في حفظ الله يا شهر الصيام..
كنا بالأمس القريب يهنئ بعضنا بعضا بقدوم شهر رمضان المبارك جاءنا فأحبنا وأحببناه وألفنا وألفناه غمرنا بفضله وإحسانه وبره وامتنانه..
أما بعد فيقول رب العالمين سبحانه:
( {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} )
وعند البيهقى من حديث أنس رضى الله عنه قال ارتقى رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فقال آمين ثم ارتقى ثانية فقال آمين ثم ارتقى ثالثة فقال آمين ثم استوى فقال آمين فقال أصحابه يا رسول الله على ما أمنت؟؟ فقال صلى الله عليه وسلم أتانى جبريل فقال يا محمد رغم أنف امرئ ذكرت عنده فلم يصل عليك فقلت آمين ثم قال رغم أنف امرئ أدرك والديه أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة فقلت آمين ثم قال رغم أنف امرئ أدرك شهر رمضان فلم يغفر له فقلت آمين )
أيها الإخوة المؤمنون أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم
كنا بالأمس القريب يهنئ بعضنا بعضا بقدوم شهر رمضان المبارك جاءنا فأحبنا وأحببناه وألفنا وألفناه غمرنا بفضله وإحسانه وبره وامتنانه..
وصف رمضان بأنه شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار وهو كذلك..
كنا نمنى أنفسنا بصيام نهاره الذى فرضه الله وبقيام ليله الذي سنه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم..
ولكن دوام الحال من المحال فها نحن الآن على مشارف وداع رمضان فهذا اليوم هو آخر يوم في رمضان..
نسأل الله تعالى أن يعيده علينا أعواما عديدة وسنوات مديدة..
مضت أيام رمضان ومرت لياليه كلمح البصر أو أقرب حتى أصبحنا عند أخر ساعاته كاد الشهر الكريم أن يسدل عليه الستار كاد الشهر الكريم أن يلملم أوراقه كاد الشهر الكريم أن يلفظ أنفاسه الأخيرة فيذهب الى ربه شأنه شأن الخلائق كلها..
فكل ما له بداية ستكون له نهاية وكل ما له أول لابد وأن يكون له آخر قال ربنا سبحانه:
( {وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} )
وفى سورة الرحمن ( {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} )
جعل الله تعالى من مرور الأيام ومن كر الأعوام عظة وعبرة لمن يعتبر..
فمهما عمرت فى الدنيا ومهما جمعت وحصلت سيأتى عليك يوم تفارق فيه كل ما جمعت وحصلت من غير أن ينفعك مال ولا ولد سيأتى علىّ وعليك يوم نسمع فيه ذلك النداء ....
يا فلان ابن فلان رجعوا وتركوك وفى التراب وضعوك وللحساب عرضوك ولو ظلوا معك ما نفعوك فلا يبقى معك إلا عملك مع رحمة الحى الذى لا يموت..
وأبلغ من هذا قول ربنا سبحانه ( {يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لاَّ يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} )
مضى رمضان الى ربه وبين يديه أعمالنا من صيام وقيام وقرآن وصدقة ودعاء نسأل الله تعالى أن يجعلها خالصة لوجهه ونسأله سبحانه أن يتلقاها بالقبول الحسن.
قال الحسن البصرى رحمه الله:-
رمضان سوق قام ثم انفض ربح فيه من ربح وخسر فيه من خسر.
نسأل الله تعالى أن يكتبنا فيه من الفائزين الرابحين..
كان الصالحُون من قبلنا يجتهدون ليأتوا بأعمالهم وفق ما يرضى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فإذا فرغوا من أعمالهم حملوا همّ قبولها ويخافون أن يردها الله عليهم وهؤلاء هم الذين يُؤتُون ما آتو وقلوبهم وجلة كانوا يدعون الله ستة أشهرٍ أن يبلغهم رمضان ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبله منهم..
لما نزل قول الله تعالى من سورة المؤمنون { {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} }
قالت عائشة رضوان الله عليها يا رسول الله! أهو الرجل يسرق ويزني ويشرب الخمر؟ فقال النبى صلى الله عليه وسلم لا يا بنت الصديق ولكنه الرجل يصلي ويصوم ويتصدق ويخاف أن لا يقبل منه..
وعن فضالةَ رضى الله عنه قال لأن أعلم أن الله تقبّل مني مثقال حبةِ من خردلٍ من عملى أحبُّ إليَّ من الدنيا وما فيها لأن الله تعالى يقول { { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ } }
نسأل الله تعالى أن يتسلم منا رمضان متقبلا وأن يجعله فى ميزان حسناتنا..
مضى رمضان وبين يديه خيرات قد عملناها وحسنات قد أتيناها إذا تقبله الله عز وجل منا كنا بمنزلة شريفة تسبق منازل الشهداء..
قال عَبْدِ اللهِ بْنِ شَدَّادٍ رضى الله عنه :-
جَاءَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم فَشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله جائوا يريدون الإقامة بالقرب من النبى صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم ولم يكن لهم فى المدينة مال ولا ديار فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم لأصحابه من المهاجرين والأنصار مَنْ يَكْفِي هَؤُلاَءِ ؟
فَقَالَ طَلْحَةُ بن عبيد الله أَنَا يا رسول الله:-
فَكَانُوا عِنْدِه ما شاء الله فجهز رسول الله جيشا فَخَرَجَ أَحَدُهُمْ مع المسلمين يجاهد فى سبيل الله فلما رجع المسلمون من جهادهم لم يرجع معهم قيل أين فلان قالوا َنال شرف الشهادة فى سبيل الله..
ثُمَّ مَكَثُوا مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ جهز رسول الله جيشا أخر فَخَرَجَ الرجل الثانى مع المسلمين يقاتل فى سبيل الله فلما رجع المسلمون من جهادهم لم يرجع معهم قيل أين فلان قالوا َنال شرف الشهادة فى سبيل الله..
وَبَقِيَ الثَّالِثُ ما شاء الله يصلى ويصوم ويذكر الله عز وجل حَتَّى وافاه أجله فمَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ..
قَالَ طَلْحَةُ فَرَأَيْتُ فيما يرى النائم كَأَنِّي أُُُُُدْخِلْتُ الْجَنَّةَ (نسال الله الكريم من فضله)
قَالَ طَلْحَةُ فَرَأَيْتُ فيما يرى النائم كَأَنِّي أُُُُُدْخِلْتُ الْجَنَّةَ فَرَأَيْتُهُمْ الثلاثة فى الجنة أَعْرِفُهُمْ بِأَنْسَابِهِمْ وَسِيمَاهُمْ فَإِذَا الَّذِي مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ أولا قبل الشهيدين وَإِذَا الثَّانِي مِنَ الْمُسْتَشْهِدِينَ يدخل الجنة عَلَى من بعده وَإِذَا الذى استشهد أولا يدخل الجنة آخِرُهُمْ ..
قَالَ طَلْحَةُ بن عبيد الله فَدَخَلَنِي مِنْ ذَلِكَ العَجَب فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ وحدثته عن الذى مات على فراشه كيف يدخل الجنة قبل الشهداء؟
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم أَلَيْسَ قَدْ صَامَ بَعْدَهُ رَمَضَانَ وَصَلَّى بَعْدَهُ سِتَّةَ آلاَفِ رَكْعَةٍ وَكَذَا وَكَذَا رَكْعَةٍ ..
شرع الله عز وجل الصيام لأسرار ومقاصد عاليةً:
يأتى على رأس هذه المقاصد أن الصيام يطهر ويزكى روح الانسان فأشد الناس خشية ومراقبة لله تعالى هو الانسان الصائم على مدار ثلاثين يوما يتدرب الصائم على الإحسان يتدرب على أن يعبد الله كأنه يراه فإن لم يكن يراه فإن الله تعالى مطلع عليه ويراه..
الصيام يرقق قلب المسلم ويوقظ ضميره ويصلح نفسه ويهذب أخلاقه ففى الصيام لا رفث ولا فسوق ولا جدال .
من المقاصد العظمى التى شرع لأجلها الصيام أن تفتح صفحة جديدة مع ربك مع نفسك مع الناس..
جرب الإنسان منا وتعلم فى رمضان أن بالإمكان أن تكف عن الحرام تعلمنا أن بالامكان أن تمسك لسانك عن الشر بالامكان غض البصر والكف عن أذية الناس..
جرب الإنسان منا وتعلم من صيام رمضان أن يكون واسع الصدر حليما صبورا كالحال التي كان عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم..
ليس فظا ولا غليظا ولا صخابا بالأسواق ولا يدفع السيئة بالسيئة ولكن يعفو ويصفح..
منهج أسسه لنا ربنا فى قرآنه فى رمضان وفى غير رمضان
( {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} )
أيها الإخوة المؤمنون أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم جائنا رمضان فعلمنا حفظ اللسان عن فضول الكلام وحفظ العين عن فضول النظر علمنا الأمانة وعفة النفس ليس فقط لنصون صيامنا عما يفسده..
ليس فقط خوفا من قول النبى صلى الله عليه وسلم رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر..
ليس فقط خوفا من قول النبى صلى الله عليه وسلم من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه..
ولكن لنسير على هذه الفضائل فى رمضان وفى غير رمضان فرب رمضان هو رب كل الشهور الله تعالى يحب معالى الأخلاق والأعمال فى رمضان وفى غير رمضان..
الله سبحانه وتعالى قائم على كل نفس بما كسبت فى رمضان وفى غير رمضان..
الله سبحانه وتعالى رقيب وحسيب وشهيد على كل إنسان فى رمضان وفى غير رمضان {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ}
فداوم على ما أنت عليه من الخير والأمانة ومن صفاء النفس فإنه يستحب للعبد إذا عود نفسه على شئ من الخير ألا يتركه قم من الليل ما استطعت ولا تكن مثل فلان فقد كان يقوم الليل فتركه اقرأ من القرآن ما استطعت ولا تكن مثل فلان فقد كان يقرأ القرآن فتركه..
سئل النبى صلى الله عليه وسلم عن أحب العمل الى الله فقال ما داوم عليه صاحبه وإن كان قليلا ..
جلس النبى صلى الله عليه وسلم يوما بين أصحابه
فنظر فى وجوههم فإذا شاب من شباب الأنصار يقال له حارث وإذا وجهه قد استنار بنور الإيمان فقال يا حارث كيف أصبحت قال يا رسول الله أصبحت مؤمنا حقا قال النبي يا حارث إن لكل قول حقيقة فما حقيقة إيمانك قال يا رسول الله عزفت نفسى عن الدنيا فقمت ليلى وظمأت نهارى وكأنى أنظر الى عرش ربى بارزا وكأنى أنظر الى أهل الجنة وهم فيها ينعمون وكأنى أنظر الى أهل النار وهم فيها يختصمون فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا حارث عرفت فالزم.
الرجولة والفلاح والنجاح أن تعرف الحق فتتبعه وأن تعرف طريق الخير فتسلكه وتداوم عليه.........
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم كما سلمنا لرمضان وكما سلم رمضان لنا أن يتسلمه منا متقبلا وأن يجعله في موازين حسناتنا.. اللهم آمين يارب العالمين.
- التصنيف: