الحفاظ على المال وحتمية مواجهة الفساد
منذ 2020-12-09
قال عمر رضى الله عنه ( أيها الناس أصلحوا معايشكم ، فإنَّ فيها صلاحاً لكم وصلةً لغيركم )
المعتزبالله الكامل
الحمد لله رب العالمين ، أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا ، وأشهد أن لا إلٰه إلا الله ، وحده لاشريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً .
أمَّا بعد
فإنَّ الشَّريعة الإسلاميَّة التى أنزلها الله عزوجل على خاتم رسله محمد ﷺتنطق بحقيقة لايختلف عليها اثنان ، ولا يتردد فى الإعتراف بها من أوتى حظَّا من العلم ، وهذه الحقيقة هى أنَّ الله عزوجل أنزل هذه الشَّريعة إقامةً لمصالح الخلق ، وتحقيقاً لسعادتهم فى الدُّنيا والآخرة ، وأنَّ كلَّ حكم من أحكامها إنَّما أُنزل لحكمة معينة من جلب مصلحة أودفع مضرَّة للخلق ، فمقصود الشَّرع من الخلق كما قال الإمام الغزالى ( خمسة أشياء وهى حفظ دينهم ونفوسهم وعقولهم ونسلهم وأموالهم ) وقد تضمنت الشَّريعة من الأحكام مايضمن تحقيق هذه الأصول وحفظَها من جانبى الوجود والعدم قال الإمام الشاطبى رحمه الله : ( والحفظ لهذه الضروريات يكون بأمرين : أحدهما : مايقيم أركانها ويثبت قواعدها وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب الوجود ، والثانى : مايدرأ عنها الإختلال الواقع أو المتوقع فيها ، وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب العدم ) الموافقات 2/8
وقد نال حفظ المال جانباً عظيما من هذه التشريعات من حيث ماهيَّته ، وطرق تنميته ، وكيفيَّة حفظه ، وعدم إتلافه ، وهذا ماسنراه فى هذه الإطلالة السريعة .
وأول مايلفت نظرنا فى أمر المال هو أنَّ الإسلام ينظر إلى المال على أنَّه ملك لله على الحقيقة ، وأنّ الإنسان مستخلفٌ فيه ،قال الإمام الزمخشرى فى قول الله تعالى :
أمَّا بعد
فإنَّ الشَّريعة الإسلاميَّة التى أنزلها الله عزوجل على خاتم رسله محمد ﷺتنطق بحقيقة لايختلف عليها اثنان ، ولا يتردد فى الإعتراف بها من أوتى حظَّا من العلم ، وهذه الحقيقة هى أنَّ الله عزوجل أنزل هذه الشَّريعة إقامةً لمصالح الخلق ، وتحقيقاً لسعادتهم فى الدُّنيا والآخرة ، وأنَّ كلَّ حكم من أحكامها إنَّما أُنزل لحكمة معينة من جلب مصلحة أودفع مضرَّة للخلق ، فمقصود الشَّرع من الخلق كما قال الإمام الغزالى ( خمسة أشياء وهى حفظ دينهم ونفوسهم وعقولهم ونسلهم وأموالهم ) وقد تضمنت الشَّريعة من الأحكام مايضمن تحقيق هذه الأصول وحفظَها من جانبى الوجود والعدم قال الإمام الشاطبى رحمه الله : ( والحفظ لهذه الضروريات يكون بأمرين : أحدهما : مايقيم أركانها ويثبت قواعدها وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب الوجود ، والثانى : مايدرأ عنها الإختلال الواقع أو المتوقع فيها ، وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب العدم ) الموافقات 2/8
وقد نال حفظ المال جانباً عظيما من هذه التشريعات من حيث ماهيَّته ، وطرق تنميته ، وكيفيَّة حفظه ، وعدم إتلافه ، وهذا ماسنراه فى هذه الإطلالة السريعة .
وأول مايلفت نظرنا فى أمر المال هو أنَّ الإسلام ينظر إلى المال على أنَّه ملك لله على الحقيقة ، وأنّ الإنسان مستخلفٌ فيه ،قال الإمام الزمخشرى فى قول الله تعالى :
{آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ۖ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ } [الحديد: ٧]
قال الزمخشرى : (يعنى الأموال الَّتى فى أيديكم إنَّما هى أموال الله بخلقه وإنشائه لها ، وإنَّما موَّلكم إيَّاها وخوَّلكم الإستمتاع بها ، وجعلكم خُلفاء فى التَّصرُّف فيها فليست هى بأموالكم فى الحقيقة ، وما أنتم فيها إلاَّ بمنزلة الوكلاء والنُّوَّاب ) الكشاف : 4/473وفى نفس المعنى ورد قول النَّبى ﷺ: «من وجد لُقطةً فليشهد ذوى عدل ،ولا يكتم ولا يعبث ، فإن وجد صاحبها فليرُدَّها عليه ، وإلاَّ فهو مال الله يُؤتيه من يشاء» [رواه الإمام أحمد وأبوداود وابن ماجة] من حديث عياض بن حمار .
ومادام المال مال الله ، ومانحن إلاَّ وكلاءَ ونوَّاب للتصرُّف فى هذا المال ، فيجب علينا ألاَّ نتصرف فى المال إلاَّ وفق أمر الله لنا ، وألا نتعدى حدود ما أذِن الله لنا فيه .
ومادُمنا خلفاء عن الله فنحن مسئولون أمام الله عزوجل الذى استخلفنا فى هذا المال ، قال رسول الله ﷺ« لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة حتى يُسأل عن خمس : عن عمره فيم أفناه ؟ وعن شبابه فيم أبلاه ؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه ؟ وماذا عمل فيما علم؟» [رواه الترمذى] من حديث ابن مسعود .
فالمال من أوَّل مايسأل عنه العبد يوم القيامة ، لهذا جاءت أوامر الشرع بحفظه وعدم إتلافه ، فنهى الله عزوجل عن دفع المال للسفهاء {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا}[النساء: ٥]
قال الزمخشرى : السفهاء : المبذرون أموالهم الَّذين يُنفقونها فيما لاينبغى ولايدى لهم بإصلاحها وتثميرها والتَّصرُّف فيها ، والخطاب للأولياء ) الكشَّاف 1/471
فنهى الله عزوجل الأولياء أن يملِّكوا المال للسُّفهاء الَّذين لا يُحسنون التصرُّف فى المال ، وسمَّى الله عزوجل المال قياما لأنه كما قال الإمام الرازى : لايحصل قيامكم ولا معاشكم إلَّا بهذا المال ، ومن جمع بين ألفاظ القرآن علم أهمِّية المال ، إذ أنَّ الله عزوجل قال فى شأن الكعبة {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ۚ ذَٰلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المائدة: ٩٧]
فسمَّى الكعبة قياماً كما سمى المال قياماً ، فكما أن دين النَّاس لايقوم إلا بالكعبة ، فكذلك لاتقوم دنياهم ومعايشهم إلا بالمال ، وهذا يبيِّن أهمِّية المال ، وضرورته لحياة النَّاس .
وأمر الله عزوجل أولياء اليتامى بأن يختبروا اليتامى إذا بلغوا سن الرشد قبل أن يدفعوا إليهم أموالهم فقال تعالى {وَابْتَلُوا الْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ۖ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا ۚ وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ ۖ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا } [النساء:٦]
ومن التدابير التى وضعتها الشريعة لحفظ المال :
أنَّها أمرت بالتوسُّط فى النَّفقة وعدم الإسراف والتقتير فيها ، قال تعالى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} [الإسراء: 29]
فأمرت بالتوسُّط فى النَّفقة من غير بخل ولا تبذير ، فلزوم الوسطية فى المال يحفظ المال من اكتنازه عند فئة معينة ، ومن منعه من التحرُّك فى حياة النَّاس لينتفع النَّاس جميعا به ، ومن تضييعه فى غير محلِّه بالتَّبذير الذى لا يعود على الناس بالمنفعة المرجوَّة منه .
وجاءت السُّنة بالمتاجرة فى مال اليتيم حتى لا يضيع المال نتيجة لإخراج الزكاة فى كل عام فقال النبى ﷺ( «ألا من ولى يتيماً له مال فليتَّجر فيه ولا يتركه حتى لا تأكله الصَّدقة» ) [رواه الترمذى ] .
ولقد جاءت كلمات السلف الصالح من الصحابة والتابعين مبينة أهمية المال ، ومعظمة لشأنه ، قال عمر رضى الله عنه ( أيها الناس أصلحوا معايشكم ، فإنَّ فيها صلاحاً لكم وصلةً لغيركم ).
وكان سعدبن عبادة يبسط ثوبه ويقول : ( اللهم وسِّع علىَّ فإنَّه لايسعنى إلا الكثير )
وقال محمدبن المنكدر ( نعم العون على تقوى الله الغنى )
ولهذا رأينا كثيرا من الصَّحابة والتَّابعين كانوا أغنياء ، بل من أغنى الناس ، فهذا الزبير بن العوَّام رضى الله عنه قال عنه ابن أبى الدنيا : كان جميع ماله خمسين ألف ألف .
وصولحت امرأة عبدالرحمن بن عوف على ثُمنها ، ثلث الثمن بثلاثمائة وثمانين ألفا .
فهذا وغيره كثير يردُّ الفهم الخاطئ الذى ذهب إليه بعضهم من أن الدنيا والآخرة لايجتمعان لعبد وأن من أراد الآخرة ترك الدُّنيا ، وأن الزهد فى الدنيا بالتخلِّى عن المال بالكُلِّية وترك الدنيا لغير المسلمين يملكونها ، ويفعلون فيها مايشاءون .
فالزهد فى الدُّنيا ليس بترك الكسب وليس بالتخلى عن الدنيا وإنما بأن تكون الدنيا فى يدك ولاتجد طريقا إلى قلبك ، فمتى ما طُلبت منك جُدت بها وأنفقتها ابتغاء وجه الله ، ولهذا كان عمربن عبدالعزيز هو الزاهد الحق ، إذ كانت الدنيا فى يده ولم تجد طريقها إلى قلبه .
وجاءت الشريعة بمحاربة الفساد فى المال
وذلك عن طريق محاربتها للكسب بطرق غير مشروعة مثل الكسب عن طريق التجارة فى الخمر أوالمخدرات ، فقد سُئل النبى ﷺعن أيتام ورثوا خمراً فقال للسائل : «أهرقها , فقال السائل : أفلا نجعلها خلاًّ ؟ قال :لا» . ( رواه أبوداود ) .
وحرَّم النبى ﷺالإحتكار ، فقال ﷺ: «من احتكر فهو خاطئ» ( رواه مسلم ) .
ألا فليعلم المسلمون أن المال الصالح محبوب ، وأنَّ النبى ﷺقال : نعم المال الصالح للرجل الصالح (الأدب المفرد) .
وأن الغنى الشاكر حبيب إلى الله ، حبيب إلى خلقه ، وأنَّ الخير كل الخير فى كسب المال من حلال ، وإنفاقه فى حلال ، وأن المذموم فى المال هو أن يُجمع من حرام ، أو أن يُنفق فى الحرام .
أسأل الله عزوجل أن يرزقنا وإياكم المال الصالح ، وأن يوسِّع أرزاقنا ، وأن يعيننا على استخدام نعمه فيما يرضيه .
كتبه
المعتز بالله الكامل
قال الزمخشرى : (يعنى الأموال الَّتى فى أيديكم إنَّما هى أموال الله بخلقه وإنشائه لها ، وإنَّما موَّلكم إيَّاها وخوَّلكم الإستمتاع بها ، وجعلكم خُلفاء فى التَّصرُّف فيها فليست هى بأموالكم فى الحقيقة ، وما أنتم فيها إلاَّ بمنزلة الوكلاء والنُّوَّاب ) الكشاف : 4/473وفى نفس المعنى ورد قول النَّبى ﷺ: «من وجد لُقطةً فليشهد ذوى عدل ،ولا يكتم ولا يعبث ، فإن وجد صاحبها فليرُدَّها عليه ، وإلاَّ فهو مال الله يُؤتيه من يشاء» [رواه الإمام أحمد وأبوداود وابن ماجة] من حديث عياض بن حمار .
ومادام المال مال الله ، ومانحن إلاَّ وكلاءَ ونوَّاب للتصرُّف فى هذا المال ، فيجب علينا ألاَّ نتصرف فى المال إلاَّ وفق أمر الله لنا ، وألا نتعدى حدود ما أذِن الله لنا فيه .
ومادُمنا خلفاء عن الله فنحن مسئولون أمام الله عزوجل الذى استخلفنا فى هذا المال ، قال رسول الله ﷺ« لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة حتى يُسأل عن خمس : عن عمره فيم أفناه ؟ وعن شبابه فيم أبلاه ؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه ؟ وماذا عمل فيما علم؟» [رواه الترمذى] من حديث ابن مسعود .
فالمال من أوَّل مايسأل عنه العبد يوم القيامة ، لهذا جاءت أوامر الشرع بحفظه وعدم إتلافه ، فنهى الله عزوجل عن دفع المال للسفهاء {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا}[النساء: ٥]
قال الزمخشرى : السفهاء : المبذرون أموالهم الَّذين يُنفقونها فيما لاينبغى ولايدى لهم بإصلاحها وتثميرها والتَّصرُّف فيها ، والخطاب للأولياء ) الكشَّاف 1/471
فنهى الله عزوجل الأولياء أن يملِّكوا المال للسُّفهاء الَّذين لا يُحسنون التصرُّف فى المال ، وسمَّى الله عزوجل المال قياما لأنه كما قال الإمام الرازى : لايحصل قيامكم ولا معاشكم إلَّا بهذا المال ، ومن جمع بين ألفاظ القرآن علم أهمِّية المال ، إذ أنَّ الله عزوجل قال فى شأن الكعبة {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ۚ ذَٰلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المائدة: ٩٧]
فسمَّى الكعبة قياماً كما سمى المال قياماً ، فكما أن دين النَّاس لايقوم إلا بالكعبة ، فكذلك لاتقوم دنياهم ومعايشهم إلا بالمال ، وهذا يبيِّن أهمِّية المال ، وضرورته لحياة النَّاس .
وأمر الله عزوجل أولياء اليتامى بأن يختبروا اليتامى إذا بلغوا سن الرشد قبل أن يدفعوا إليهم أموالهم فقال تعالى {وَابْتَلُوا الْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ۖ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا ۚ وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ ۖ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا } [النساء:٦]
ومن التدابير التى وضعتها الشريعة لحفظ المال :
أنَّها أمرت بالتوسُّط فى النَّفقة وعدم الإسراف والتقتير فيها ، قال تعالى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} [الإسراء: 29]
فأمرت بالتوسُّط فى النَّفقة من غير بخل ولا تبذير ، فلزوم الوسطية فى المال يحفظ المال من اكتنازه عند فئة معينة ، ومن منعه من التحرُّك فى حياة النَّاس لينتفع النَّاس جميعا به ، ومن تضييعه فى غير محلِّه بالتَّبذير الذى لا يعود على الناس بالمنفعة المرجوَّة منه .
وجاءت السُّنة بالمتاجرة فى مال اليتيم حتى لا يضيع المال نتيجة لإخراج الزكاة فى كل عام فقال النبى ﷺ( «ألا من ولى يتيماً له مال فليتَّجر فيه ولا يتركه حتى لا تأكله الصَّدقة» ) [رواه الترمذى ] .
ولقد جاءت كلمات السلف الصالح من الصحابة والتابعين مبينة أهمية المال ، ومعظمة لشأنه ، قال عمر رضى الله عنه ( أيها الناس أصلحوا معايشكم ، فإنَّ فيها صلاحاً لكم وصلةً لغيركم ).
وكان سعدبن عبادة يبسط ثوبه ويقول : ( اللهم وسِّع علىَّ فإنَّه لايسعنى إلا الكثير )
وقال محمدبن المنكدر ( نعم العون على تقوى الله الغنى )
ولهذا رأينا كثيرا من الصَّحابة والتَّابعين كانوا أغنياء ، بل من أغنى الناس ، فهذا الزبير بن العوَّام رضى الله عنه قال عنه ابن أبى الدنيا : كان جميع ماله خمسين ألف ألف .
وصولحت امرأة عبدالرحمن بن عوف على ثُمنها ، ثلث الثمن بثلاثمائة وثمانين ألفا .
فهذا وغيره كثير يردُّ الفهم الخاطئ الذى ذهب إليه بعضهم من أن الدنيا والآخرة لايجتمعان لعبد وأن من أراد الآخرة ترك الدُّنيا ، وأن الزهد فى الدنيا بالتخلِّى عن المال بالكُلِّية وترك الدنيا لغير المسلمين يملكونها ، ويفعلون فيها مايشاءون .
فالزهد فى الدُّنيا ليس بترك الكسب وليس بالتخلى عن الدنيا وإنما بأن تكون الدنيا فى يدك ولاتجد طريقا إلى قلبك ، فمتى ما طُلبت منك جُدت بها وأنفقتها ابتغاء وجه الله ، ولهذا كان عمربن عبدالعزيز هو الزاهد الحق ، إذ كانت الدنيا فى يده ولم تجد طريقها إلى قلبه .
وجاءت الشريعة بمحاربة الفساد فى المال
وذلك عن طريق محاربتها للكسب بطرق غير مشروعة مثل الكسب عن طريق التجارة فى الخمر أوالمخدرات ، فقد سُئل النبى ﷺعن أيتام ورثوا خمراً فقال للسائل : «أهرقها , فقال السائل : أفلا نجعلها خلاًّ ؟ قال :لا» . ( رواه أبوداود ) .
وحرَّم النبى ﷺالإحتكار ، فقال ﷺ: «من احتكر فهو خاطئ» ( رواه مسلم ) .
ألا فليعلم المسلمون أن المال الصالح محبوب ، وأنَّ النبى ﷺقال : نعم المال الصالح للرجل الصالح (الأدب المفرد) .
وأن الغنى الشاكر حبيب إلى الله ، حبيب إلى خلقه ، وأنَّ الخير كل الخير فى كسب المال من حلال ، وإنفاقه فى حلال ، وأن المذموم فى المال هو أن يُجمع من حرام ، أو أن يُنفق فى الحرام .
أسأل الله عزوجل أن يرزقنا وإياكم المال الصالح ، وأن يوسِّع أرزاقنا ، وأن يعيننا على استخدام نعمه فيما يرضيه .
كتبه
المعتز بالله الكامل
- التصنيف: