مع الصديق رضي الله عنه - ثاني اثنين
{إِلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا}
ثَانِيَ اثْنَيْنِ :
[ميز القرآن أبا بكر رضي الله عنه دون سائر الصحابة بالذكر والثناء الحسن, وخاصة في حادثة الهجرة. ]
قال العلامة محمد بن عبد الرحمن بن قاسم :
الفضيلة التي حصلت لأبي بكر في الهجرة لم تحصل لغيره من الصحابة بالكتاب والسنة والإجماع فتكون هذه الأفضلية ثابتة له دون عمر وعثمان وعلي وغيرهم من الصحابة، قال الله تعالى: {إِلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا}
الفضيلة في الغار ظاهرة بنص القرآن، وقد أخرجا في الصحيحين من حديث أنس، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، قال: «نظرت إلى أقدام المشركين على رءوسنا ونحن في الغار، فقلت: يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا، فقال: يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما» (البخاري)
قوله: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ} لا يختص بمصاحبته في الغار، بل هو صاحبه المطلق الذي كمل في الصحبة كمالاً لم يشركه فيه غيره -
فصار مختصًا بالأكملية من الصحبة، وهذا مما لا نزاع فيه بين أهل العلم بأحوال النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، كما في الحديث الذي رواه البخاري، عن أبي الدرداء، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيه: «هل أنتم تاركو لي صاحبي؟» فقد تبين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خصه دون غيره مع أنه جعل غيره من أصحابه أيضًا؛ لكنه خصه بكمال الصحبة، ولهذا قال من قال من العلماء: إن فضائل الصديق خصائص لم يشركه فيها غيره
قوله: {لا تَحْزَنْ} يدل على أن صاحبه كان مشفقًا عليه محبًا له ناصرًا له حيث حزن، وإنما يحزن الإنسان حال الخوف على من يحبه. وكان حزنه على النبي لئلا يقتل ويذهب الإسلام، ولهذا لما كان معه في سفر الهجرة كان يمشي أمامه تارة، ووراءه تارة، فسأله النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، فقال: «أذكر الرصد فأكون أمامك، وأذكر الطلب فأكون وراءك» رواه أحمد في كتاب مناقب الصحابة، فقال: حدثنا وكيع، عن نافع، عن ابن عمر، عن ابن أبي مليكة، قال: «لما هاجر النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج معه أبو بكر فأخذ طريق ثور، قال: فجعل أبو بكر يمشي خلفه ويمشي أمامه فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - ما لك؟ قال: يا رسول الله أخاف أن تؤتى من خلفك فأتأخر، وأخاف أن تؤتى من أمامك فأتقدم، قال: فلما انتهينا إلى الغار قال أبو بكر: يا رسول الله كما أنت حتى أيمه» قال نافع حدثني رجل عن ابن أبي مليكة أن أبا بكر رأى جحرًا في الغار فألقمها قدمه، وقال يا رسول الله إن كانت لسعة أو لدغة كانت بي» فلم يكن يرضى بمساواة النبي؛ بل كان لا يرضى بأن يقتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يعيش؛ بل كان يختار أن يفديه بنفسه وأهله وماله.
قوله: {إِنَّ اللهَ مَعَنَا} صريح في مشاركة الصديق للنبي في هذه المعية التي اختص بها الصديق لم يشركه فيها أحد من الخلق ... وهي تدل على أنه معهم بالنصر والتأييد والإعانة على عدوهم فيكون النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أخبر أن الله ينصرني وينصرك يا أبا بكر، ويعيننا عليهم، نصر إكرام ومحبة، كما قال تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا آمنوا في الحياة الدنيا} . وهذا غاية المدح لأبي بكر، إذ دل على أنه ممن شهد له الرسول بالإيمان المقتضى نصر الله له مع رسوله في مثل هذه الحال التي يخذل فيها عامة الخلق إلا من نصره الله؛ ولهذا قال سفيان بن عيينة: إن الله عاتب الخلق جميعهم في نبيه إلا أبا بكر .
أبو الهيثم محمد درويش
دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.
- التصنيف: