مع الصحابة رضي الله عنهم - رحمة الصحابة
(إني لا أجد لهم إلَّا ذلك، والله لو أنهم يعلمون ما لهم عندي، من الرَّأفة، والرَّحْمَة، والشفقة، لأخذوا ثوبي عن عاتقي)
معنى الرحمة:
قال الراغب الأصفهاني: (الرَّحْمَة رقَّة تقتضي الإحسان إلى الْمَرْحُومِ، وقد تستعمل تارةً في الرِّقَّة المجرَّدة، وتارة في الإحسان المجرَّد عن الرِّقَّة)
وقال ابن عاشور في التحرير والتنوير: (هي رِقَّة في النفس، تبعث على سوق الخير لمن تتعدى إليه)
*صور من رحمة الصحابة رضي الله عنهم :
سار صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم على نهجه، واقتدوا به في التمسك بهذا الخلق الكريم، حتى صار الرجل المعروف بشدته، وصرامته، هيِّنًا ليِّنًا، رحيمًا رؤوفًا.
رحمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
- فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي عرف بشدَّته، وقوَّته، تغير الرَّحْمَة من طباعه، فيصبح رقيقًا يمتلأ قلبه رحمةً، ويفيض فؤاده شفقةً، ومما يدل على ذلك قوله لعبد الرحمن بن عوف حينما أتاه يكلمه في أن يلين لهم لأنَّه أخاف النَّاس حتى خاف الأبكار في خدورهن، فقال: (إني لا أجد لهم إلَّا ذلك، والله لو أنهم يعلمون ما لهم عندي، من الرَّأفة، والرَّحْمَة، والشفقة، لأخذوا ثوبي عن عاتقي) .
- ورآه عيينة بن حصن يومًا يقبل أحد أبنائه، وقد وضعه في حجره وهو يحنو عليه، فقال عيينة: أتُقبِّل وأنت أمير المؤمنين؟ لو كنت أمير المؤمنين ما قبلت لي ولدًا. فقال عمر: الله، الله حتى استحلفه ثلاثًا، فقال عمر: فما أصنع إن كان الله نزع الرَّحْمَة من قلبك؟ إنَّ الله إنَّما يرحم من عباده الرُّحماء .
- واشتهى الحوت يومًا، فقال: لقد خطر على قلبي شهوة الطري من حيتان، فخرج يرفأ، في طلب الحوت لعمر رضي الله عنه، ورحل راحلته، فسار ليلتين مدبرًا، وليلتين مقبلًا، واشترى مكتلًا، وجاء بالحوت، ثم غسل يرفأ الدابة، فنظر إليها عمر فرأى عرقًا تحت أذنها، فقال: عذبت بهيمة من البهائم في شهوة عمر، لا والله لا يذوقه عمر، عليك بمكتلك .
(ومرَّ رضي الله عنه براهب فوقف ونودي بالراهب فقيل له: هذا أمير المؤمنين، فاطَّلَع فإذا إنسان به من الضر والاجتهاد وترْكِ الدنيا، فلمَّا رآه عمر بكى، فقيل له: إنَّه نصراني، فقال عمر: قد علمت ولكني رحمته، ذكرت قول الله عزَّ وجلَّ: {عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً} [الغاشية: 3- 4] رحمتُ نصبَه واجتهاده وهو في النَّار) .
- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها، فأطعمتها ثلاث تمرات، فأعطت كل واحدة منهما تمرة، ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها، فاستطعمتها ابنتاها، فشقت التمرة، التي كانت تريد أن تأكلها بينهما، فأعجبني شأنها، فذكرت الذي صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إنَّ الله قد أوجب لها بها الجنة، أو أعتقها بها من النار» [ مسلم] .
- وهذا أبو برزة الأسلمي رضي الله عنه من رحمته أنه كان له جفنة من ثريد، غدوة، وجفنة عشية، للأرامل واليتامى والمساكين .
* موسوعة الأخلاق- الدرر السنية
أبو الهيثم محمد درويش
دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.
- التصنيف: