من أبجدية السعادة الزوجية - سامح

منذ 2020-11-09

والأسرة السعيدة الهانئة هي التي يعلو فيها هذا الخلق على ما عداه، فالعفو عن الزلات، والصفح عن الأخطاء هي التي تجعل الود والمحبة والألفة بين أفرادها

من أبجدية السعادة الزوجية : سامح

   التسامح خلق نبيل لا يعرفه إلا أصحاب النفوس العالية والأخلاق الرفيعة، وهو خلق أصيل في ديننا، بل وفي عادات العرب وطباعهم، والبيت الواحد والأسرة السعيدة المتآلفة التي يملأ جوانب بيتها هذا الخلق الجميل هي أسعد الأسر وأهنؤها، وأجمل البيوت وأكثرها استقرارًا واطمئنانًا، فكم من شجارات تحدث وخلافات تنشأ بين أفراد الأسرة الواحدة على اختلاف مستوياتها وتعدد أشكالها، فلا تستقيم الحياة بدون خلافات بين الزوج وزوجته، فأنت تتحاور مع زوجتك في أمر ما، لكن سرعان ما ينقلب الحوار الهادئ والنقاش السهل البسيط إلى خلاف واختلاف، وقد يفضي ذلك إلى خصام وتخاصم، والأمر نفسه في أحوال مختلفة، وفي حالات متعددة، والأمر ذاته يكون بين أبنائك وبناتك يختلفون ... يتشجارون ... يضرب بعضهم بعضًا ... ينال الأخ من أخته ... وسرعان ما يصافحها وتصافحه ...

    ولذا فقد جعل ديننا هذا الخلق أساسًا في أخلاق المسلم، قال تعالى: " {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} " [الأعراف:199] ذكر ابن كثير في تفسيرها: "وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله : "خذ العفو " أمره الله بالعفو والصفح عن المشركين عشر سنين، ثم أمره بالغلظة عليهم. واختار هذا القول ابن جرير .وفي سيرته الشريفة ما يدعو للتأمل والوقوف طويلاً أمام أفعاله وأقواله – صلى الله عليه وسلم - فكثيرة هي المواقف التي دلت على عظيم خلقه وجميل سيرته، وإذا ذكر تسامحه ذكر عفوه عن قومه من قريش يوم الفتح، حينما قال – صلى الله عليه وسلم - :" «اذهبوا فأنتم الطلقاء» "، وعن جابر -رضي الله عنه- قال: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-بذات الرقاع (إحدى غزوات الرسول)، «ونزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تحت شجرة فعلَّق بها سيفه. فجاء رجل من المشركين، وسيف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-معلَّق بالشجرة فأخذه، فقال الأعرابي: تخافني؟ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا، فقال الأعرابي: فمَن يمنعك مني؟ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: الله، فسقط السيف من يد الأعرابي، فأخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-السيف فقال للأعرابي: مَن يمنعك مني؟ فقال الأعرابي: كن خير آخذ. فقال -صلى الله عليه وسلم-: تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟ قال: لا، ولكني أُعاهدك ألا أقاتلك، ولا أكون مع قوم يقاتلونك، فخلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سبيله، فأتى أصحابه فقال: جئتكم من عند خير الناس» " [صححه ابن حبان].

   والأسرة السعيدة الهانئة هي التي يعلو فيها هذا الخلق على ما عداه، فالعفو عن الزلات، والصفح عن الأخطاء هي التي تجعل الود والمحبة والألفة بين أفرادها، بل وهي التي تحدث نوعًا من التوافق النفسي بين أفرادها، وأنتَ – أخي الزوج- وأنتِ  - أختي الزوجة- لابد وأن تخلقا فيما بينكما مساحات واسعة للاختلافات، مساحات واسعة للأخطاء، ولا معنى للصفح إن لم يسبق بعتاب، ولا فائدة من القيم والأخلاق الكريمة ما لم تكتسب بعد جهد وعناء فتكون أدوم وأبقى، لا سيما وأنتما القدوة لأبنائكم، وكم من مرات احتدم الخلاف والشجار، وكاد البيت أن ينهار فأنقذته كلمات العفو وعبارات التسامح.

    ورد من حديث ‏النعمان بن بشير ‏ ‏قال ‏‏ «جاء ‏‏أبو بكر ‏ ‏يستأذن على النبي ‏ -‏صلى الله عليه وسلم- ‏فسمع ‏ ‏عائشة وهي رافعة صوتها على رسول الله ‏ -‏صلى الله عليه وسلم- ‏‏فأذن له فدخل فقال يا‏ ‏ابنة أم رومان‏ ‏(وتناولها) أترفعين صوتك على رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم؟! ‏قال فحال النبي ‏ ‏-صلى الله عليه وسلم- ‏ ‏بينه وبينها، قال فلما خرج ‏ ‏أبو بكر جعل النبي ‏ ‏-صلى الله عليه وسلم- ‏ ‏يقول لها ‏ ‏يترضاها ‏ ‏ألا ترين أني قد حلت بين الرجل وبينك ... قال ثم جاء أبو بكر ‏فاستأذن عليه فوجده يضاحكها، قال فأذن له فدخل، فقال له ‏ ‏أبو بكر ‏ ‏يا رسول الله أشركاني في سلمكما كما أشركتماني‏ في حربكما}» [ مسند أحمد].

   من محاسن العفو وجميل خصال التسامح والمغفرة والصفح أن الخليفة العباسي المأمون بن هارون الرشيد ظفر برجل كان يطلبه فلما دخل عليه أمر بضرب عنقه، فقال الرجل : دعني يا أمير المؤمنين أنشدك أبياتًا فقال :

زَعَموا بأن البازَ علقَ مــــــــــــــــــــــــرة            عصفورَ برً ساقَه المقـــــــــــــدور

فتكلمَ العصفورُ تحتَ جناحِه            والبازُ منقضٌ عليــــــــــــــه يطير

ما بي لمــــــــــــــا يغني لمثلِكَ شبعة             ولئن أكلتُ فإِنني لحقـــــــــــــــير

فتبسم البـــــــــــــــــــــــازُ المُدِلُّ بنفسِه             كَرَما وأطلق ذلك العصفور

فأطلقه المأمون وخلع عليه ووصله . وأكرمه

 فاحرص على أخي الكريم:

  • تأصيل هذا الخلق في وفي أهل بيتك ذاتًا وسلوكًا.
  • تدريب الذات والأبناء على التحلي بخلق التسامح في الأفعال والأقوال.
  • ربط أفعالهم بالتحفيز والتعزيز، والتشجيع والمتابعة.
  • القراءة في سير الصالحين فإنهم القدوات الصالحة والمثل العليا.
  • الدعاء بأن يرزقنا الله وإياكم حسن الخلق فهو النعمة البالغة.

وصلِّ اللهم وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه.
 

 

  • 8
  • 1
  • 1,668
المقال السابق
شَاورْهم
المقال التالي
صُنْ

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً