ترجمة الحافظ عماد الدين ابن كثير رحمه الله

منذ 2020-10-05

عاش ابن كثير رحمه الله معظم القرن الثامن الهجري (701-774) في الفترة التي كان يحكم فيها المماليك البحرية[1] مصر والشام، وقد كانت هذه الفترة امتدادًا لأحداث عظيمة مرت على العالم الإسلامي، منها الحروب الصليبية ( 490-960هـ )

ترجمة الحافظ عماد الدين ابن كثير رحمه الله

عصره:

عاش ابن كثير رحمه الله معظم القرن الثامن الهجري (701-774) في الفترة التي كان يحكم فيها المماليك البحرية[1] مصر والشام، وقد كانت هذه الفترة امتدادًا لأحداث عظيمة مرت على العالم الإسلامي، منها الحروب الصليبية ( 490-960هـ )[2]، ومنها سقوط بغداد سنة 656هـ [3]، ومنها التنازع على السلطة بين الحكام المسلمين؛ مما سبَّب خلع الكثير منهم وقتله أو اعتقاله، وقد ذكر السيوطي في كتابه "حسن المحاضرة" أن الملك علاء الدين كجك[4] بويع بعد عزل أخيه ونفيه ومعه إخوة له إلى قوص[5]، ولقب الملك الأشرف وعمره دون ست سنين فأقام خمسة أشهر، ثم خلع واعتقل حتى مات وبعده تولَّى أخوه شهاب الدين أحمد، ولقب الملك الناصر وبقي أربعين يومًا، ثم خُلع سنة 743هـ، وقيل: من أول سنة 745هـ، وأقيم بعده أخوه عماد الدين إسماعيل، ولُقِّب الملك الصالح، فأقام إلى أن مات في رابع ربيع الآخر سنة ست وأربعين وسبعمائة وعمره نحو عشرين سنة[6].

 

وذكر صاحب خطط الشام أنه في سنة 742هـ جرى من تقلبات الملوك والنواب واضطرابهم ما لم يجر في مئات من السنين[7]، ولعل ضَعف الدين والسرف والتبذير والنزعات المذهبية بين أهل السنة والرافضة سبب في هذا الاضطراب السياسي، فكان من الطبيعي أن يؤثر على الحياة الاجتماعية، فحصل كثير من المجاعات وانتشار الأمراض والأوبئة والوفيات بين الناس بسبب هذا[8]، ولكن مع ذلك فقد ساد في هذه الفترة نهضة علمية كبيرة تمثلت في كثرة المدارس ودور التعليم[9]، فانتشار العلم وكثرة التأليف في شتى العلوم، وتعدُّد المجتهدين والحفاظ الذين برزوا في كثير من العلوم؛ كابن تيمية[10]، والحافظ الذهبي، والحافظ المزي والبرزالي، وابن القيم وابن كثير وغيرهم، ولعل أهم أسباب هذه النهضة العلمية والنشاط الفكري:

1- تنافس الأمراء المماليك في تشجيع العلوم وتقريبهم العلماء وإجزال العطاء لهم.

 

2- كثرة الأوقاف على المساجد والمدارس والأربطة من الحكام والأمراء والعامة.

 

3- يقظة الرأي العام الإسلامي بعد تلك المحن والأحداث المؤلمة التي مرت بالأمة الإسلامية.

 

4- وجود علماء أفذاذ وصلوا إلى مرتبة التجديد والاجتهاد في هذه الفترة، وهذا العصر أثَّر على حرية الفكر في البحث والمناظرة في المسائل العلمية والقضاء على التقليد المذهبي الذي هو جمود فكري وإضعاف للحرية الفكرية[11].

 

فهذا العصر الذي عاش فيه ابن كثير كان له أثر كبير على نشأته وتكوينه العلمي ومنهجه الفكري، وأثره الدعوي والإصلاحي، وما خلَّفه من آثار ومؤلفات في التفسير والحديث والتاريخ والفقه، وغير ذلك مما سنتعرض له في الفصول القادمة إن شاء الله.

 

نسبه ومولده ونشأته[12]:

هو الإمام العالم الحافظ المفسر المؤرخ أبو الفداء عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير بن ضوء بن كثير بن زرع القرشي البصري[13]، ثم الدمشقي الفقيه الشافعي، وُلد بمجدل وهي قرية شرقي بُصرى من أعمال دمشق في سنة إحدى وسبعمائة؛ إذ كان أبوه خطيبًا بها، ثم انتقل إلى دمشق سنة سبع وسبعمائة مع أخيه كمال الدين عبدالوهاب بعد موت أبيه، ولندع الإمام ابن كثير نفسه يحدثنا عن نشأته وأسرته، وذلك حين ترجم لوالده في كتابه البداية والنهاية عند دخول سنة ثلاث وسبعمائة، فيقول: «وفيها توفي الوالد وهو الخطيب شهاب الدين أبو حفص عمر بن كثير بن ضوء بن كثير بن ضوء بن درع القرشي من بني حصلة، وهم ينسبون إلى الشرف وبأيديهم نسب ووقف على بعضها شيخنا المزي، فأعجبه ذلك وابتهج به، فصار يكتب في نسبي بسبب ذلك: القرشي - من قرية يقال لها الشركويين من غربي بُصرى بينها وبين أذرعات، وُلِد بها في حدود سنة أربعين وستمائة، واشتغل بالعلم عند أخواله بني عقبة ببصرى، فقرأ البداية في مذهب أبي حنيفة، وحفظ جمل الزجاجي[14]، وعُنِيَ بالنحو والعربية واللغة، وحفظ أشعار العرب، حتى كان يقول الشعر الجيد الفائق الرائق في المدح والمراثي، وقليل من الهجاء، وقُرِّر في مدارس بصرى بمبرك[15] الناقة شمالي البلد.

 

ثم انتقل إلى خطابة القرية شرقي بصرى وتمذهب للشافعي وأخذ عن النواوي[16]، والشيخ تاج الدين الفزاري[17]، وكان يكرمه ويحترمه فيما أخبرني شيخنا العلامة ابن الزملكاني، فأقام بها نحوًا من اثنتي عشرة سنة، ثم تحول إلى خطابة مجدل القرية التي منها الوالدة، فأقام فيها مدة طويلة في خير وكفاية وتلاوة كثيرة، وكان يخطب جيدًا، وله قبول عند الناس، ولكلامه وقع، لديانته وفصاحته وحلاوته، وكان يؤثر الإقامة في البلادلما يرى فيها من الرفق ووجود الحلال له ولعياله، وقد ولد له عدة أولاد من الوالدة، ومن أخرى قبلها، أكبرهم إسماعيل ثم يونس وإدريس، ثم من الوالدة عبدالوهاب وعبدالعزيز ومحمد وأخوات عدة، ثم أنا أصغرهم، وسُمِّيت باسم الأخ إسماعيل؛ لأنه كان قد قدم دمشق، فاشتغل بها بعد أن حفظ القرآن على والده، وقرأ مقدمة في النحو وحفظ «التنبيه» و«وشرحه» على العلامة تاج الدين الفزاري، وحصل المنتخب في أصول الفقه قاله لي شيخنا ابن الزملكاني، ثم إنه سقط من سطح الشامية البرانية، فمكث أيامًا ومات، فوجد الوالد عليه وجدًا كثيرًا، ورثاه بأبيات كثيرة، فلما وُلدت له أنا بعد ذلك سماني باسمه، فأكبر أولاده إسماعيل وآخرهم وأصغرهم إسماعيل، فرَحِمَ الله من سلف وختَم بخير لمن بقِي، توفي والدي في شهر جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعمائة في قرية مجدل القرية، ودفن بمقبرتها الشمالية عند الزيتون، وكنت إذ ذاك صغيرًا من ثلاث سنين أو نحوها لا أدركه إلا كالحلم، ثم تحوَّلنا من بعده في سنة سبع وسبعمائة إلى دمشق صحبة الأخ كمال الدين عبدالوهاب، وقد كان لنا شقيقًا وبنا رفيقًا شفوقًا، وقد تأخَّرت وفاته إلى سنة خمسين وسبعمائة، فاشتغلت على يديه في العلم، فيسَّر الله تعالى ما يسر وسهل منه ما تعسر، والله أعلم »[18].

 

طلبه للعلم:

نشأ ابن كثير منذ طفولته على طلب العلم، فبدأ على يد أخيه عبدالوهاب كما مر، ثم اتجه في تحصيله إلى كبار علماء عصره، فحفظ القرآن وختم حفظه سنة إحدى عشرة وسبعمائة[19]، ثم قرأ شيئًا من القرآن على الشيخ محمد بن جعفر بن فرعوش اللباد المتوفى سنة 724هـ[20]، فقد كان يقرئ الناس بالجامع نحوًا من أربعين سنة، وقرأت عليه شيئًا من القرآن[21].

 

وحفظ التنبيه لأبي إسحاق الشيرازي المتوفى سنة 476هـ[22]، وعرضه في الثامنة عشرة من سنِّه[23]، وحفظ مختصر ابن الحاجب المتوفى سنة 646هـ[24]، وتفقَّه على الشيخين برهان الدين الفزاري المتوفى سنة 729هـ، وكمال الدين قاضي شهبة المتوفى سنة 726هـ، وصاهر الحافظ أبا الحجاج المزي، فتزوَّج ابنته ولازمه، وأخذ عنه علم الحديث ومعرفة الأسانيد والعلل والرجال، وصحب الشيخ تقي الدين ابن تيمية، وكانت له به خصوصية ومناضلة عنه، واتباع له في كثير من آرائه، وكان يفتي برأيه في مسألة الطلاق، وامتحن بسبب ذلك وأُوذي[25]، وهكذا ترقَّى ابن كثير في تحصيل العلوم الشرعية والعربية، حتى بلغ القمة وصار يشار إليه بالبنان، ولذلك قال عنه ابن تغري بردي[26]: «وبرع في الفقه والتفسير والحديث... وجمع وصنَّف ودرس، وحدَّث وألَّف»[27].

وقال الشوكاني: «برع في الفقه والتفسير والنحو وأمعن النظر في الرجال والعلل»[28].

 

فجهاد ابن كثير المتواصل، وحرصه الدائب على طلب العلم وتحصيله منذ نعومة أظفاره، جعلت منه محدثًا كبيرًا، وإمامًا عالِمًا ومفسرًا جليلًا، ومؤرخًا قديرًا وفقيهًا بارعًا، وأمر آخر له أثر كبير في تنوُّع علوم ابن كثير وتعدُّدها، ألا وهو مصاحبته لعلماء كبار في عصره، أمثال المزي والذهبي وابن الزملكاني والبرزالي، وابن تيمية خاصة.

 

إضافة إلى ذلك، فقد كان المنهج الذي سلكه ابن كثير في العلاقة بالسلطة في وقته، هو أن علاقته ليست رسمية بقد ما هي مشاركات في نطاق النصح والإرشاد والمشورة والتعليم وحل المنازعات ونحو ذلك؛ مما كان يُدعى إليه من قِبَل الأمراء وغيرهم، والذين كانوا يحرصون على مشاركة ابن كثير في مثل هذه القضايا والأحداث، وهذا النمط من العلاقة أتاح لابن كثير الحرية الكافية في مؤلفاته وكتاباته، وعدم الخضوع بالتالي لإيحاءات السلطة وإغراءاتها، بل ربما امتحن وأُوذي بسبب صلابته في بعض مواقفه وآرائه، خصوصًا تلك التي تابع فيها شيخه ابن تيمية[29]، لذا نجد في مؤلفاته العلم الغزير والثقافة الواسعة والمعارف المتنوعة، فهي مليئة – خاصة تفسيره وتاريخه – بالحديث عن أهل الكتاب وضلالاتهم، وما حصل من التحريف في كتبهم المنزلة ومحاورته لقساوستهم، ورجال الدين فيهم، وكذلك إلمامه بعقائد المذاهب والفرق الضالة، وبيانه لانحرافها وزَيغها؛ كالقدرية والجهمية والمعتزلة، وكذلك ما حصل من المنازعات والخصومات بين السنة والرافضة.

 

ومعرفته للتتار وشريعتهم التي وضعها هولاكو في كتاب الياسق؛ ليكون دينًا لهم ومرجعًا يتحاكمون إليه، إضافة إلى معرفته بالعلوم الأخرى؛ كعلم الهيئة والفلك والجغرافيا والتاريخ، والأحداث السياسية والاجتماعية التي حدثت في زمانه، وغير ذلك مما يدل على سعة علمه وكثرة اطلاعه، وسنذكر بعض الأمثلة على ذلك بإيجاز، فمثلًا:

• فيما يتعلق بعقائد أهل الكتاب والتحريف الذي حصل في كتبهم، فيذكر رحمة الله عند تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} [المائدة: 12]، «يعني عرفاءَ وعلى قبائلهم بالمبايعة»، وذكر قول ابن إسحاق[30] في أسماء العرفاء، ثم قال: «وقد رأيت في السفر الرابع من التوراة تعداد النقباء على أسباط بني إسرائيل، وأسماء مخالفة لما ذكره ابن إسحاق»[31]، ويحكي قصة تبديل دين المسيح وتحريفه على يد قسطنطين[32]، وأنه جمعهم في محفل كبير من مجامعهم.... ولم يجتمع على مقالة واحدة أكثر من ثلاثمائة وثمانية منهم اتفقوا على قول، وصمَّموا عليه، ومال إليهم الملك وكان فيلسوفًا، فقدَّمهم ونصَرهم وطرد مَن عداهم، فوضعوا الأمانة الكبيرة، بل هي الخيانة العظيمة ووضعوا له كتب القوانين، وشرعوا له أشياءَ، وابتدعوا بدعًا كثيرة، وحرَّفوا دين المسيح وغيَّروه، فابتنى لهم حينئذ الكنائس الكبار في مملكته كلها، بلاد الشام والجزيرة والروم، فكان مبلغ الكنائس في أيامه ما يقارب اثني عشر ألف كنيسة....[33].

 

ومما يدل على تمكن ابن كثير من معرفة عقائد النصارى أن بعض النصارى يسأله ويستشيره في دينه النصرانية كما فعل البترك بشارة، حينما بايعه مطارنة الشام وجعلوه بتركًا بدمشق عوضًا عن البترك بأنطاكية، فذكر له ابن كثير أن هذا أمر مبتدع في دينهم، وبيَّن له السبب في ذلك، ثم قال ابن كثير: «وقد تكلمت معه في دينهم ونصوص ما يعتقده كل من الطوائف الثلاثة، وهم الملكية واليعقوبية – ومنهم الإفرنج والقبط - والنسطورية، فإذا هو يفهم بعض الشيء، ولكن حاصلة أنه حمار من أكفر الكفار»[34].

 

• وكذلك إلمامه ومعرفته بالجغرافيا والفلك يقول رحمه الله عند تفسير قوله تعالى: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ} [الدخان: 25 - 27]: «كانت الجنان بحافتي هذا النهر من أوله إلى آخره في الشقين جميعًا ما بين أسوان إلى رشيد، وكان له سبع خَلُج، خليج الإسكندرية وخليج دمياط وخليج سردوس، وخليج مَنْف، وخليج الفيوم، وخليج المَنْهى، متصلة لا ينقطع منها شيء عن شيء، وزروع ما بين الجبلين كله من أول مصر إلى آخره ما يبلغه الماء، وكانت جميع أرض مصر تروى من ستة عشر ذراعًا لما قدروا ودبروا من قناطرها وجسورها وخلجها»[35].

 

ويقول عن أنوع الرياح عند تفسير قول الله تعالى: {وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } [الجاثية: 5]: «أي جنوبًا وشامًا ودبورًا، وصبا بحرية وبرية ليلية ونهارية، ومنها ما هو للمطر ومنها ما هو للقاح، ومنها ما هو غذاء الأرواح ومنها ما هو عقيم»[36].

 

ويقول عن الكواكب التي في السماء: «وأن منها سيارات وهي المتحيرة في اصطلاح علماء التسيير، وهو غالبه صحيح بخلاف علم الأحكام، فإن غالبه باطل، ودعوى ما لا دليل عليه، هي سبعة القمر في سماء الدنيا وعطارد في الثانية والزهرة في الثالثة... وعندهم أن الأفلاك السبعة بل الثانية تدور بما فيها من الكواكب الثوابت والسيارات في اليوم والليلة، دورة كلية من الشرق إلى الغرب، وعندهم أن كل واحد من الكواكب السيارات يدور على خلاف فلكه من المغرب إلى المشرق، فالقمر يقطع لفلكه في شهر والشمس تقطع فلكها، وهو الرابع في سنة، فإذا كان السَّيْران ليس بينهما تفاوت وحركاتهما متقاربة، كان قدر السماء الرابعة بقدر السماء الدنيا اثنتي عشرة مرة، وزحل يقطع لفلكه وهو السابع في ثلاثين سنة، فعلى هذا يكون بقدر السماء الدنيا ثلاثمائة وستين مرة»[37].

 

وأخيرًا عندما تحدث عن الياسق وهو الكتاب الذي وضعه جنكيز خان ملك التتار؛ ليكون شرعًا متبعًا للتتار يقدمونه على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فقال عند تفسير قوله تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: 50]، «ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شر، وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال، بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكيز خان الذي وضع لهم «الياسق»، وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام تَمَّ اقتباسها من شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية، وفيها كثير من الأحكام من مجرد نظره وهواه، فصارت في بنيه شرعًا متبعًا يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن فعل ذلك منهم، فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله، فلا يُحكم سواه في قليل ولا كثير»[38].

 

شيوخه:

تلقى الحافظ ابن كثير العلم على شيوخ كثيرين[39] لهم قدم راسخة في العلم ومكانة عظيمة عند العامة والخاصة، منهم:

1- إبراهيم بن عبدالرحمن بن إبراهيم بن ضياء بن سباع الفزاري المعروف ببرهان الدين ابن الفِرْكاح، شيخ المذهب وعلمه، ومفيد أهله شيخ الإسلام مفتي الفرق بقية السلف، سمع عليه ابن كثير صحيح مسلم وغيره، وقال: «وبالجملة فلم أر شافعيًّا من مشايخنا مثله»[40]، توفى سنة 729هـ.

 

2- شهاب الدين أبو العباس أحمد بن أبي طالب بن نعمة بن حسن الصالحي الحجازي المعروف بابن الشحنة، سمع ابن كثير عليه بدار الحديث الأشرفية في أيام الشتويات نحوًا من خمسمائة جزء بالإجازات والسماع[41]، توفِّي سنة 730هـ.

 

3- الحافظ أبو الحجاج يوسف بن عبدالرحمن بن يوسف بن عبدالملك جمال الدين ابن الزكي أبو محمد القضاعي الكلبي المشهور بالمزي المتوفى سنة 742هـ، وقد لازم ابنُ كثير المزي وسمع منه أكثر تصانيفه، واستفاد منه في الحديث والرجال، وتخرج على يديه، وصاهره فتزوَّج ابنته، وصار قريبًا منه في بيته، وترجم له ووصف يوم وفاته[42].

 

4- الحافظ الذهبي محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز أبو عبدالله شمس الدين الدمشقي الحافظ للحديث المحقق مؤرخ الإسلام والمسلمين المتوفى سنة 748هـ، وتكرر وصف ابن كثير له بـ«شيخنا» وقال: «وقد ختم به شيوخ الحديث وحفاظه»[43].

 

5- كمال الدين أبو المعالي بن الشيخ علاء الدين على بن عبدالواحد بن خطيب زمكان عبدالكريم بن خلف من نبهان الأنصاري الشافعي ابن الزملكاني المتوفى سنة 727هـ، وصفه ابن كثير بشيخناالعلامة وقال: «انتهت إليه رياسة المذهب تدريسًا وإفتاءً ومناظرة»[44].

 

6- الحافظ علم الدين أبو محمد القاسم بن محمد البرزالي الشافعي المتوفى سنة 739هـ مؤرخ الشام، تكرَّر ذكر ابن كثير له بشيخنا، واعتبر كتابه البداية والنهاية ذيلًا لتاريخ البرزالي، وقال: «هذا آخر ما أرَّخه شيخنا الحافظ البرزالي في كتابه الذي ذيَّل به على تاريخ شهاب الدين أبي شامة، وقد ذيَّلت على تاريخه إلى زماننا هذا، وكان فراغي من الانتقاء من تاريخه في يوم الأربعاء 20 جمادى الآخرة من سنة 751هـ»[45].

 

7- شيخ الإسلام أحمد بن عبدالحليم بن عبدالسلام ابن تيمية الحراني الدمشقي الحنبلي المتوفى سنة 728هـ، صحبه ابن كثير وتعلَّم منه وتفقه عليه وأحبه[46]، بل فُتن بحبه؛ كما قال ابن حجر: «وأخذ عن ابن تيمية ففُتن بحبه وامتُحن بسببه»[47]، وقال ابن العماد[48]: «وصحب ابن تيمية – يعني ابن كثير – وكانت له خصوصية بابن تيمية ومناضلة عنه، وإتباع له في كثير من آرائه، وكان يُفتي برأيه في الطلاق، وامتُحن بسبب ذلك وأُوذي»[49].

 

ويظهر هذا الحب في عبارات ابن كثير المتكررة التي ملؤها الإطراء والثناء والإعجاب بشيخه، فمثلًا حينما ذكر وصف المجلس الذي حضره القضاة والعلماء عند نائب السلطة بالقصر لقراءة عقيدة الشيخ ابن تيمية «الواسطية »، وتكلم الشيخ صفي الدين الهندي[50] مع ابن تيمية كلامًا كثيرًا، فقال ابن كثير: «ولكن ساقيته لا طمت بحرًا»[51].

 

ولَما طلب السلطان العلماء لمناظرة ابن تيمية قال ابن كثير: «فاعتذروا بأعذار بعضهم بالمرض، وبعضهم بغيره لمعرفتهم بما ابن تيمية منطوٍ عليه من العلوم والأدلة، وأن أحدًا من الحاضرين لا يطيقه»[52]، وقد تكرر هذه العبارات كثيرًا عند ابن كثير[53].

 

وليس غريبًا أن يعجب ابن كثير بشيخه هذا الإعجاب، ويصل إلى حد الافتتان؛ كما قال ابن حجر[54]، فليس هو وحده الذي بهره ابن تيمية وأعجبه، بل إن جهابذة العلماء وأكابرهم في ذلك العصر من شيوخ ابن تيمية وأقرانه وتلاميذه وممن يحبه ويعاديه، كل أولئك أعجبوا بابن تيمية، وأدهشتهم شخصيته، وهالَتهم غزارةُ علمه وتنوُّع معارفه، فمثلًا يقول الذهبي وهو من تلاميذ ابن تيمية: «وهو – أي ابن تميمة – أكبر من أن ينبه مثلي على نعوته، فلو حُلِّفتُ بين الركن المقام، لحلَفت ما رأيت بعيني مثله، ولا رأى هو مثل نفسه في العلم»[55].

 

وابن الزملكاني وهو ممن اختلف مع ابن تيمية في آخر حياته، وهمَّ بإيذائه ولكن عاجلته المنية[56]، ومع ذلك فقد وجد ابن كثير بخط الزملكاني: «أنه - ابن تيمية - اجتمعت فيه شروط الاجتهاد على وجهها، وأن له اليد الطولى في حسن التصنيف وجودة العبارة، والترتيب والتقسيم والتبيين

 

كما أن هذا الثناء جاء من شخص بينه وبين ابن تيمية مودة ومحبة منذ الصغر وسماع الحديث والطلب في نحو خمسين سنة»[57]، وقال بعد مناظرة له: «لم ير من خمسمائة سنة.... أحفظ منه»[58]، وكذلك ابن مخلوف[59] قاضي القضاء بمصر، وهو من ألد أعداء ابن يتيمة، وممن حرَّض السلطان على قتْله، لم يسعه إلا أن يعترف بفضل ابن تيمية، وأنه ما رأى مثله، فيقول: «ما رأينا مثل ابن تيمية حرَّضنا عليه، فلم نقدر عليه، وقدر علينا فصفح عنا وحاجَج عنا»[60].

 

وقال ابن دقيق العيد[61]: «لما اجتمعت بابن تيمية رأيت رجلًا العلوم كلها بين يديه، يأخذ منها ما يريد ويدع ما يريد»[62].

 

هذا هو ابن تيمة في عيون محبِّيه وأصحابه وأعدائه، فلا عجب إذًا بعد إيراد مثل هذه النصوص وهي كثيرة[63] أن يُحب ابن كثيرشيخه، بل يفتن في ذلك ويمتحن ويؤذى بسببه[64].

 

ولا شك أن هذه الصحبة لابن تيمية أثرت في حياة ابن كثير تأثيرًا عميقًا، وأفادته في علمه ودينه وخلقه، وتكوين شخصية مستقلة له، فالتجديد الذي تميَّز به ابن كثير مع غزارة العلم وأصالة الفكر، كان فضله يعود بعد توفيق الله إلى علاقته بابن تيمية[65].

 

بل إن ابن كثير نفسه قد تفوَّق على شيخه في تطبيق المنهج النظري الذي صاغه ابن تيمية في تفسير القرآن، وأخذ هذه النظرية عنه تلميذه ابن كثير، نجد أنه يعد خير من طبَّقها، «ولا نغالي إذا قلنا أنه كان أكثر التزامًا بها من أستاذه الذي طالَما استطرد وضمَّن مباحث ومسائل وقضايا، كان الواجب ألا تندرج تحته»[66].

 

وهناك غيرهم ممن ذكرت صرَّح ابن كثير أنه تتلمذ عليهم واستفاد منهم، وذكرهم بقول: «شيخنا»، سأذكر بعضهم على سبيل الإجمال: ضياء الدين عبدالله الزربندي النحوي، قال ابن كثير: «كنتُ ممن اشتغل عليه في النحو توفي سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة[67]، والشيخ نجم الدين موسى بن علي بن محمد المعروف بابن البُصَيْص المتوفي سنة 716هـ؛ قال ابن كثير «شيخ صناعة الكتابة في زمانه لا سيما في المَزوَّج والمثلث وأنا ممن كتب عليه»[68].

 

وشمس الدين أبو عبدالله محمد بن شرف الدين بن حسين بن غيلان البعلبكي الحنبلي المتوفى سنة 730هـ، قال ابن كثير: «عليه ختمت القرآن في سنة أحد عشر وسبعمائة»[69].

 

وشمس الدين أبو محمد بن عبد بن محمد بن يوسف بن عبدالمنعم بن نعمة المقدسي الحنبلي المتوفي سنة 737هـ، قال ابن كثير: «قرأت عليه عام ثلاث وثلاثين وسبعمائة كثيرًا من الأجزاء والفوائد»[70].

 

والقاضي محي الدين أبو زكريا يحيى بن إسحاق بن خليل بن فارس الشيباني الشافعي المتوفى سنة 724هـ، قال ابن كثير: «سمعنا عليه الدارقطني وغيره»[71]، والشيخ محمد بن جعفر فرعوش ويقال له: اللبَّاد المتوفى سنة 724هـ، قال ابن كثير: «قرأت عليه شيئًا من القراءات»[72].

 

والشيخ عفيف الدين محمد بن عمر بن عثمان بن عمر الصِّقلِّي المتوفى سنة 725هـ، قال ابن كثير: «سمعنا عليه شيئًا من سنن البيهقي»[73].

 

والشيخ الصالح أبو الحسين علي بن محمد بن عبدالله الجُبُنِّي المتوفى سنة 717هـ، قال ابن كثير: «صححت عليه العمدة وغيرها»[74].

 

ونجم الدين أبو الحسن علي بن محمد بن عمر بن عبدالرحمن بن عبدالواحد المتوفى سنة 729هـ، قال ابن كثير: «سمعنا عليه الموطأ وغيره»[75]، وجمال الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن نصر الله بن أسد بن حمسة التميمي المعروف بابن القلانسي المتوفى سنة 731هـ، قال ابن كثير: «وهو من أذن لي في الإفتاء، وخرَّج له، فخر الدين البعلبكي مشيخه سمعنا ها عليه»[76].

 

وممن ذكرهم بـ«شيخنا»:

1- ابن تيمية[77] المتوفى سنة 728هـ.

2- الحافظ الذهبي[78] المتوفى سنة 748هـ.

3- الحافظ المزي[79] المتوفى سنة 742هـ.

4- ابن الزملكاني[80] المتوفى سنة 727هـ.

5- البرزالي[81] المتوفى سنة 739هـ.

6- ابن حامد[82] البجلي المتوفى سنة 722هـ.

7- الدمياطي[83] المتوفى سنة 705هـ.

8- والزربندي[84] النحوي المتوفى سنة 723هـ.

9- برهان الدين الفزاري[85] المتوفى سنة 729هـ.

10- عفيف الدين الأزجي[86] الحنبلي المتوفى سنة 728 هـ.

11- أبو محمد عبدالله العفيف المقدسي الحنبلي[87] المتوفى سنة 737هـ.

 

تلاميذه:

ذكر ابن العماد الحنبلي أن تلاميذ ابن كثير عدد كبير[88]، ويؤيد ذلك أن ابن كثير نفسه تولى التدريس في عدة مدارس مثل النجيبية[89] والفاضلية[90]، كما تولَّى مشيخة الحديث بالمدارس ودور الحديث الكبرى؛ مثل المدرسة الصالحية[91]، ودار القرآن والحديث التنكيزية[92]، ودار الحديث الأشرفية الجوانية[93]، وغيرها من المدارس.

 

ومن أشهر تلاميذه:

1- شهاب الدين حجي بن أحمد بن حجي بن موسى بن أحمد شهاب الدين الشافعي[94] المتوفى سنة 816هـ، وقد استفاد ابن حجي من شيخه ابن كثير وأثنى عليه، وقال: «ما اجتمعت به قط إلا استفدت منه ولازمته ست سنين»[95].

 

2- الزركشي محمد بن بهادر بن عبدالله بدر الدين الزركشي الشافعي[96] المتوفى سنة 794هـ، قال ابن حجر[97]: «رحل إلى دمشق فأخذ عن ابن كثير الحديث، وقرأ عليه مختصره في علوم الحديث ومدحه ببيتين»[98].

 

3- ابن الجزري شمس الدين أبو الخير محمد بن محمد بن محمد بن علي بن يوسف الشافعي[99] المتوفى سنة 833هـ، وقد صرح ابن الجزري نفسه بالسماع من ابن كثير؛ حيث قال: «وأما حديث أم زرع، فسمعت شيخنا الحجة عماد الدين إسماعيل ابن كثير يقول... »[100].

 

4- سعد الدين سعد بن يوسف بن إسماعيل النووي[101] المتوفى 805هـ، قال النعيمي: «حمل عن ابن كثير، وقرأ عليه تأليفه اختصار علوم الحديث، وأذِن له ابن كثير في الفتوى»[102]، وغيرهم كثير.

 

صفات ابن كثير وفضائله:

لقد حبى الله سبحانه وتعالى الإمام ابن كثير حافظة قوية ومتميزة وموهبة عالية ومتفوقة ونبوغًا مبكرًا، فحفظ القرآن كما مر معنا وهو في الحادية عشرة من عمره، وحفظ التنبيه في الفقه الشافعي وعرضه، وهو في السنة الثامنة عشرة من سِنِّه.

 

فلذلك وصفه عدد من العلماء بحفظ المتون، فقال شيخه الذهبي: «ويحفظ جُملة صالحة من المتون والرجال وأحوالهم، وله حفظ ومعرفة»[103]، وقال عنه تلميذه ابن حجي: «أحفظ من أدركناه لمتون الأحاديث ورجالها وأعرفهم بجرحها وصحيحها وسقيمها، وكـان أقرانه يعترفون له بذلك »[104] [105].

 

ثم إنه مع حفظه يتَّصف بكثرة الاستحضار، فيصفه ابن العماد، فيقول: «كان كثير الاستحضار قليل النسيان... وكان يستحضر التنبيه ويكرِّر عليه إلى آخر الوقت»[106].

 

وقال تلميذه ابن حجي: «وكان يستحضر كثيرًا من الفقه والتاريخ، قليل النسيان»[107]، ثم إنه رحمه الله مع قوة حفظه واستحضاره، فهو جيد الفهم كما يقول تلميذه ابن حجي: «وكان فقيهًا جيد الفهم صحيح الذهن»[108]، ويقول ابن حجر: «كان جيد الفهم»[109]، ويقول ابن العماد عنه بأنه: «جيد الفهم»[110].

 

ثم إنه رحمه الله صاحب خلق وفضيلة، شعاره العدل والإنصاف، فإن العدل كما يقول رحمه الله: «واجب على كل أحد في كل أحد في كل حال... والعدل به قامت السماوات والأرض»[111]، ويتجلى ذلك في المواقف التي مرَّ بها والأحداث التي عايشها وهي كثيرة جدًّا، وسنتحدث عن ذلك بشكل أكثر في الفصول القادمة إن شاء الله.

 

ثناء العلماء عليه:

إن مكانة ابن كثير العلمية، ومنزلته الرفيعة، وصفاته الحميدة، وأخلاقه العالية، ومحبته للناس، وعدله وإنصافه في التعامل معهم، جعلت شيوخه ورجال عصره يثنون عليه ويعترفون بعلمه ويشيدون بفضله، ويُقرِّون بأمانته وحفظه، فهذا الإمام العيني[112] يقول فيما نقله عنه ابن تغري بردي: «كان قدوة العلماء والحفاظ، وعمدة أهل المعاني والألفاظ، سمع وجمع وصنَّف ودرَّس وحدَّث وألَّف، كان له اطلاع عظيم في الحديث والتفسير والتاريخ، واشتَهر بالضبط والتحرير، انتهى إليه علم التاريخ والحديث والتفسير، وله مصنفات عديدة ومفيدة »[113].

 

وقال عنه شيخه الحافظ الذهبي: «الإمام المفتي المحدث البارع ثقة متفنن ومحدث متقن ومفسر نقَّاد»[114]، وقال أيضًا عنه: «له عناية بالرجال والمتون والفقه، خرَّج وألَّف وناظر، وصنَّف وفسَّر وتقدَّم»[115].

 

وأما ابن حبيب[116]، فيقول عن ابن كثير: «إمام ذوي التسبيح والتهليل، وزعيم أرباب التأويل، سمع وجمع وصنَّف، وأطرب الأسماع بالفتوى، وصنَّف وحدَّث وأفاد، وطارت فتاويه إلى البلاد، واشتهر بالضبط والتحرير، وانتهت إليه رياسة العلم في التاريخ والحديث والتفسير»[117].

 

وقال ابن ناصر الدين[118] الدمشقي: «الشيخ العلامة الحافظ عماد الدين ثقة المحدثين وعمدة المؤرخين وعلم المفسرين»[119].

 

وقال الداودي[120]: «كان قدوة العلماء والحفاظ وعمدة أهل المعاني والألفاظ»[121].

وغير ذلك من عبارات المدح والثناء والإعجاب والتي لو ذكرناها لطال بنا المقام.

 

وفاته:

اتَّفق المؤرخون على أن ابن كثير رحمه الله توفي بدمشق سنة 774هـ في شعبان يوم الخميس في خامس عشر شعبان[122].

 

وحدد الداودي وفاته، فقال: «مات في يوم الخميس السادس والعشرين من شعبان سنة أربع وسبعين وسبعمائة»[123]، وقال ابن تغري بردي: «توفي يوم الخميس سادس وعشرين شعبان سنة أربع وسبعين وسبعمائة بدمشق عن أربع وسبعين سنة»[124].

 

ودُفن رحمه الله بتربة شيخ الإسلام ابن تيمية بمقبرة الصوفية خارج باب الصغير من دمشق، وكانت جنازته مشهودة [125].

 

وقد رثاه أحد طلابه، فقال:

لفقْدك طلاب العلوم تأسَّفوا 

وجادُوا بدمع لا يبيدُ كثير 

ولو مزَجوا ماءَ المدامع بالدما 

لكان قليلًا فيك يا بن كثير[126] 

رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيحَ جنانه، وجزاه على ما قدَّم للإسلام والمسلمين خيرًا.

 


[1] المماليك البحرية: المماليك هم الذين اشتراهم الأيوبيون من بلاد متعددة لتقديمهم، والاستعانة بهم في الداخل والخارج، حتى أصبح لهم نفوذ وكلمة مسموعة، وتدخلوا في شؤون الحكم واستطاعوا تدبير مؤامرة لخلع الملك العادل الثاني الأيوبي، وإحلال الصالح نجم الدين أيوب محله في السلطنة، فأحس نجم الدين بفضل المماليك عليه وأهميتهم له في توطيد سلطانه، والاحتفاظ بملكه، فتوسع في شراء المماليك مع العناية بهم، واختار لهم جزيرة الروضة وسط نيل مصر؛ لتكون لهم مستقرًّا، فأطلق عليهم اسم «المماليك البحرية»، وكانوا من الأتراك والمغول والشراكسة والصقالبة والألبان؛ انظر تاريخ المماليك للدكتور عادل زيتون ص1، وما بعدها المطبعة الجديدة بدمشق 1401هـ، وانظر موجز التاريخ الإسلامي لأحمد معمور العسيري ص 224 -225، طبعة مطابع الابتكار بالدمام الطبعة الثالثة 1420هـ، وانظر ابن كثير الدمشقي للدكتور محمد الزحيلي ص 16-17، طبعة دار القلم بدمشق الطبعة الأولى 1415هـ.

[2] انظر محمد علي كرد، خطط الشام 2/ 123، 124، نشر دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الثانية 1389هـ، وانظر الحافظ عماد الدين اسماعيل ابن كثير، البداية والنهاية 16/ 164 وما بعدها، بتحقيق د/ عبدالله بن عبدالمحسن التركي، طبعة دار هجر بالرياض ط1 1419هـ.

[3] انظر يوسف تغري بردي، النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة 7/ 50، مرجع سابق؟

[4] هو علاء الدين بن محمد بن قلاوون الملك الأشرف بن الملك الناصر من سلاطين الدولة القلاوونية بمصر والشام نصبه الأتابكي « قوصون»، بعد أن قتل أخاه المنصور أبا بكر وكان الأشرف طفلًا، فأجلسه قوصون على السرير بمصر، وتصرَّف هو في أمور المملكة، فاضطربت أحوالها، وثار الأمير أيدغمش، فظفر بقوصون وسجنه وخلع الأشرف، ولبث بضع سنين ومات سنة 746هـ، ومدة سلطته خمسة أشهر وأيام؛ الأعلام 5/ 220.

[5] قوص: بالضم ثم السكون وصاد مهملة، وهي قبطية، وهي مدينة كبيرة واسعة، قصبة صعيد مصر، معجم البلدان، ياقوت الحموي 4/ 413، طبعة دار بيروت 1400هـ.

[6] انظر جلال الدين السيوطي حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة 2/ 116-117، طبع عيسى البابي الحلبي القاهرة 1387هـ.

[7] انظر خطط الشام 2/ 146-147 مرجع سابق.

[8] انظر البداية والنهاية 16/ 93.

[9] ذكر النعيمي في كتابه الدارس في تاريخ المدارس أن مدارس الشافعية 60 مدرسة 1/ 129-472، ومدارس الحنفية حوالي 53 مدرسة 1/ 473-650، ومدارس المالكية أربع مدارس، ومدارس الحنابلة احدى وعشرين مدرسة 2/ 3 وما بعدها، الدارس في تاريخ المدارس عبدالقادر محمد النعيمي، مطبعة الترقي نشر المجمع العلمي العربي بدمشق 1367هـ، وانظر ابن كثير الدمشقي، د. محمد الزحيلي ص 22، طبعة دار القلم دمشق، ط1 1425هـ.

[10] انظر ترجمته ص45.

[11] انظر: سليمان بن إبراهيم اللاحم، منهج ابن كثير في التفسير، ص 15، طبعة دار المسلم للنشر والتوزيع، الرياض ط1، 1420هـ.

[12] وكذلك ينظر ترجمته في:

تذكرة الحفاظ للذهبي 4/ 1508، وذيل تذكرة الحفاظ للحسيني 57-59، المعجم المختص للذهبي 74-75، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2/ 238، والرد الوافر لابن ناصر الدين 92-95، إنباء الغمر لابن حجر العسقلاني 1/ 45-47، والنجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة لابن تغري بردي 11/ 123-124، وطبقات الحفاظ للسيوطي 533-534، والدارس في تاريخ المدارس للنعيمي 1/ 36-37، وطبقات المفسرين للداودي 1/ 111-113، والدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة لابن حجر 1/ 399-400، والمنهل الصافي والمستوفى لابن تغري بردي 2/ 414-416، والإعلان بالتوبيخ لمن ذم أهل التاريخ للإمام السخاوي 676-679، وكشف الظنون للحاجي خليفة 1/ 10، 19، 228،439،471، 550،573،834، 2/ 1102،1105، 1162،1521، 1840، ومفتاح السعادة ومصباح السيادة طاش كبرى زاده 1/ 251-252، وشذرات الذهب في أخبار من ذهب لابن عماد الحنبلي 6/ 231-232، والبدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع للشوكاني 1/ 153، وإيضاح المكنون للبغدادي 2/ 194، والبداية والنهاية للحافظ ابن كثير نفسه في حوادث سنة 703هـ، وتاريخ الأدب العربي لبركلمان 2/ 48-49، والأعلام للزركلي 1/ 320، ومعجم المؤلفين لعمر رضا كحالة 2/ 283-284.

وكذلك ينظر في ترجمته عند محققي كتب ابن كثير في مقدمة التحقيق؛ مثل الباعث الحثيث باختصار علوم الحديث، ترجم له محمد عبدالرزاق حمزة 11-13، وعمدة التفسير لأحمد شاكر 1/ 22-27، ومقدمة مسند الفاروق لابن كثير؛ تحقيق عبدالمعطي قلعجي، ومقدمة جامع المسانيد والسنن الهادي أقوم السنن تحقيق عبدالمعطي قلعجي، ومقدمة الفصول في سيرة الرسول تحقيق محمد عيد الخطراوي، ومحيي الدين مستو، ومقدمة الاجتهاد في طلب الجهاد؛ تحقيق عبدالله عبدالمحسن عسيلان.

[13] نسبة إلى بُصرى الشام.

وقد ضبط بعضهم نسبتها «بُصْروي»؛ انظر ابن كثير الدمشقي للدكتور محمد الزحيلي ص 50، مرجع سابق.

[14] هو عبدالرحمن بن إسحاق النهاوندي الزجاجي أبو القاسم، شيخ العربية في عصره، وُلد في نهاوند، ونشأ في بغداد وسكن دمشق، ونسبته إلى أبي إسحاق الزجاج له كتاب الجمل الكبرى، والإيضاح في علل النحو والزاهر وغيرها توفِّي في طبرية من بلاد الشام سنة 337هـ؛ الأعلام 3/ 299.

[15] وهو المبرك المشهور عند الناس فيما يزعمون: مبرك ناقة صالح عليه السلام، انظر أحمد شاكر عمدة التفسير 1/ 23.

[16] هو يحيى بن شرف بن مري بن حسن الحوراني النووي الشافعي أبو زكريا محي الدين علامة بالفقه والحديث مولده ووفاته في نوا من قرى حوران بسوريا وإليها نسبته تعلم في دمشق وأقام بها زمنا طويلا من كتبه تهذيب الاسماء واللغات ومنهاج الطالبين والاذكار ورياض الصالحين وغيرها توفي سنة 676هـ. الاعلام 8/ 149.

[17] هو عبد الرحمن بن إبراهيم بن سباع تاج الدين أبو محمد الفزاري الامام العلامة، شيخ الشافعية في زمانه، وقد كان ممن اجتمعت فيه متون كثيرة من العلوم النافعة والاخلاق اللطيفة وفصاحة المنطق وحسن التنصيف وعلو الهمة، له كتاب الاقليد واختصار الموضوعات لابن الجوزي توفي سنة 690هـ. البداية والنهاية 17/ 641.

[18] البداية والنهاية 18/ 40-42.

[19] انظر البداية والنهاية 18/ 326.

[20] هو الشيخ محمد بن جعفر بن فرعوش ويقال له: اللباد، ويعرف بالمولَّة كان يقرئ الناس بالجامع نحوًا من أربعين سنة، وكان متقللًا من الدنيا لا يقتني شيئًا، وليس له بيت ولا خزانة، توفي وقد جاوز السبعين رحمه الله؛ البداية والنهاية 18/ 246.

[21] انظر المرجع نفسه 18/ 246.

[22] هو الشيخ أبو إسحاق الشيرازي: إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي شيخ الشافعية، ومدرس النظامية ببغداد، وُلد سنة ثلاث، وقيل: خمس، وقيل: ست وتسعين وثلاثمائة، وتفقَّه بفاس على أبي عبدالله البيضاوي، ثم قدم بغداد سنة خمس عشرة وأربعمائة، وكان زاهدًا عابدًا ورعًا كبير القدر، معظمًا إمامًا في الفقه والأصول والحديث، وفنون كثيرة له مصنفات كثيرة؛ كالمهذب والتنبيه واللمع، وغير ذلك توفي سنة 476هـ؛ البداية والنهاية 16/ 86-87؛ الأعلام 1/ 51.

[23] انظر النعيمي، الدارس 1/ 37؛ مرجع سابق.

[24] هو عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس الدويني، ثم المصري: العلامة أبو عمرو بن الحاجب شيخ المالكية، كان أبوه حاجبًا، واشتغل هو بالعلم فقرأ القراءات، وحرَّر النحو تحريرًا بليغًا، وتفقَّه وساد أهل عصره، ثم كان رأسًا في علوم كثيرة؛ منها الأصول والفروع والعربية والعروض والتعريف والتفسير وغير ذلك، له مختصر في الفقه من أحسن المختصرات، ومختصر في أصول الفقه، استوعب فيه عامة فوائد الأحكام لسيف الدين الآمدي، وله شرح المفصل والأمالي في العربية وغيرها، توفي سنة 646هـ؛ البداية والنهاية 17/ 300.

[25] شذرات الذهب في اخبار من ذهب، عبدالحي بن عماد الحنبلي 6/ 231، 232، طبعة القدسي القاهرة 1350هـ، وطبقات المفسرين للحافظ شمس الدين محمد بن علي الداودي، نشر مكتبة وهبة ط1 1392هـ 1/ 110، الدارس في تاريخ المدارس للنعيمي 1/ 36، البداية والنهاية 18/ 316-317، 18/ 327-328.

[26] هو يوسف بن تغري بردي بن عبدالله الظاهري الحنفي أبو المحاسن جمال الدين مؤرخ بحاثة من أهل القاهرة مولدًا ووفاةً، كان أبوه من مماليك الظاهر برقوق، ومن أمراء جيشه المقدمين، ومات أبوه بدمشق ونشأ في حجر قاضي القضاة البلقيني المتوفي سنة 824هـ، وتأدُّب وتفقُّه، وقرأ الحديث وأولع بالتاريخ، وصنَّف كتبًا نفيسة؛ منها: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة والمنهل الصافي والمستوفي بعد الوافي وغيرها توفي سنة 874هـ؛ الأعلام 8/ 222.

[27] المنهل الصافي والمستوفي بعد الوافي يوسف تغري بردي 2/ 415؛ تحقيق الدكتور محمد محمد أمين، والدكتور سعيد عبدالفتاح عاشور، نشر الهيئة المصرية العامة للكتاب 1984م.

[28] البدر الطالع 1/ 153.

[29] انظر: شمس الدين محمد صديق، منهج ابن كثير وموارده في المبتدأ والسيرة والراشدين من كتابه البداية والنهاية، ص 51 رسالة دكتوراه غير منشورة.

[30] هو محمد بن اسحاق بن يسار المطلبي بالولاء المدني له السيرة النبوية، وكتاب الخلفاء وكتاب المبتدأ والخبر، وهو من حفاظ الحديث، زار الاسكندرية سنة 119هـ وسكن بغداد ومات فيها سنة 151هـ ودفن بمقبرة الخيزران ام الرشيد، قال ابن حبان لم يكن أحد بالمدينة يقارب ابن اسحاق في علمه أو يوازيه في جمعه وهو من أحسن الناس سياقا للأخبار. الأعلام 6/ 28.

[31] تفسير القرآن العظيم للحافظ عماد الدين ابن كثير 2/ 53، طبعة دار عالم الكتب بالرياض، ط2 1418هـ.

[32] هو قسطنطين الكبير واسمه فلايفيسو فاليريوس، وُلد في نايسا (نيس حاليًّا)، وأصبح والده إمبراطورًا للمقاطعات الغربية عام 305م، وعندما توفي عام 306 أعلن الجيش قسطنطين خلفًا لوالده، وهو أول امبراطور روماني يدخل النصرانية، استعاد النصارى خلال حكمه حرية التعبد، وأصبحت الكنيسة النصرانية شرعية، نقل قسطنطين نفوذ الإمبراطورية الرومانية إلى المقاطعات الشرقية، وبذلك أرسى أسس الإمبراطورية البيزنطية توفي سنة 337م؛ انظر الموسوعة العربية العالمية 18/ 171، الناشر مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع بالرياض 1416هـ.

[33] المرجع نفسه 3/ 154، وانظر كذلك 3/ 524.

[34] البداية والنهاية 18/ 716.

[35] تفسير القرآن العظيم 4/ 168.

[36] المرجع نفسه 4/ 175.

[37] البداية والنهاية 1/ 76-77، ونظرًا لعدم نضوج بعض العلوم آنذاك في عصر ابن كثير كعلم الفلك والطب والكيمياء - يراد بها عند القدماء تحويل بعض المعادن إلى بعض، وعلم الكيمياء عندهم يعرف به طرق سلب الخواص من الجواهر المعدنية، وجلب خاصة جديدة لها، ولا سيما تحويلها إلى ذهب؛ المعجم الوسيط ص 808 - ونحوها من العلوم الطبيعية كما هي عليه الآن، فإنه يلتمس العذر لابن كثير فيما يقع فيه أحيانًا من الآراء والأحكام التي تظهر مخالفتها لما هو معلوم في الواقع الحالي، وذلك مثل قوله: «ومعلوم أن اللؤلؤ والمرجان إنما يستخرجان من الملح لا من الحلو»، وذلك عند تفسير قوله تعالى: ﴿ يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ ﴾ [الرحمن: 22] (التفسير 2/ 231 )، وقد ثبت أن بعض الأنهار الحلوة الماء قد يستخرج منها اللؤلؤ كما نصت الآية، ففي القرن الحادي عشر الهجري، السابع عشر الميلادي، تم استخراج اللؤلؤ من بعض الأنهار الواقعة في النصف الشمالي من الكرة الأرضية؛ حيث يعيش بعض أنواع المحار في المياه العذبة، واستخرج اللؤلؤ النهري من أنهار أسكتلندا، وعُرف باللؤلؤ الإنجليزي، وقد بيع قسم منه إلى فرنسا والدول المجاورة الأخرى؛ (منتدى الساحات الإلكترونية www.arabsys.net )، وكذلك في سنة 1988م أنتجت اليابان 71.6 طن من اللؤلؤ من بينها 70 طنًّا من المياه المالحة، و1,7 طن من المياه العذبة، (موقع جامعة الملك عبدالعزيز صفحة الدكتور / سامي عبدالعزيز رحيم الدين www.kau.edu.sa).

وانظر: إسماعيل عبدالعال، ابن كثير ومنهجه في التفسير، ص343-347، مطبعة الملك فيصل الإسلامية، القاهرة، ط1 1984م.

[38] تفسير القرآن العظيم 2/ 88.

[39] بلغ مجموعهم أربعة وأربعين شيخًا، انظر الإمام ابن كثير سيرته ومؤلفاته ومنهجه في كتابه التاريخ، د. مسعود عبدالرحمن الندوي، ص43 مطبعة دار ابن كثير بدمشق، ط1 1420هـ.

[40] البداية والنهاية 18/ 316-317.

[41] المرجع نفسه 18/ 327-328.

[42] المرجع نفسه 18/ 427-428.

[43] البداية والنهاية 18/ 500.

[44] المرجع نفسه 18/ 286.

[45] المرجع نفسه 18/ 408.

[46] كانت صلة ابن كثير بابن تيمية ومحبته له مبكرة، يقول ابن كثير في حوادث سنة 709هـ؛ أي: لما كان عمره ثمان سنوات أو تسع: «وجلست يومًا إلى القاضي صدر الدين الحنفي بعد مجيئه من مصر، قال لي: أتحب ابن تيمية؟ قلت: نعم، فقال لي وهو يضحك: والله لقد أحببتَ مليحًا»؛ البداية والنهاية 18/ 96.

[47] الدر الكامنة في أعيان المائة الثامنة للحافظ أحمد بن حجر العسقلاني 1/ 400، دار الكتب الحديثة، القاهرة، الطبعة الثانية، 1385هـ.

[48] هو عبدالحي بن أحمد بن محمد بن العماد الحنبلي أبو الفلاح، مؤرخ، فقيه، عالم بالأدب، ولد في صالحية دمشق، وأقام في القاهرة مدة طويلة، ومات بمكة حاجًّا، له شذرات الذهب في أخبار من ذهب وشرح متن المنتهى في فقه الحنابلة وغيرها توفي سنة 1089هـ؛ الأعلام 2/ 290.

[49] شذرات الذهب 6/ 231-232.

[50] هو محمد بن عبدالرحيم بن محمد الأرموي أبو عبدالله، صفي الدين الهندي، فقيه أصولي، ولد بالهند وخرج من دهلي سنة 667هـ، فزار اليمن وحج ودخل مصر والروم، واستوطن دمشق، له مصنفات منها نهاية الوصول إلى علم الأصول، والفائق في أصول الدين والزبدة في علم الكلام، وغيرها توفي سنة 715هـ؛ الأعلام 6/ 200.

[51] البداية والنهاية 18/ 53.

[52] المرجع نفسه 18/ 74.

[53] وقد تكررت مثل هذه العبارات عن ابن كثير حينما يذكر شيخه أو يتحدث عن مواقفه، انظر مثلًا البداية والنهاية 18/ 46، 18/ 50، 18/ 53، 18/ 55، 18/ 67، 18/ 84، 18/ 94، 18/ 107، 18/ 256، 18/ 258، 18/ 293، 18/ 298.

[54] هو أحمد بن علي بن محمد الكناني العسقلاني أبو الفضل شهاب الدين ابن حجر، من أئمة العلم والتاريخ، أصله من عسقلان بفلسطين ومولده ووفاته بالقاهرة، ولع بالأدب والشعر، ثم أقبل على الحديث، ورحل إلى اليمن والحجاز وغيرهما لسماع الشيوخ، وعلت له شهرة، فقصده الناس للأخذ عنه، وأصبح حافظ الإسلام في عصره من تصانيفه الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، ولسان الميزان، والإصابة في تمييز الصحابة، وأبناء الغمر بأنباء العمر، وفتح الباري في شرح صحيح البخاري وغيرها، توفي سنة 852هـ؛ الأعلام 1/ 178.

[55] البداية والنهاية 18/ 298.

[56] المرجع نفسه 18/ 298.

[57] المرجع نفسه 18/ 298-299.

[58] الرد الوافر للإمام ابن ناصر الدين الدمشقي ص 103، طبعة المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى 1393هـ بيروت.

[59] هو علي بن مخلوف قاضي القضاة زين الدين من ناهض بن مسلم بن خلف النويري المالكي، سمع الحديث واشتغل وحصَّل، وكان عزير المروءة والاحتمال والإحسان إلى الفقهاء، ومن يقصده، توفي سنة 718هـ ودُفن بسفح المقطم بمصر؛ البداية والنهاية 18/ 185-186.

[60] البداية والنهاية 18/ 95.

[61] هو محمد بن علي بن وهب بن مطيع أبو الفتح، تقي الدين القشيري، المعروف كأبيه وجده بابن دقيق العيد، قاض من أكابر العلماء بالأصول، مجتهد، تعلَّم بدمشق والإسكندرية ثم بالقاهرة، ووَلِيَ قضاء الديار المصرية سنة 695هـ، له تصانيف؛ منها: إحكام الأحكام، والإلمام بأحاديث الأحكام، وكان مع غزارة علمه ظريفًا له أشعار ومُلح وأخبار، توفِّي سنة 702هـ؛ الأعلام 6/ 283.

[62] العقود الدرية لابن عبدالهادي ص10 تحقيق محمد حامد الفقي دار الكتب العلمية بيروت لبنان، والشهادة الزكية في ثناء الأئمة على ابن تيميه تأليف مرعي بن يوسف الكرمي ص29؛ تحقيق وتعليق نجم عبدالرحيم خلف، دار الفرقان للنشر والتوزيع، عمان، الطبعة الثانية 1405هـ.

[63] للاستزادة انظر مثلًا ما قاله:

• أبو الفتح محمد بن محمد بن سعيد الناس اليعمري الشافعي المتوفى سنة 734هـ، قال: «.... برز في كل فن على أشياء جنسه، ولم تر عين من رأه مثله ولا رأت عينه مثل نفسه... كان يتكلم في التفسير فيحضر مجلسه الجم الغفير... إلى أن دب إليه من أهل بلدة زاد الحسد»؛ الرد الوافر ص 57-58، والشهادة الزكية ص 26.

• وقال المزي: «ما رأيت مثله ولا رأى هو مثل نفسه، وما رأيت أحدًا أعلم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا اتباع لهما منه»؛ الرد الوافر ص 213-214، الشهادة الزكية ص 44-45.

• وقال أحمد بن طرخان الملكاوي الشافعي المتوفى سنة 803هـ: «مع ذلك والله إن الشيخ تقي الدين ابن تيمية شيخ الإسلام لو دروا ما يقول لرجعوا إلى محبته وموالاته»، وقال: «كل صاحب بدعة ومن ينتصر له - لو ظهروا – لا بد من خمودهم وتلاشي أمرهم، وهذا الشيخ تقي الدين ابن تيمية كلما تقدمت أيامه تظهر كرامته ويكثر محبوه وأصحابه»؛ الرد الوافر ص 134، وغيرهم كثير انظر دعوة شيخ الإسلام ابن تيمية وأثرها على الحركات الإسلامية تأليف صلاح الدين مقبول أحمد، ج2 ص629-638، طبعة دار ابن الأثير الكويت، ط2 1416هـ.

[64] وليس كما يقول الإمام تقي الدين الحسيني رحمه الله أنه لا يؤخذ بقول ابن كثير وغيره من الذين جالسوا ابن تيمية وهم شباب، فافتتنوا بحبه وبمجالسته؛ يقول: «أن ابن كثير والشمس ابن عبدالهادي والصلاح الكتبي، لا يؤخذ بأقوالهم في ابن تيمية لافتتانهم بمجالسته وهم شباب»؛ الحسيني، ذيل تذكرة الحفاظ ص59.

ولا أدري هل ابن دقيق العيد والمزي والذهبي وابن الزملكاني والبرزالي وغيرهم، كان غاية إعجابهم بابن تيمية وشدة مدحهم وإطرائهم له هو بسبب افتتانهم بمجالستهم له وهم شباب!

[65] انظر الإمام ابن كثير سيرته ومؤلفاته، د. مسعود الندوي، ص49، مطبعة دار ابن كثير بدمشق، ط1 1420هـ.

[66] ابن كثير منهجه في التفسير، د. إسماعيل عبدالعال، ص276.

[67] البداية والنهاية 18/ 229-230.

[68] المرجع نفسه 18/ 159.

[69] المرجع نفسه 18/ 326.

[70] المرجع نفسه 18/ 397.

[71] المرجع نفسه 18/ 248.

[72] المرجع نفسه 18/ 246.

[73] المرجع نفسه 18/ 258.

[74] البداية والنهاية 18/ 170.

[75] المرجع نفسه 18/ 315.

[76] المرجع نفسه 18/ 341-342.

[77] انظر تفسير القرآن العظيم 2/ 389، والبداية والنهاية 8/ 549، 8/ 579، 8/ 587، 9/ 289، 12/ 287، 12/ 598، 15/ 112، 15/ 184، 15/ 278، 17/ 451، 17/ 483، 17/ 591، 17/ 592، 18/ 213، 18/ 237، 18/ 466، 18/ 486، 18/ 510.

[78] انظر البداية والنهاية 4/ 211، 7/ 668، 7/ 677، 7/ 678، 7/ 681، 8/ 568، 9/ 291، 9/ 367، 9/ 604، 9/ 643، 9/ 644، 9/ 668، 9/ 669، 9/ 671، 10/ 30، 10/ 76، 10/ 109، 10/ 160، 10/ 170، 10/ 199، 10/ 202، 10/ 234، 10346، 10/ 400، 11/ 76، 11/ 80، 1183، 11/ 719، 12/ 169، 12/ 371، 12/ 420، 12/ 600، 12/ 659، 13/ 36، 13/ 203،

=  13/ 434، 14/ 654، 14/ 684، 14/ 687، 15/ 112، 19/ 16، 17/ 212، 17/ 363، 18/ 432، 18/ 163، 18/ 165، 18/ 175، 18/ 183، 18/ 187، 18/ 200، 18/ 208، 18/ 210، 18/ 214، 18/ 216.

[79] انظر البداية والنهاية 1/ 9، 1/ 318، 5/ 67، 14/ 552، 14/ 654، 14/ 684، 14/ 396، 18/ 40، 18/ 181، 18/ 235، 18/ 286، 18/ 289، 18/ 300، 18/ 305، 18/ 319، 18/ 423، 18/ 430، 18/ 505، 19/ 65، 19/ 152،19/ 307، 19/ 323، 19/ 437، 19/ 432، 19/ 469، 19/ 471.

[80] انظر المرجع نفسه 9/ 310، 9/ 328، 9/ 334، 9/ 347، 9/ 348، 9/ 351، 9/ 352، 9/ 354، 9/ 355، 9/ 365، 9/ 390، 9/ 392، 9/ 395، 17/ 385، 18/ 41، 18/ 286.

[81] انظر المرجع نفسه 17/ 245، 17/ 514، 18/ 42.

[82] انظر المرجع نفسه 18/ 220.

[83] تنظر المرجع نفسه 18/ 60.

[84] انظر المرجع نفسه 18/ 230.

[85] انظر المرجع نفسه 18/ 311، 18/ 239، 18/ 316.

[86] انظر المرجع نفسه 18/ 306.

[87] انظر المرجع نفسه 18/ 397.

[88] انظر شذرات الذهب 6/ 231.

[89] انظر الدارس في تاريخ المدارس للنعيمي 1/ 468-472، وانظر ص 635 من هذا البحث.

[90] انظر أبناء الغمر بأنباء العمر لابن حجر 1/ 68؛ تحقيق الدكتور حسن حبش إصدار المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية القاهرة 1389هـ، وانظر ص 636 من هذا البحث.

[91] انظر الدارس 1/ 36-326، وانظر ص 635 من هذا البحث.

[92] انظر المرجع نفسه 1/ 123-127، وانظر صفحة 636 من هذا البحث.

[93] انظر المرجع نفسه 1/ 19-47.

[94] انظر شذرات الذهب 7/ 117، الدارس 1/ 138-143، والأعلام لخير الدين الزركلي 1/ 105، طبعة دار العلم للملايين، بيروت – لبنان ط 15، 2002م.

[95] أنباء الغمر 1/ 39، الدارس 1/ 36.

[96] شذرات الذهب 6/ 335، الدر الكامنة 3/ 397.

[97] الدر الكامنة 3/ 397.

[98] والبيتان هما:

لفقدك طلاب العلوم تأسَّفوا 

وجادوا بدمع لا يبيد غزير 

ولو مزجوا ماء المدامع بالدما 

لكان قليلًا فيك يا بن كثير 

وذكرهما ابن تغري بردي في النجوم الزاهرة 11/ 124.

[99] مفتاح دار السعادة ومصباح السيادة في موضوعات العلوم، أحمد مصطفى طاش كبرى زاده 1/ 192 دار الكتب الحديثة، القاهرة 1968م، الأعلام 7/ 274.

[100] المصعد لأحمد بن الجزري، وهو منشور في أول مسند الإمام أحمد؛ تحقيق أحمد شاكر 1/ 31.

[101] شذرات الذهب لابن العماد 7/ 9.

[102] الدارس في تاريخ المدارس 1/ 320.

[103] معجم محدثي الذهبي المعجم المختص لشمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي ص56، حقَّقه وعلق عليه الدكتورة روحية عبدالرحيم السويفي، دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الأولى 1413هـ.

[104] طبقات المفسرين للحافظ شمس الدين محمد بن علي بن أحمد الداودي 1/ 111، نشر مكتبة وهبة، القاهرة ط1 1392هـ، والدارس للنعيمي 1/ 36.

[105] ومع اعتراف أقران ابن كثير له بذلك وشهادة الجهابذة منهم له كالذهبي، إلا أن الحافظ ابن حجر رحمه الله قلل من شأن ابن كثير في معرفة علوم الحديث ورجاله؛ حيث قال في الدرر الكامنة: «ولم يكن على طريقة المحدثين في تحصيل العوالي، وتمييز العالي من النازل، ونحو ذلك من فنونهم، وإنما هو من محدثي الفقهاء» ( 1/ 374)، وهذا عجيب، فكيف يكون ذلك وابن كثير المعروف بسعة علمه في الحديث وعلومه، ومعرفة الأسانيد والعلل، فهو صاحب الموسوعة الضخمة في الحديث «جامع الأسانيد والسنن» الذي جمع فيه أحاديث الكتب الستة والمسانيد الأربعة (الصحيحان وسنن أبي داود والترمذي والنسائي، وابن ماجه ومسند الإمام أحمد والبزار، وأبي يعلي الموصلي ومعجم الطبراني)، وكتاب التكميل في معرفة الثقات والضعفاء والمجاهيل، وكتاب اختصار علوم الحديث اختصر فيه مقدمة ابن الصلاح في المصطلح، إلى جانب أنه لازم شيخه الإمام الحافظ المزي، ولذلك لما نقل السيوطي في ذيل طبقات الحفاظ كلام ابن حجر في أنه «لم يكن على طريقة المحدثين..»، تعقَّبه بقوله: «العمدة في علم الحديث معرفة صحيح الحديث وسقيمه وعلله، واختلاف طرقه ورجاله جرحًا وتعديلًا، وأما العالي والنازل، فهو من الفضلات لا من الأصول المهمة» (ص362)، «وهذا حق»؛ كما يقوله الأستاذ أحمد شاكر في تعقيبه على كلام السيوطي (عمدة التفسير 1/ 27 ).

[106] شذرات الذهب في أخبار من ذهب، عبدالحي بن العماد الحنبلي 1/ 23، طبعة القدسي القاهرة 1350هـ.

[107] طبقات المفسرين 1/ 111.

[108] المرجع نفسه 1/ 111، وطبقات الشافعية؛ لأبي بكر أحمد بن محمد بن عمر بن تقي الدين بن قاضي شهبة 2/ 238، نشر مؤسسة الندوة الجديدة 1407هـ.

[109] إنباء الغمر بأنباء العمر للحافظ أحمد بن حجر العسقلاني، تحقيق الدكتور حسن حبش 1/ 39، إصدار المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة 1389هـ.

[110] شذرات الذهب 6/ 231، وانظر ابن كثير د. محمد الزحيلي ص 118-123، مطبعة دار القلم بدمشق 1415هـ.

[111] انظر تفسير القرآن العظيم 2/ 10.

[112] هو محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد أبو محمد بدر الدين العيني الحنفي، مؤرخ علامة من كبار المحدثين، أصله من حلب، وَلِيَ في القاهرة الحسبة وقضاء الحنفية، ونظر السجون وتقرَّب من الملك المؤيد حتى عد من أخصائه، ثم صُرف عن وظائفه، وعكف على التدريس والتصنيف إلى أن توفي بالقاهرة من كتبه عمدة القارئ في شرح صحيح البخاري، وعقد الجمان في تاريخ أهل الزمان وغيرها، توفي بالقاهرة سنة 855هـ؛ (الأعلام 7/ 163).

[113] النجوم الزاهرة 11/ 123.

[114] الدر الكامنه 1/ 400، وطبقات المفسرين 1/ 111.

[115] تذكرة الحفاظ للإمام أبي عبدالله شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي طبعت دار التراث العربي بيروت 1958.

[116] هو حسن بن عمر بن الحسن بن حبيب أبو محمد بدر الدين الحلبي مؤرخ، من الكتاب المترسلين، وُلِد في دمشق، ونُصب أبوه محتسبًا في حلب، فانتقل معه، فنشأ فيها ونُسب إليها، ثم رحل إلى مصر والحجاز وعاد، وتنقل في بلاد الشام واستقر في حلب، له نسيم الصبا، ودرة الأسلاك في دولة الأتراك، والمقتفى في فضائل المصطفى وغيرها، توفي سنة 779هـ؛ (الأعلام 2/ 208-209).

[117] شذرات الذهب 6/ 231، ومفتاح دار السعادة 1/ 252.

[118] هو محمد بن أبي بكر عبدالله بن محمد بن أحمد بن مجاهد القيس الدمشقي الشافعي شمس الدين الشهير بابن ناصر الدين، وُلد بدمشق سنة 777هـ، ونشأ بها وتفقَّه، وأتقن العلوم واغترف من المعارف، فنَبِهَ ذكره وعلا شأنه، وكان مؤرخًا ثقة حافظًا للحديث، وَلِي مشيخة دار الحديث الأشرفية سنة 837هـ، وارتحل إلى بعلبك وحلب والمدينة المنورة والديار المصرية في طلب العلم ونشره له من المؤلفات عقود الدرر في علوم الأثر والرد الوافر وغيرها، توفي مسمومًا سنة 842هـ، شذرات الذهب 7/ 243، والبدر الطالع 2/ 198.

[119] الرد الوافر ص 92.

[120] هو محمد بن علي بن أحمد شمس الدين الداودي المالكي، شيخ أهل الحديث في عصره، مصري من تلاميذ حلال الدين السيوطي، له كتب منها طبقات المفسرين، وذيل طبقات الشافعية للسبكي للحافظ السيوطي، توفي في القاهرة سنة 945هـ؛ (الأعلام 6/ 291).

[121] طبقات المفسرين 1/ 110.

[122] أبناء الغمر 1/ 400.

[123] طبقات المفسرين 1/ 111.

[124] المنهل الصافي 2/ 415.

[125] النجوم الزاهرة 11/ 124.

[126] المرجع نفسه 11/ 124، المنهل الصافي 2/ 415.

  • 2
  • 0
  • 13,341

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً