سراق الفرحة
"من السهل أن تُحزن الإنسان، لكن من الصعب أن تجعله يضحك أو يفرح"
يقولون: "من السهل أن تُحزن الإنسان، لكن من الصعب أن تجعله يضحك أو يفرح"، والكل يسعى للسعادة والفرح، ويركض عن الحزن والنكد، وصديقك مَن يجتهد في إسعادك، وعدوك من يتفانى في إحزانك، وما أجمل التعبير القرآني في سورة المجادلة حين يقول الله تعالى: {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [المجادلة: 10]، وهي صورة تبيِّن أحد أغراض عدو البشرية وهي جلب الحزن: مشاعر تُقعد الإنسان غالبًا عن العمل منطويًا يصاحبه البكاء في أحيانٍ كثيرة.
ومن العجيب أنه ليس شيطان الجن وحده هو مَن يسعى إلى صناعة الحزن وسرقة الفرح، بل هناك من البشر من أصبحوا يفعلون ذلك، وليس بالضرورة أن يكون عدوًّا لك، بل ربما صديق أو مُقرَّبٌ يراك في لحظة فرحة وسرور، فيسرقها منك ويحوِّلها إلى حزن طبعًا ليس بسوء نية، ولكيلا استرسل بالكلام دون استدلال، سأذكر لك بعض المواقف الحياتية، ولك أن تقيس عليها:
تخرج الأسرة في نزهة عائلية أو سفرة ممتعة، يتحدثون ويتنقلون ويضحكون، وفي أثناء تلك الفرحة، يقول أحدهم: يا ليت أخي فلان معنا الآن، لكانت الفرحة أكمل، ويجيبه الآخر: صحيح، كان رحمه الله ضحوكًا، تذكرون يوم كذا وكذا، وتستمر مسلسل الذكريات، وما هي إلا لحظات لتُسرقَ الفرحة.
يصرخ حمد من الفرحة، نعم بعد جهد وتعب نجحت من الثانوية وبمعدلٍ عالٍ ولله الحمد، وفي أجواء فرحته بين أصدقائه ومحبيه، ينبري أحدهم: ليس المهم النجاح، المهم القَبول في الجامعة، فيعلق الآخر: أصبح القَبول صعبًا، فالكثير تخرجوا بمعدلات عالية ولم يُقبلوا، ويُثلثُ أحدهم: وخاصة الكلية التي ترغب فيها يا حمد، وفي دقيقة واحدة تُسرق الفرحة من حمد ومحبيه.
والصور كثيرة في ذلك، بل لا أبالغ حين أقول إن العبد نفسه يسعى أحيانًا لسرقة فرحته وبناء الحزن مكانها، حاول أن تعيش معي في بعض المواقف ربما حصلت لك:
"الحمد لله كان كل شيء تمامًا"، هكذا حدَّثت نفسك بعض انتهاء حفلة عرسك، وفي قمة فرحتك تقول: لكن فلان لم يحضر مع أني دعوتُه بشكلٍ خاص؟ ليس هو فقط بل حتى فلان من أقاربي، أكيد غاضب مني، لكني لا أذكر أني أخطأتُ في حقه، حتى لو أخطأت ألا ينبغي أن يتجاوز ويحضر هذه المناسبة التي ربما لن تتكرر، وتبدأ دوامة الأفكار والأحزان والعتاب، والحقيقة أن الفرحة سُرقت.
حصلتْ على هَدية جميلة لمناسبة سعيدة من شخص عزيز وغالٍ عليها (زوجها مثلًا)، دخلت غرفتها فرحة وتُقلِّبُ تلك الهدية، وفجأة: لحظة يا ترى لماذا أعطاني تلك الهدية؟ لا بد أن له غرضًا ما، صحيح كما يقولون في المثل: الذئب ما يركض عبثًا، لا يجب ألا أكون مندفعة، العاقل يتريَّث... إلخ، تدخلُ نفسها في بيت الوساوس، والحقيقة أن فرحتها سُرِقت.
ولو أردت أن أذكر الأمثلة لما انتهينا، بل وصل الأمر حتى في أفضل الأعمال التي تدفع إلى الفرح، في أحد المجالس يذكرُ أحدهم أنه بفضل الله أسلم على يديه العديد من الناس، يقول هذا وعيناه كلها فرح وسرور، فيتطوع أحدهم: المهم ماذا بعد الإسلام، الكثير يدخلون الإسلام، لكن من يثبت عليه، ويزيد الطينَ بِلَّةً آخر: نعم الكثير من الإحصاءات تقول إن عدد من يرتدُّون كثير بسبب عدم الاهتمام بهم، فلا تعوِّل كثيرًا على إسلامهم... إلخ، والحقيقة هنا: أن فرحة صاحبنا سُرقت.
لعلك لاحظت أن أكثر السرقات؛ إما من أشخاص، أو أحداث سابقة ولاحقة، نعم للتفكير والتدبير والدراسة والتفسير، لكن هلَّا أجلناها بعد وقت الفرحة.
ألا تطمح أن يُحبك الله، لقد قال حبيبنا صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللَّهَ يُحبَّ أن يَرى أثرَ نعمتِه علَى عبدِه»[1]، ومن أثر النعمة الفرح بها، إن لم تمنع سرقة الفرحة، فلا تكن من سُرَّاقها.
[1] حسن صحيح، صحيح الترمذي للألباني 2819.
- التصنيف:
- المصدر: