عاشوراء يوم من أيام الله

منذ 2020-08-31

ومن المسائل الطريفة التي لم أقف على شيء بشأنها ، ولا أدري هل تكلم عنها أهل العلم المتقدمون أم لا : معرفة ما الذي حدث لأهل مصر بعد غرق فرعون ومن معه أثناء مطاردتهم موسى عليه السلام ؟

في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " « إن عاشوراء يوم من أيام الله» " ففي هذا اليوم ، أنجى الله موسى ومن معه ، وأغرق فرعون وجنوده ، وقطع دابر القوم الذين ظلموا ، والحمد لله رب العالمين .

ومن المسائل الطريفة التي لم أقف على شيء بشأنها ، ولا أدري هل تكلم عنها أهل العلم المتقدمون أم لا : معرفة ما الذي حدث لأهل مصر بعد غرق فرعون ومن معه أثناء مطاردتهم موسى عليه السلام ؟

هل اتعظوا واعتبروا ، وهل عادوا عن غيهم ، وهل تركوا عبادة الفرعون ، وإسباغ أوصاف الربوبية والألوهية عليه ، وهل تغيرت منظومة الحكم والحياة ، وما السردية الجديدة التي قدمها الكهنة والملأ والفرعون الجديد ؟

وسبب السؤال : أن فرعون ظل عشرات السنين يغرس في عقول قومه أنه ربهم الأعلى ، وأنه ما علم لهم من إله غيره ، وأن موسى ومن معه شرذمة قليلون ، يدبرون مؤامرة خطيرة ، ويمكرون لإخراجهم من بلادهم " { إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} " وأن فرعون هو حامي حمى دين قومه ، والخائف عليه من التبديل ، والمدافع الصلب عن كل محاولات الفساد " {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ} "

وبعد هذا كله ، غرق فرعون ، وظهر بالقطع واليقين أنه ليس ربا ولا إلها ، وأنه على باطل ، وأن موسى عليه السلام هو المنصور المستمسك بالحق ؟

لكن ما الذي حدث بعد ذلك ، وما التبرير أو العقيدة الجديدة التي قدمها الكهنة والملأ للجماهير ، وقد غرق إلههم المزعوم ، وبقي بدنه شاهدا على عجزه ( {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} )

هل قالوا لهم مثلا : إن الإله ضحى بنفسه من أجلكم ، كما زعمت النصرانية المبدلة أن الله افتدى البشرية بابنه الوحيد على الصليب .

أم قالوا لهم إنه اختفى وصعد إلى السماء وسيعود ثانية ، مثلما تشيع فكرة الغيبة والرجعة في بعض العقائد المنحرفة .

أم قالوا لهم إن الفترة السابقة كانت فترة أكاذيب وأضاليل ، ونبدأ عهدا جديدا مع الفرعون الجديد ، والذي سوف يصلح ما مضى من أخطاء ؟

وهل اعترضت الجماهير على ما تعرضوا له من خداع وتضليل لسنوات طويلة ، وهل أيقنوا أن فرعون كان أفاكا أثيما ، وأن موسى عليه السلام كان رسولا أمينا ، وهل قرروا ألا يصدقوا أكاذيب الكهنة والملأ مرة ثانية ؟

في ظني أن الأمور بقيت على ما كانت عليه ، لأن المشكلة لم تكن محصورة في فرعون كشخص ، إنما كان بجوارها عقائد فسدت ، وقلوب قست ، وعقول آثرت الباطل على الحق ، ونفوس تم استخفافها وخداعها ، فقبلت الاستخفاف ، واستمرأت الضلال ( {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} )

ولم تكن المشكلة فقط في الجهل بالحق وعدم كفاية الأدلة المثبتة له ، إنما كان الأمر كله جحودا وظلما وعلوا ( {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} )

أحمد قوشتي عبد الرحيم

دكتور بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة

  • 1
  • 0
  • 1,524

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً