فوائد من تاريخ بغداد للخطيب البغدادي

منذ 2020-12-06

* قال ابن جريج: اختلفت إلى عطاء ثمان عشرة سنة..وجالست عمرو بن دينار بعد ما فرغت من عطاء سبع سنين. * قال يحيى بن القطان: لزمت شعبة عشرين سنة.

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فمن العلماء المتقدمين الذين كانت لهم مصنفات كثيرة: الخطيب البغدادي, (ت 463هجرية ) رحمه الله, ويبلغ مجموع مصنفاته ستة وثمانين مصنفاً, كما ذكر الدكتور أكرم ضياء العمري, في كتابه " موارد الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد "

ويعتبر تاريخ بغداد من أشهر مؤلفاته, وأكبرها, ويحوي (7831) ترجمة من الأعيان, وصفهم الخطيب البغدادي رحمه الله بقوله: وهذه تسمية الخلفاء والأشراف الكبار والقضاة والفقهاء والمحدثين والقراء والزهاد والصلحاء والمتأدبين والشعراء من أهل مدينة السلام, الذين ولدوا بها, أو بسواها من البلدان ونزلوها...... 

وتلك التراجم فيها فوائد, يسّر الله الكريم لي فجمعتُ بعضاً منها, أسأل الله أن ينفع الجميع بها, مع التنبيه أن التراجم الموجودة في الكتاب لا يخلو بعضها من وجود ملاحظات عليها, كوجود قصص, وحكايات, وأخبار, وأقوال فيها مخالفات شرعية, تحتاج إلى تمحيص, وتدقيق, قال الخطيب البغدادي رحمه الله في ترجمة: محمد بن إسماعيل, المعروف بخير النساج: للصوفية عن خير حكايات عجيبة جداً, نحن نذكر بعضها, مع البراءة من عهدتها.

فلو لم يورد مثل هذه الحكايات في كتابه, وما كان على منوالها لكان أولى وأفضل.

ومن أهم الفوائد التي جمعتها ما يلي:  

العلم

الملازمة الطويلة للشيوخ لطلب العلم:

* قال ابن جريج: اختلفت إلى عطاء ثمان عشرة سنة..وجالست عمرو بن دينار بعد ما فرغت من عطاء سبع سنين. * قال يحيى بن القطان: لزمت شعبة عشرين سنة. 

* قال الإمام أبو حنيفة جلست إلى حماد فكنت أسمع مسائله, فاحفظ قوله, ثم يعيدها من الغد فاحفظها,....فصحبته ثماني عشرة سنة. 

كثرة الشيوخ: 

قال ابن المبارك: كتبت عن ألف ومائة شيخ.

أهمية العمل بالعلم:

قال أحمد بن عطاء الروذباري: من خرج إلى العلم يريد العلم لم ينفعه العلم, ومن خرج إلى العلم يريد العمل بالعلم نفعه قليل العلم 

الدعاء للشيوخ والمعلمين:

* قال الإمام أبو حنيفة النعمان: ما صليت صلاة منذ مات حماد إلا استغفرت له مع والدي, وإني لأستغفر لمن تعلمت منه علماً, أو علمته علماً.

* كتب عبدالرحمن بن مهدي إلى الشافعي وهو شاب أن يضع له كتاباً فيه معاني القرآن ويجمع فيه فنون الأخبار, وبيان الناسخ والمنسوخ من القرآن والسنة, فوضع له كتاب " الرسالة ", قال عبدالرحمن بن مهدي: ما أصلى صلاة إلا وأنا أدعو للشافعي فيها.

* قال عبدالله بن محمد بن زياد: سمعت الميموني بالرقة يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ستة أدعو لهم سحراً, أحدهم الشافعي.

 

أهل البدع والأهواء

الحذر من مصاحبة أهل البدع والاهواء:

ذكر يحيى بن معين داود بن المحبر فأحسن الثناء عليه وذكره بخير, وقال: مازال معروفاً بالحديث يكتب الحديث وترك الحديث ثم ذهب فصحب قوماً من المعتزلة, فأفسدوه   

الفرح بموت أهل البدع:

قال بشر بن الحارث: جاء موت هذا الذي يقال له المريسي وأنا في السوق, فلولا أنه كان موضع شهرة لكان موضع شكر وسجود, والحمد لله الذي أماته.

تلاعب الشيطان بأهل البدع:

كان بشر المريسي يخرج إلى ناحية الزابيين ليغتسل, ويتطهر, فمضى وليد الكرابيسي إليه وهو في الماء. فقال: مسألة ؟ قال: وأنا على هذه الحال ؟ قال له: نعم, فقال: أليس رووا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يتوضأ بالمد, ويغتسل بالصاغ, فهذا الذي أنت فيه إيش ؟ قال بشر: إبليس يوسوس لي, ويوهمني أني لم أطهر, فقال الكرابيسي: فهو الذي وسوس لك حتى قلت القرآن مخلوق.

الصلاة

الخشوع في الصلاة: 

كان محمد بن إسماعيل البخاري يصلي ذات يوم فلسعه الزنبور سبع عشرة مرة, فلما قضى صلاته. قال: انظروا إيش هذا الذي آذاني في صلاتي ؟ فنظروا فإذا الزنبور, قد ورمه في سبعة عشر موضعاً ولم يقطع صلاته. 

الحرص على صلاة الجماعة:

قال يحيى بن معين: أقام يحيى بن سعيد القطان أربعين سنة وما رؤى يطلب جماعة قط.

المحافظة على الصف الأول:

قال يحيى القطان: كان الأعمش محافظاً على الصلاة في جماعة, وعلى الصف الأول.

طُرف

دهاء لم ينفع وأضرّ: 

عن عمارة بن عقيل قال: كنت امرأ دميماً داهياً, فتزوجت امرأة حسناء رعناء, ليكون أولادي في جمالها ودهائي, فجاءوا أولادي في رعونتها, وفي دمامتي.

وصية في محلها:

دخل رجل على بشر بن الحارث وهو مريض, فقال له الرجل: أوصني. قال: إذا دخلت على مريض فلا تطل القعود عنده.

خداع الصغار للكبار:

قال المغيرة بن شعبة: ما خدعني أحد في الدنيا إلا غلام من بني الحارث, خطبت امرأة منهم فأصغي إلي الغلام, وقال: أيها الأمير لا خير لك فيها, إني رأيت رجلاً يقبلها, فبلغني أن الغلام تزوجها, قلت: أليس تزعم أنك رأيت رجلاً يقلبها. قال: ما كذبت أيها الأمير, رأيت أباها يقبلها ! فكلما ذكرت قوله علمت أنه خدعني. 

شعر

قال أبو العتاهية:

أيا عجبي كيف يُعصى الإلــــــــــ      ـــــــــه أم كيف يجحدُهُ جـــــاحـــد

ولله في كــــــــــــــــــــــل تحــــــــريكـــــــــةٍ      وفي كل تسكيــــــــــنةٍ شاهــــــــــــــد  

وفي كــــــــل شــــــــــــــيء له آيـــــــة       تدلُّ علــــــــى أنهُ واحـــــــــــــــد 

* وقال: الناسُ في غفلاتهم          ورحى المنية تطحنُ

* وقال: ألم تر أن الفـــــقـــــر يُرجى لهُ الغــــنى        وأن الغــــــنى يُخشى عليه من الفقر

قال ثعلب:

إذا ما شئت أن تبلُو صديقاً         فجرّب وده عند الـــــدراهــــــم  

فعِند طِلابها تـــــبـــــدو هنـــــات          وتعرفُ ثمَّ أخلاقُ الأكـــــارم

* وقال :إذا أنت لم تلبس لباساً من التقى     تقلبت عُرياناً وإن كنـــــت كاســـياً

متفرقات

فضل طاعة الوالدين: 

قال الحسن بن عبدالوهاب بن عبد الحكم: كنتُ قد اعتزمت على الخروج إلى سر من رأي, في أيام المتوكل, فبلغه ذلك والدي فقال لي: يا حسن ما هذا الذي بلغني عنك ؟ قلت: يا أبت ما أريد بذلك إلا التجارة, فقال لي: إنك خرجت لم أكلمك أبداً, فلم أخرج وأطعته, فجلست فرزقني الله بعد ذلك فأكثر, وله الحمد.  

البلاء موكل بالمنطق:

*اجتمع الكسائي واليزيدي عند الرشيدي, فحضرت صلاة يجهر فيها, فقدموا الكسائي يصلي فأرتج عليه في قوله: ( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) [الكافرون:1] فلما أن سلم, قال اليزيدي: قارئ أهل الكوفة يرتج عليه في (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) ؟ فحضرت صلاة يجهر فيها, فقدموا اليزيدي فأرتج عليه في سورة الحمد, فلما أن سلم قال:

احفظ لسانك لا تقول فتبتلى        إن البــــــــلاء مــــــوكل بالمـــــــنطق

قال محمد بن سيرين: عيّرت رجلاً بشيء منذ ثلاثين سنة أحسبني عوقبت به, وكانوا يرون أنه عيّر رجلاً بالفقر فابتلي به. 


 

أثر الجليس على جليسه:

عن أبي أحمد الزبيري قال: كنت إذا جلست إلى الحسن بن صالح رجعت وقد نغص علي ليلتي, وكنت إذا جلست إلى سفيان الثوري رجعت وقد هممت أن أعمل عملاً صالحاً, وكنت إذا جلست إلى شريك بن عبدالله رجعت وقد استفدت أدباً حسناً. المودة والبغضاء:

* دخل اليزيدي على الخليل بن أحمد يوماً, وعنده جماعه, وهو على وسادة جالس فأوسع له, فجلس معه اليزيدي على وسادته, فقال له اليزيدي: أحسبني قد ضيقت عليك ؟ فقال الخليل: ما ضاق شيء على اثنين متحابين, والدنيا لا تسع متباغضين. 

* عن علي قال: القريبُ من قرَّبته المودة وإن بعد نسبه, والبعيد من بعّدته العداوة وإن قرب نسبه.

غيرة على الأعراض ومكارم أخلاق:

قال محمد بن أحمد بن موسى القاضي: حضرت مجلس موسى بن إسحاق القاضي بالري سنة ست وثمانين ومائتين, وتقدمت امرأة فادعى وليها على زوجها خمسمائة ديناراً مهراً, فأنكر, فقال القاضي: شهودك, قال: قد أحضرتهم, فاستدعى بعض الشهود أن ينظر إلى المرأة ليشير إلى شهادتها, فقام الشاهد وقال للمرأة قومي, فقال الزوج تفعلون ماذا ؟ قال الوكيل ينظرون إلى امرأتك وهي مسفرة لتصح عندهم معرفتها, فقال الزوج: وإني أشهد القاضي أن لها عليّ هذا المهر الذي تدعيه, ولا تسفر عن وجهها, فردت المرأة وقد أخبرت بما كان من زوجها, فقالت: إني أشهد القاضي أني قد وهبت له هذا المهر وأبرأته منه في الدنيا والآخرة, فقال القاضي: يكتب هذا في مكارم الأخلاق.

 

فائدة السكوت وعدم إجابة الجاهل:

قال شبيب بن شيبة: من سمع كلمة يكرهها فسكت انقطع عنه ما يكرهه, وإن أجاب سمع أكثر مما يكره.

الصبر على أذى الناس وظلمهم:

عن الهيثم بن معاوية قال: من ظُلِمَ فلم ينتصر بيد ولا بلسان ولم يحقد بقلب, فذاك يضيء نوره في الناس.

عدم تخجيل الناس:

قال الحسن بن علي الدقاق: جاءت امرأة فسألت حاتم الأصم عن مسألة, فاتفق أن خرج منها في تلك الحالة صوت فخجلت. فقال حاتم: ارفعي صوتك, وأرى من نفسه أنه أصمّ. فسرت المرأة لذلك, وقالت: إنه لم يسمع الصوت. فغلب عليه اسم الصمم.

المؤمن الكيس يخاف على نفسه لآفات:

قال محمد بن إسحاق الثقفي: قال بعض الحكماء: المؤمن الكيس شديد الحذر على نفسه, يخاف على عقله الآفات, من: الغضب, والهوى, والشهرة, والحرص, والكبر, والغفلة, وذلك أن العقل إذا كان هو القاهر الغالب ملك هذه الأخلاق الرذيلة, وإذا غلب على العقل واحدة من هذه الأخلاق أورثته المهالك, وأحلت به النقمة, وعدم من الله حسن المعرفة.

البعد عن غيبة الناس:

قال محمد بن إسماعيل البخاري: إني أرجو أن ألقى الله, ولا يحاسبني أني اغتبت أحداً. 


 

الكرم:

عن أبي صالح قال: سألت امرأة الليث بن سعد منّاً من عسل, فأمر لها بزق, فقال له كاتبه: إنما سألت منّاً, فقال: إنها سألتني على قدرها, فأعطيناها على قدر السعة علينا

من نعم العلل والأمراض:

اعتل الفضل بن سهل, ثم برأ, فجاء الناس يهنؤوه بالعافية, فلما فرغوا أقبل على الناس فقال: إن في العلل لنعماً ينبغي للعقلاء أن يعلموها: تمحيص للذنب, وتعرض لثواب الصبر, وإيقاظ من الغفلة, وإدكار للنعمة في حال الصحة, واستدعاء للتوبة, وحض على الصدقة.

مصاحبة أهل التقوى:

عن أبي الربيع الأعرج قال: دخلت على داود الطائي بيته, فقلت له: أوصني, قال: صاحب أهل التقوى إن صحبت فإنهم أقل مؤنة, وأحسن معونة.

حسن الخاتمة

من مات وهو يتلو القرآن:

محمد بن عيسى بن ديزك البروجردي, توفي سنة ( 359 هجرية) وكان يتلو القرآن إلى أن خرجت نفسه.

من مات وهو ساجد: 

يعقوب بن إبراهيم البختري, يعرف بالجراب, توفي وهو ساجد, سنة (322 هجرية) 

ونختم بهذه الفائدة. نسأل الله الكريم حسن الخاتمة

                           كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ

  • 1
  • 0
  • 2,841

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً