الإيمان أمن وأمان
قال النبي عليه الصلاة والسلام: «والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم»[رواه أحمد والترمذي]
بسم الله، والحمد لله؛ أما بعد:
ففي هذه الرسالة نبين أن الإيمان بالله تعالى هو الأمان للعبد في الدنيا والآخرة؛ أمن في الظاهر، وأمان في الباطن.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "فإن الإيمان مأخوذ من الأمن، الذي هو الطمأنينة"؛ [الإيمان (ص: ٧٨)].
أولًا: من أسمائه تعالى المؤمن:
من المعاني المتعلقة بهذا الاسم لله تعالى: "الأمن والأمان"، فهو العدل الذي يأمنه عباده، فهو لا يظلم أحدًا، فدينه أمان وشرعه أمان، أمان في القلوب، وأمان في الجوارح، وأمان في الظاهر، وأمن في الباطن، وأمن وأمان في الدنيا والآخرة.
قال الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما: "المؤمن: أي: أمن خلقه من أن يظلمهم"؛ [تفسير الطبري (٢٨/ ٣٦)].
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: "والخائف إذا صدق في اللجوء إليه سبحانه، وجده مؤمنًا من الخوف"؛ [مدارج السالكين (٣٢٤/٣)].
ثانيًا: رسول الإيمان والأمان محمد صلى الله عليه وسلم:
وذلك أن سنة النبي صلى الله عليه وسلم في قوله وفعله هي في دلالة الناس على كل ما يؤمنهم في الدنيا والآخرة؛ من الدعوة إلى التوحيد، والنهي عن الشرك، إلى أقل المأمورات والمنهيات؛ قال النبي عليه الصلاة والسلام: «والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم» [رواه أحمد والترمذي]، وفي أهمية ذلك يقول النبي عليه الصلاة والسلام: «من أصبح منكم آمنًا في سربه، معافًى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا» [رواه البخاري في الأدب المفرد، والترمذي]، وفي هذا الأمن في المسكن والجسد والرزق.
وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن كل عمل يدعو إلى خوف المؤمنين؛ قال عليه الصلاة والسلام: «لا يحل لمسلم أن يروع مسلمًا» [رواه الإمام أحمد، وأبو داود]، وقال: «لا يشير أحدكم إلى أخيه بالسلاح؛ فإنه لا يدري أحدكم لعل الشيطان ينزع في يده، فيقع في حفرة من النار» ؛ [متفق عليه].
ونهى عن أن يخفي الإنسان مالًا لأخيه، ولو لم يكن بقصد الاستيلاء عليه، ولكن أراد بذلك أن يفزعه عليه؛ فقال: «لا يأخذن أحدكم متاع أخيه لاعبًا ولا جادًّا» ؛ [رواه الإمام أحمد، وأبو داود]، وفي هذا وغير ذلك مما جاء في السنة في النهي عن أدنى ما يخوف.
ثالثًا: الأمن والأمان في الدنيا:
١- أمن وأمان الناس من عدوهم: ومن ذلك أمره تعالى في الإعداد لحماية المجتمع من العدو؛ قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ } [الأنفال: 60]، ومن ذلك أنه تعالى أمر بأخذ الحذر والاستعداد؛ قال تعالى: ﴿ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ } ﴾ [النساء: 71]، وقال: ﴿ { وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً} ﴾ [النساء: 102]، وغير ذلك من الأوامر التي تكون في أمن المجتمع.
٢- الأمن والأمان على الأنفس: لذلك شرع القصاص؛ قال تعالى: ﴿ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ﴾ [البقرة: 178]، وقال: ﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} ﴾ [البقرة: 179].
٣- الأمن والأمان على العقل: لذلك شرع الحد على شارب الخمر؛ قال تعالى: ﴿ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } ﴾ [المائدة: 90]، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: ((كل مسكر حرام))؛ [متفق عليه].
٤- الأمن والأمان على الأنساب: لذلك شرع حد الزاني ورجم المحصن؛ قال تعالى: ﴿ {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ } ﴾ [النور: 2].
٥- الأمن والأمان على الأعراض: لذلك شرع جلد القاذف؛ قال تعالى: ﴿ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} ﴾ [النور: 4].
٦- الأمن والأمان على الأموال: وشرع لحفظ أموال الناس قطع يد السارق؛ قال تعالى: ﴿ {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } ﴾ [المائدة: 38].
٧- الأمن والأمان على القيم والأخلاق بعكس الكفر والإلحاد: لأن من لوازم الكفر والإلحاد وآثاره التخلي عن كل فضيلة، وركوب كل رذيلة، فإنه من جحد الخالق أو أمره ونهيه، فإنه لا يمكن أن يثبت أي قيم يمكن الرجوع إليها، وهنا الفوضى الأخلاقية والحياة البهيمية، وهذا حال من كذب وجحد الحق ولا بد؛ قال تعالى: ﴿ {بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ ﴾ [ق: 5]، وقال: ﴿ أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ } ﴾ [الأعراف: 179].
ومن لوازم الجحود وآثاره ظنه أنه لا حسيب، ولا رقيب، ولا حساب، ولا بعث؛ فيفعل ما يشاء؛ فلا خوف من عقاب، ولا رجاء لثواب.
٨- أمن وأمان غير المسلمين: وهم أصناف؛ فمن الكفار من لا حرمة له، وهم الحربيون؛ لأن حربهم هو أمان للناس في دينهم ودنياهم، وأما من عداهم من الكفار؛ كالذمي والمعاهد، والمستأمن، فعرضه مصون، ودمه معصوم، وماله مضمون؛ قال النبي عليه الصلاة والسلام: (( «مَن قتل مُعاهدًا، لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عامًا» ))؛ [رواه البخاري].
رابعًا: الأمن والأمان في الآخرة:
الدار الآخرة هي دار الأمان الحقيقي والاستقرار الحقيقي؛ قال تعالى: ﴿ { إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ } ﴾ [غافر: 39]، والسعي في أن يأمن العبد فيها أولى من السعي في الأمان في الدنيا؛ قال سبحانه: ﴿ {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} ﴾ [الأعلى: 16، 17].
وهذا من خصائص الدين خلافًا للدعوات الأرضية والإلحادية، فإن الدين يدعو إلى الأمن والأمان في الآخرة التي هي أولى من الدنيا، فإن أعظم الأمان هو الأمن والأمان السرمدي الدائم في الدخول في الجنة والنجاة من النار؛ قال تعالى: ﴿ {وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ } ﴾ [إبراهيم: 23]، وقال تعالى: ﴿ {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا} ﴾ [النساء: 56].
الخاتمة:
وفي الختام: وإن كان هناك من حقق نوعًا من الأمن والأمان، ولكن لا سبيل لتمام الأمن والأمان إلا في الإيمان بالله تعالى، واتباع أمره ونهيه، فيحصل بذلك أمن في دنيا الإنسان، وأمن يوم أن يلقى العبد الرحمن، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وكتبها : يزن الغانم أبو قتيبة.
- التصنيف: