قوةُ أيّ نِظامِ هي قوةُ أضعفِ قِطْعةٍ فيه
لن نستطيع محاصرة الفيروس طبيًا، لكننا نستطيع تفويض الملك تبارك وتعالى، مالكَ النواصي، الحفيظَ على كل نفس، المحيطَ بكل دابة، القدير على كل شيئ، في الإحاطة به وحصره ودفع أذاه عنا بإذنه وفضله ورحمته
(كتبتُه في شهر مارس، في بداية البلاء)
منذ أيام.. غسلنا أيدنا بالماء والصابون قبل الأكل، حسب الوصايا الطبية المتكررة، وتركنا الصابون على أيدينا لبضعِ ثوانٍ اتباعًا للإرشادات الوقائية الصحية، تحاشيًا لانتقال العدوى الفيروسية "كوروناcovid-19-"، ثم جلسنا بعدها نأكل في ((أمان))...
أمسكت بحقيبة الخبز –كيس بلاستيكي- واستخرجتُ أولَ رغيف... ثم....
ضحكت......!
ما الذي فعلتُه للتوّ..!!
لقد أمسكتُ بـ"كيسٍ" أحضرناه للتو من محِل الأطعمة، وقد يكونُ أحد الناس قد عطَسَ بجواره منذ قليل في المتجر هناك...!
فتساءلتُ: وماذا بعد...؟ وما العمل...!
من ذا الذي يُمكِنُه متابعة خُلو كل الأسطح التي ستطالها يداه، من الفيروس..؟
أيُّنا سيستطيع الإحاطة بكل منافذ الخطر...؟
الشاهد...
مهما عَقَّمنا المقابض، وأزرارَ المصاعد، وتركنا الأحذيةَ خارج المنزل، وغسلنا أيدينا بعناية، وارتدينا الكمامات والأقنعة وما خلعناها طيلة اليوم حتى....!
فلن نستطيع أبدا تعقيمَ كل شيئ من حولنا مطلقًا..
وبالمناسبة، هذا من رحمة الله بنا... وليس كما يبدو لقاريءِ السطور أنه من المشقة علينا..
بل -والذي نفسي بيده- هو رحمة واسعة وعظيمة جدا...
إذ أنه لو كان الفيصل في الحماية التامة من العدوى هو مَدَى كفاءتنِا البشرية في تعقيم كل شيئ، لتحولت حياتُنا إلى جحيم وعذاب، لأن ذلك كان سيصيبنا جميعًا بالهوس المَرَضِي والوساوس القاتلة والرّهاب من لمس أي شيئ وكل شيئ...
كهؤلاء ((الخياليين)) المثاليين المطالبين الناس بعدم لمس الأنف والعين ولا وضع الإصبع في الفم، وعدم الاتكاء على الوجه أو الذقن أو لمس أجسامنا بشكل عام، وتعقيم الهاتف المحمول وسلسلة المفاتيح والسيارة وغسل كافة ملابسنا حين عودتنا من الخارج كل مرة... إلخ!
أي شطط غير واقعي بالمرةِ هذا...!
بالتالي، فإن عَجزَنا عن تعقيم كل شيئ، هو رحمةٌ حقيقيةٌ بنا، ولطفٌ عظيم بإيماننا...
بينما كلما كنا ((واقعيين)) وندرك أننا أضعف من ذلك، فسنتوقف عند مرحلة معينة خطيرة وممرضة للقلب لا نتخطاها، ولن نتمادى في وسواس النظافة..
وهذا -لا شك- سيضاعف يقيننا أكثر فيمن أحاط بكل شيئ علمًا وقدرةً، ويعزز من اللجوء إليه بصدق وقوة وافتقار أكثر..
وربما يبرز هنا سؤال: هل أنا أقصد بكلامي أن أدفعكم إلي ترك التعقيم والنظافة الموصَى بهما طبيًا لمقاومة انتقال العدوى؟
والجواب: لا.. إطلاقا..!
إن قلتُ لكم ذلك فكأني أقول لكم "اعصوا الله ورسوله" والعياذ بالله..
إنما أقصد بكلامي، أن تطمئنوا وتستهدوا بالله الحفيظ المحيط، وتكُفّوا عن مبالغاتِ وشَطَط التعقيم، فلن تحيطوا بذلك كلِّه علمًا وقدرةً وإحاطةً وإحصاء...
وأن التوكل التام على الوكيل الولي الحميد عز وجل، هو الحل و((المُسَكِّنُ)) و ((العلاجُ)) لكل القلق والخوف والهلع الذي أصاب ولازال يصيب الناس مع الأسف..
لكن نجتهد فقط أن يكون توكلًا فيه أخذٌ بالأسباب الممكنة والمتاحة والمستطاعة، أي المعقولة والواقعية فقط..
ولا يُكَلف اللهُ نفسًا إلا وُسعَها..
مع يقينٍ تام، أن أخذَنا للأسباب ذاك ليس هو الضامن بذاته للسلامة التامة المحكمة، لأننا لن نحيط بكل الأسباب كما قلنا -قولًا واحدً!- وما دامت هناك ثغرة من جهة أي سبب من أسباب الوقاية -مهما صغُرَ قدرُه- فكأنما كل أسباب الوقاية لم تُتَّخَذْ مُطلقًا..
كيف هذا...؟
تعلمنا في كلية الحاسبات والمعلومات، قسم نظم المعلومات:
أن قوةَ أي نظام = قوةُ أضعف قطعة في هذا النظام..
أي أننا عندما نريد تقييم مدى قوة وتماسك وإحكام وترابط أي كيان أو منظومة، فإننا نقوم بتقييم أضعفِ قطعة في هذا النظام، لأنها هي المُعَبِّرة بحق عن قوته، إذ انه مهما كان النظامُ قويًا، فإن وجودَ ثغرةٍ فيه كفيلٌ بهد تماسُك النظام كله في غمضة عين كأن لم يكن...
بالتالي فإن درجة كفاءة أضعف منطقة في نظام التعقيم -مهما كان تعقيمك لباقي مواضع حياتك- هي بالفعل الدرجة التي تعبر بصدق عن كفاءة وقوة تعقيمك النهائية..
ولا يوجد إنسان على وجه الأرض يستطيع تحقيق تعقيم تام لحياته وهو يعيش بين الناس... مستحيل...!
لا يوجد هذا إلا في المعامل، وحتى هذه الأماكن يَعرِضُ عليها أحيانًا شيئ من الخلل في قوة الإحاطة ومدى إحكام الأمان..
لكننا رغم كل ذلك نطبق إرشادات التعقيم والتحرز من العدوى، طاعةً لله ورسوله فقط، فهو الذي أمَرَنا بالتوقّي والتحرُّز من العدوى والأخذ بأسباب ذلك، الشرعية والصحية معًا، مع اليقين التام في قوله المحكم:
{وما هم بضارين به من أحد إلا ((بإذن الله))..}
فنأخد بأسباب السلامة بـ ((المعقول)) وكفانا مبالغاتٍ مُنهِكةٍ للروح، وقَتْلٍ للناسِ ببطءٍ بالوسواس القهري..
وإلا فما فائدة ودور التوكل في حياتنا ؟!
متى سيأتي التوكل ويتخذ موضعَه في حياتنا ونحن طوال الوقت نعتقد أننا قادرون على السيطرة على أبواب الضر والشر كلها بنجاح، أو ونحن لا ((نطمئن)) ولا يهنأ لنا بال إلا حين نرى بأعيننا كل أبواب وثغرات الضُّر مغَلَّقةً بإحكامِ ومعقَّمةً بالكامل...؟
فلنعلم جميعا...
أننا ما بقينا بهذا الفزَع المتنامِي، فإن ذلك مؤشرٌ لنقص توكلٍ وضعف يقين في كون أن الله هو الحفيظ المحيط عز وجل...
لأن ذلك معناه ((يقينٌ عَكسِيّ)):
يقين في أنفسنا وثِقة في ذواتنا أننا نحن من سنحفظ أنفسنا بأنفسنا، وبما أن ((أنفسنا)) عاجزةٌ عن الإحاطة بالحفظ فهي دومًا فَزِعَةٌ هَلِعَةٌ...
أمَا علمتم من القائل {ما من دابة إلا هو آخذٌ بناصيتها} ؟!
سيقولون الله..
فأنَّى يُصرَفون...؟
ثم إن المؤمن ليس بخوَّافٍ هكذا من الموت...!!
المؤمن يعلم أنه ميتٌ ميتٌ لا محالة {إنك ميت وإنهم ميتون}.. {نحن قَدَّرنا بينكم الموت..}
وأن لكل نفس أجلُ وموعد مكتوب {لكل امة أجل}.. و {لكل أجل كتابٍ}..
وأنه لا مفر من الموت إذا جاء الأجلُ {قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم}..
وأنه إذا مات فإنه مطمئن لأنه مؤمنٌ يصدِّقُ ربَّه ويُحسِن الظن به ويرجو رحمتَه ويخشى عذابه {لا ضير.. إنا إلى ربنا منقلبون}..
الخلاصة يا رفقة الخير...
فلنتجرد من حولنا وقتنا إلى حول الله وقوته..
ولنستعن بمن قال عن نفسه أنه على كل شيئ قدير وأنه قد أحاط بكل شيئ علما، فلنستعن به على ما لم نحط به لا قُدرةً ولا علمًا..
ولنضاعفْ ونبالغْ في الصيانة والوقاية الشرعية -الرقية والدعاء والصلاة- لأنها تعني تفويض وتوكيل من أحاط بكل شيئ علمًا أن يتولَّى الأمر برمته، ولا يكل حفظَنا إلى أنفسِنا طرفة عين بمبالغتنا في الصيانة والوقاية الطبية...
لماذا أضفنا الصلاة؟
لأنها –كما قال أحد الفضلاء- تظبط انفعالات الإنسان:
{إن الإنسان خلِق هلوعًا * إذا مسه الشر جزوعًا * وإذا مسه الخير منوعًا * إلا المصلين * الذين هم على صلاتهم دائمون }
إلى آخر صفات المصلين في مطلع سورة "المؤمنون"..
فلنجتهد أن نتحلى بها، حتى ننعم بطمأنينة حُسن الصلة بالله عز وجل..
وإليكم جانبٌ مختصر من كيفية رقية أولادنا بأسهل وأسرع طرق بإذن الله:
**أولا: للأمهاتِ اللاتي تردن تحصين الأبناء بأنفسهن:
1- تفعلين كما كان يفعل النبي ﷺ مع الحسن والحسين، وكما كان يفعل سيدنا إبراهيم عليه السلام مع سيدنا إسماعيل وإسحاق: يدك اليمنى على جبهة ابنك (أو كلتا يديكِ على جبهة ابنيكِ الاثنين في نفس الوقت)، وتقولين: "أعيذكَ/ أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامَّة.." (الهامة = الهوام ذوات السموم/ كل عين لامة = كل داء).. ويجوز أن نرقي باليمين والشمال في نفس الوقت في حالة أنكِ على عجلة من أمرك لسبب او لآخر، وعدد أولادك كبير اللهم بارك واحفظ واهدِ..
**ثانيا: كيف نعلمهم تحصين أنفسهم بأنفسهم؟
1-توصينهم بقراءة سورة الإخلاص والمعوذات وآية الكرسي بعد كل صلاة وعند النوم، مرة واحدة (ماعدا عند الفجر والمغرب نضاعف عدد قراءة المعوذات والإخلاص لثلاث مرات)..
وهذه الآيات المباركة، هي الحد الأدنى مما ينبغي أن يواظبوا عليه عند النوم وعند كل صلاة لأنها من أقوى أسباب التحصين والسلامة بإذن الله، وأسهلها في الحفظ والتذكر على الإطلاق..
2- توصينهم إذا خرجوا من البيت أن يقولوا دعاء الخروج ولابد، وهو جزءان:
= الأول: بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله..
"من قالها عند الخروج من بيته يقال له: هُديتَ و((كُفيتَ ووُقِيتَ)) وتتنحى له الشياطين.. فيقول شيطانٌ آخر: كيف لك برجل قد هُدِيَ وكُفِيَ ووُقِيَ!..."
= الثاني: اللهم إني أعوذ بك أن أضِل أو أُضَل، أو أزِل أو أُزَل، أو أَظلِم أو أُظلَم، أو أَجهل أو يُجهَل عليّ..
3- توصينهم إذا قاموا بزيارة لأحد في بيته أو نزلوا في مكان خارج البيت، أن يقولوا:
أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق "من قالها إذا نزل بيتًا ما، لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك"..
تلك التحصينات المباركات، داخل وخارج البيت، تُجزيء بإذن الله تعالى وتحفظ من السوء بحوله وقوته عز وجل..
بالإضافة إلى تعليمهم قراءة أذكار الصباح والمساء، ويمكن للأم تشغيلها في البيت بصوت ميسر لحفظها بالتكرار، فيتقنونها يوما بعد يوم..
**ثالثا: لمن كان لديها وقتٌ وقدرةٌ وأرادت أن تستزيد من التحصينات التي تفعلها بنفسها لأبنائها، فبجانب رقيتها إياهم بنفسها بتعوُّذ إبراهيم، فلتكمل بالآتي:
1- المعوذات والصمد والكرسي..
2- بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيئ في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم (ثلاث مرات)..
3- أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما خلق وذرأ وبرأ، ومن شر ما ينزل من السماء ومن شر ما يعرج فيها، ومن شر ما ذرأ في الأرض ومن شر ما يخرج منها، ومن شر ((طوارق الليل والنهار)).. ومن شر كل طارق إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن..
رابعا: في حالة أنهم -عافاهم الله- أصيبوا بمرض أو ألم في موضع ما من جسمهم:
1- تضعين يدك اليمني على مكان الوجع أو المرض، وتقولين: "بسم الله بسم الله بسم الله" ثلاث 3مرات.. ثم تقولين سبع مرات: "أعيذُكَ بعِزَّةِ الله وقُدرته من شر ما تجد وتحُاذِر". (وتكون "أعوذ/ من شر ما أجد وأحاذر" في حالة أنه سيرقي بها نفسه بنفسه).
2- وحبذا لو تضيفين قراءة الفاتحة..
3-وحبذا لو تضيفين رُقية جبريل للنبي ﷺ: "بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك، ومن شر كل نفسٍ أو عينِ حاسدٍ اللهُ يشفيك، بسم الله أرقيك"..
4-ومزيد بركة وخير لو قلتِ كذلك: "اللهم ربَّ الناس، أذهِبِ البأسَ، اشفِ أنت الشافي، لا شفاءَ إلا شفاؤك، شفاءً لا يغادرُ سقمًا"
مع تكرار نفس الرُّقَى المذكورة آنفًا، فكل التعوذات والرُّقى فعالةٌ بإذن الله في كل وقت وعلى كل حال..
ولا حرج عليكِ إن قرأتِها بنفسكِ عليهم بوضع يدكِ اليمنى على جباههم، أو بجمع يديكِ معًا وتقولين فيهم الرقية وتنفثين ثم تمسحين على وجوههم وأجسامهم ما أمكن، أو تلقنينهم إياها جميعا فيحفظونها ويرقون بها أنفسهم..
كله مُيسر ولا حرج فيه وحصنٌ منيعٌ بحول الله وقوته..
ومَن زاد، من الخير استزاد...
وبالطبع لا تنسي أن ترقي نفسك كذلك، وأن تواظبي على أذكار الصباح والمساء وحسن الصلة بالله عز وجل..
لن نستطيع محاصرة الفيروس طبيًا، لكننا نستطيع تفويض الملك تبارك وتعالى، مالكَ النواصي، الحفيظَ على كل نفس، المحيطَ بكل دابة، القدير على كل شيئ، في الإحاطة به وحصره ودفع أذاه عنا بإذنه وفضله ورحمته...
- التصنيف: