حصون للوقاية من آثار وباء كورونا النفسية 1
ومعرفة الله عز وجل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا، وما دل عليه الاسم من معنى، وما يتعلق به من آثار، لها أثرٌ في طمأنينة النفس وزوال القلق عنها
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد:
فمن الأمور التي يسعى جميع البشر للوقاية والسلامة منها: الأمراض، وتنقسم إلى نوعين: أمراض معنوية، وأمراض حسية.
والأمراض المعنوية تنقسم إلى قسمين:
الأول: مرض شبهات وشكوك؛ قال الله عز وجل: ﴿ {فِي قُلُوبِهِم مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّـهُ مَرَضًا } ﴾ [البقرة:10]؛ أي: شك وشبهة وشكوك.
والثاني: مرض شهوات؛ قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} ﴾ [الأحزاب:32]؛ أي: مرض شهوة.
والأمراض الحسية تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: أمراض عقلية، الثاني: أمراض نفسية، الثالث: أمراض بدنية.
ومن كان يرجو الله والدار الآخرة، حرص على الوقاية من المرضين: المعنوي والحسي، فعاش بسعادة في دنياه وآخرته.
في هذا العام الهجري (1441) قدَّر الله جلَّت قدرته، وعظُم سلطانه أن يصاب العالم بفيروس، عُرِفَ باسم "كورونا" مات منه كثير من الناس بتقدير الله وحكمته، وأصيب به كثيرون، شُفِي بعضهم بفضل الله ورحمته، وبقي آخرون تحت العلاج، نسأل الله الرحيم أن يسارع بشفاء المسلمين منهم، والعبد المؤمن يحمد الله عز وجل على كل قضائه، لعلمه أن قضاء الله كله عدل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( «عدل فيَّ قضاؤك» )؛ [أخرجه أحمد]، والمؤمن يشكر الله، لعلمه أن قضاء الله له خير، قال عز وجل: ﴿ { وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} ﴾ [البقرة: 216]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( «والذي نفسي بيده، لا يقضي الله للمؤمن قضاءً إلا كان خيرًا له» ) [أخرجه مسلم].
لقد ترتب على وباء كورونا أمور؛ من أبرزها:
• إغلاق المساجد، والمدارس، وأماكن العمل، والأسواق، ونحوها، ومنع التنقل والسفر، داخل البلاد وخارجها، وملازمة الناس لبيوتهم، وعدم خروجهم منها إلا للضرورة، لساعات قليلة.
• انشغال الناس بمتابعة وسائل الإعلام التي كانت تنقل لهم آخر أخبار مستجدات مرض كورونا؛ من حيث أعداد الإصابات والوفيات.
• مشاهدتهم لصور مؤلمة وسماعهم لكلام خبراء في المنظمات الصحية أنه لا علاج للوباء في القريب العاجل، كل هذه الأمور وغيرها جعلت لوباء كورونا آثارًا نفسية، ظهرت عند البعض في صور قلق، وحزن، ساعد على ذلك الشيطان عدو الإنسان، الذي لا يكل ولا يملُّ في إعلان حربه على الإنسان بوسائل متعددة، منها: إدخال القلق والحزن عليه، قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: الشيطان حريص على إدخال القلق والحزن على الإنسان بقدر ما يستطيع.
ويزداد هذا القلق والحزن عند من يعيش وحيدًا لا جليس ولا أنيس له، فالشيطان يزيد العبد وهنًا وضعفًا إذا كان وحيدًا.
وهذا الخوف الشديد من وباء كورونا قد يتحول مع مرور الأيام إلى مرض قلبي (نفسي) يعذِّب صاحبه، قال العلامة ابن القيم رحمه الله: وهل العذاب إلا عذاب القلب، وأي عذاب أشدُّ من الخوف والهم والحزن وضيق الصدر. ويقول الدكتور رشاد علي عبدالعزيز موسى أستاذ الصحة النفسية: يعتبر القلق أساس جميع الأمراض النفسية.
آثار وباء كورونا النفسية تؤثر على من أُصيب بها، عاجلًا أو آجلًا، إن لم تتدارك بالعلاج، وهذه خمسة حصون تعين على الوقاية منها ومقاومتها، أسأل الله أن ينفع بها
الحصن الأول: الإيمان:
الإيمان هو: اعتقاد بالقلب، وقول باللسان، وعمل بالجوارح، بزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، وله أركان ستة جاءت في حديث جبريل عليه السلام، عندما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإيمان، فقال: ( «أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم والآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره» )؛ [متفق عليه، واللفظ لمسلم].
هذا الإيمان مَن حقَّقه، وجاء بأركانه، فإن قلبه يطمئن، وصدره ينشرح، ونفسه تسكن، وقلقه يزول، وحزنه ينجلي، وخوفه يذهب؛ قال الله عز وجل: ﴿ {مَن عَمِلَ صالِحًا مِن ذَكَرٍ أَو أُنثى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَلَنُحيِيَنَّهُ حَياةً طَيبَةً وَلَنَجزِيَنَّهُم أَجرَهُم بِأَحسَنِ ما كانوا يَعمَلونَ} ﴾ [النحل:97]، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: الحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت، وقال العلامة السعدي رحمه الله: من جمع بين الإيمان والعمل الصالح، (فَلَنُحيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً)، وذلك بطمأنينة قلبه، وسكون نفسه، وعدم التفاته لما يشوش عليه قلبه.
وقال الله عز وجل: ﴿ {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} ﴾ [الأنعام: 82]؛ قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: وكلما كان الإنسان أشدَّ إيمانًا بالله، وتوحيدًا له، كان أشد أمنًا واستقرارًا، وهذا شيء مُجرب، وقال: الإيمان والعمل الصالح يطرد الخوف، ولهذا كان أشرح الناس صدرًا وأشدهم طمأنينة في القلب هم المؤمنين العاملين عملًا صالحًا.
وقال العلامة السعدي رحمه الله: المؤمنين بالله الإيمان الصحيح، المثمر للعمل الصالح، المُصلح للقلوب، والأخلاق، معهم أصول وأسس يتلقون بها جميع ما يرد عليهم، يتلقون المحاب والمسار بقَبول لها، وشكر عليها، واستعمال لها فيما ينفع، ويتلقون المكارة والمضار والهم والغم بالمقاومة لما يُمكنهم مقاومتهم، وتخفيف ما يمكنهم تخفيفه، والصبر الجميل لما ليس لهم عنه بد.
وقال الشيخ عبدالله بن محمد الغنيمان: الإيمان تزكو به النفس، وتطمئن به القلوب، كما أنه يطرد الوساوس.
ويقول أستاذ علم النفس الدكتور صالح بن إبراهيم الصنيع: الإيمان أقوى الأسباب وأمضاها في يد المسلم في مواجهة جميع أنواع المشكلات في هذه الحياة الدنيا، ومنها: المشكلات النفسية، فكلما قوي إيمان الإنسان وزاد، كان أقوى في مقاومة المشكلة النفسية، وأبعد أن يقع فريسة لها.
من أركان الإيمان:: الإيمان بالله عز وجل، وهو الاعتقاد الجازم بوجود الله سبحانه وتعالى، وأنه الخالق الرازق المحيي المميت المدبر للأمور، وأنه المستحق وحده سبحانه للعبادة بجميع أنواعها، وأن له الأسماء الحسنى والصفات العليا، فمن حقق التوحيد بأنواعه الثلاثة: توحيد الإلهية، وتوحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات، حصل له الخير الكثير، قال العلامة السعدي رحمه الله: ليس شيء من الأشياء له من الآثار الحسنة، والفضائل المتنوعة، مثل التوحيد، فإن خير الدنيا والآخرة من ثمرات هذا التوحيد وفضائله، فمن فضائله: أنه السبب الأعظم لتفريج كربات الدنيا والآخرة، ودفع عقوبتهما، ومنها: أنه يحصل لصاحبه الهدي الكامل والأمن التام في الدنيا والآخرة، ومن فضائله أنه يُسليه عن المصيبات، وأنه يخفف عن العبد المكاره، ويهون عليه الآلام، يتلقى المكاره والآلام بقلبٍ منشرحٍ ونفسٍ مطمئنةٍ.
ومعرفة الله عز وجل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا، وما دل عليه الاسم من معنى، وما يتعلق به من آثار، لها أثرٌ في طمأنينة النفس وزوال القلق عنها، يقول الشيخ عبدالرزاق بن عبدالمحسن البدر: معرفة الله، ومعرفة أسمائه وصفاته تجارة رابحة، ومن أرباحها سكون النفس وطمأنينة القلب وانشراح الصدر.
ومن هنا ينبغي أن يَحرِصَ المسلم على معرفة تلك الأسماء؛ يقول الدكتور عبدالله بن عبدالرحمن الجربوع: فإدراك العبد لمعاني أسماء الله: العليم، الخبير، الحكيم، يوجب له ثقة واطمئنانًا إلى أن أمره ومصيره وما يجري عليه بيد ملك مدبر عليم حكيم خبير، فيزول عنه كابوس الخوف والقلق من المستقبل والمجهول.
من أركان الإيمان:: الإيمان بقضاء الله وقدره: ومعناه كما يقول فضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان: التصديق بأن الله سبحانه علم مقادير الأشياء وأزمانها قبل وجودها، ثم كتبها في اللوح المحفوظ، ثم أوجدها بقدرته ومشيئته، في مواعيدها المقدرة، فكل مُحدث من خير أو شر فهو صادر عن علمه وتقديره، ومشيئته وإرادته، ما شاء كان، وما لم يشاء لم يكن".
- التصنيف: