيمين المعززين للدين المسيحي».
موقف النصارى من سقوط بغداد:
ظهر المغول العتاة الوثنيون أنهم الثائرون لنصرة النصرانية، وقد أرسلهم الله من صحارى جوبى لتحطيم الإسلام. فمن الذي يقول: إن أولئك المبشرين النساطرة الفقراء، الذين ارتحلوا في القرن السابع الميلادي من سلوقية على نهر دجلة، أو من بيت (لاباط) للدعوة إلى الإنجيل في بلاد ساذجة في تركستان الشرقية ومنغوليا، سوف يجنون في يوم من الأيام محصولهم، فالواقع أنه حدث منذئذ أنَّ الإيغور في كوتشا وطورفان، والنمايمان بجبال التاي، والكرايت بشرقي جوبي، والإنجوت، في الجنوب الشرقي من منغوليا، إلى سور الصين الكبير الذي يقع على حدود بلاد الصين، استجابوا إلى جانب ديانتهم الأصلية، الشامانية إلى تعاليم البوذية والنصرانية النسطورية، وأضحى من بين المحاربين الذين صحبوا هولاكو، الألوف من النصارى، الذين يعدُّون من تلاميذ جاثليق كلديا (العراق)، فربطوا بتأثير من عقيدتهم، صليب النصرانية النسطورية المنصوب على مقابر بشبك إلى لواء مغول جنكيزخان.
وكان من أشمت الناس ببغداد عاصمة الخلافة، رجل أرمني يدعى كيراكوس الجنزوي الذي كتب في هلاكها يقول: «كانت بغداد مدة حيازتها عصا الملك أشبه شيء بعلقة تمصُّ الدماء: ابتلعت العالم كلَّه ثم قاءت عندئذ كل ما بلعت.... ولما طفح كيل مظالمها قدام الرب عوقبت على ما أراقت من دماء وما عملت من شرور... وقد دامت سيادة الطاجيك العدائية القاسية 647سنة».
ولا سبيل إلى أن ننكر أيضاً مشاطرة النصارى، في معظمهم، رأي إسطفان أوربليان الذي عدَّ هولاكو ودوقوزخاتون بمنزلة «قسطنطين وهيلانة جديدين» و «أداتين من أدوات الأنتقام الإلهي من أعداء المسيح». ومن هذا القبيل أيضاً أنه لما أراد أحد المصورين من السريان اليعاقبة (أصحاب الطبيعة الواحدة – المونوفيزيين) في آيار1260م / 660هـ، أن يعبر بالصورة عن انتصار الصليب (في المخطوطة السريانية رقم 559 من مكتبة الفاتيكان)، استعاد تصور البيزنطيين للملك (قسطنطين وزوجته هيلانة) الممسكين بالصليب، ولكنه أضفى على هذين ملامح (هولاكو و دوقوزخاتون). ونجد خلاصة ذلك كله في شهادة أخيرة اقتبسها الرحالة الإيطالي (ماركو بولو) من النصارى المحليين (الوطنيين)، إذ كتب يقول: «وأظنُّ أن ربنا أراد الثأر لنصاراه الذين كان الخلفاء العباسيون يكرهونهم أشد الكره...»
[1] أرمنييوس فامبري: تاريخ بخارى، ترجمة أحمد محمود الساداتي، مراجعة وتقديم يحيى الخشاب، الهيئة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر – القاهرة 1965م، ص161.
[2] السيد الباز العريني: المغول، دار النهضة العربية، بيروت 1967م، ص39.
[3] يلاحظ أن البابا إينوسنت الرابع كان يختلف عن سلفه كريكوري التاسع ومن سبقه من الباباوات، بإدراكه حقيقة الخطر المغولي، ولهذا فإن محاولة التحالف مع المغول كانت بالغة الأهمية للأزمنة التالية بما اجتمع لديه من الدراية بأحوال المغول. ينظر:(نوار: المرجع السابق،ص77هامش (1).
[4] الباز العريني: المغول، ص189-190.
[5] المرجع نفسه، ص190.
[6] المرجع نفسه، ص191؛ عند وصول الملك لويس التاسع الى جزيرة قبرص عام 646هـ/1248م ارسل ملكها رسالة من سمباط أخو هيثوم ملك أرمينيا الصغرى يشير إلى ما أحرزته النصرانية من نجاح كبير بين المغول في عهد الخان كيوك، وإلى أن الخان الأعظم نفسه قد اعتنقها قبل قليل من هذا التاريخ، وإن كاتب الرسالة زار بنفسه بيعة النصارى في سمرقند.
[7] المرجع نفسه، ص191.
[8] ابن العبري، غريغوريوس أبو الفرج بن أهرون: تاريخ مختصر الدول، وقف على تصحيحه وفهرسته أنطون صالخاني اليسوعي، دار الراية اللبناني- بيروت، 1403هـ - 1983م، ص448، وقد سمي الملك الأرمني بـ (التكفور) في هذا المصدر، في حين انه يسميه بـ (هيثوم) في مصنفه الذي الفه باللغة السريانية وترجم الى العربية تحت عنوان (تاريخ الزمان).
[9](2) الصياد: المرجع السابق ص214.
[10] العريني: المرجع السابق ص199.
[11] العريني: المغول ص199 ؛ الصياد: المغول في التاريخ ص215.
[12] العريني: المغول ص199 ؛ الصياد: المغول في التاريخ ص215.
[13] العريني: المغول ص200، وتجدر الاشارة إلى أن الملك الأرمني هيثوم قد أقام تحالفات مع كثير من زعماء الفرنجة الصليبيين، عن طريق إجراء مصاهرات، إذ تزوجت أخته ستسفاني من هنري الأول ملك قبرص، وتزوجت أخته مارية من يوحنا إبلين كونت يافا، كما إن بناته تزوجن من امراء من الفرنجة اللاتين، فتزوجت سبيل من بوهيمند السادس امير أنطاكيا، بينما كانت إيفيميا من نصيب جوليان كونت صيدا، وتزوجت ماريا من جاي إبلين ابن بلدوين سنجيل قبرص، أمَّا ابنته ريتا فتزوجها أرمني كان يتولى أمر حصن سارونتيكار. ينظر (العريني: المرجع السابق ص198 هامش 1).
المصدر: مجلة البيان
- التصنيف:
- المصدر: