معيشة الصحابة رضي الله عنهم

منذ 2020-12-09

وعن هلال بن حصين قال: "نزلت على أبي سعيد الخُدْري فضمَّني وإيَّاه المجلس، فحدَّث: أنه أصبح ذات يوم وقد عصب على بطنه حَجَرًا من الجوع"أخرجه أحمد]

{بسم الله الرحمن الرحيم }

عدم وجود طعام لديهم في بيوتهم، وجوعهم الشديد:

عن البراء رضي الله عنه، قال: "إن قيس الأنصاري كان صائمًا فلما حضره الإفطار أتى امرأته فقال: هل عندك طعام؟ فقالت: لا"؛ [أخرجه البخاري].

وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "خرجتُ في غداة شاتية جائعًا وقد أوبقني البرد...والله ما في بيتي شيء آكل منه"؛ [أخرجه أبو يعلى].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: "آلله الذي لا إله إلا هو، إن كنتُ لأعتمدُ بكبدي على الأرض من الجوع، وإن كنتُ لأشُدُّ الحَجَر على بطني من الجوع، ولقد رأيتُني وإني لأخِرُّ فيما بين منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وحجرة عائشة من الجوع مَغشيًّا عليَّ"؛ [أخرجه البخاري]. وعنه رضي الله عنه، قال: "إنهم أصابهم جوع وهم سبعة، فأعطاني النبي صلى الله عليه وسلم سبع تمرات، لكل إنسان تمرة"؛ [أخرجه البخاري].

وعن هلال بن حصين قال: "نزلت على أبي سعيد الخُدْري فضمَّني وإيَّاه المجلس، فحدَّث: أنه أصبح ذات يوم وقد عصب على بطنه حَجَرًا من الجوع"أخرجه أحمد]

طعامهم التمر والماء وورق الشجر:

وعن أُمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها، قالت: " «إن كنا لننظُر إلى الهلال، ثم الهلال، ثم الهلال ثلاثة أهِلَّة في شهرين، ما أوقد في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم بنار، قال ابن الزبير: يا خالة، فما كان عيشكم؟ قالت: الأسودان التمر والماء، إلا أنه كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار وكانت لهم منائح، فكانوا يرسلون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من ألبانها فيسقيناه» [متفق عليه]

وعن جابر رضي الله عنه، قال: " «بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمَّرَ علينا أبا عبيدة نَتَلَقَّى عيرًا لقريش، وزوَّدَنا جِرابًا من تمْرٍ، لم يجد لنا غيرَه، فكان أبو عُبيدة يُعطينا تمرةً تمرةً... نمَصُّها كما يَمَصُّ الصبيُّ، ثم نشرب عليها من الماء فيكفينا يومنا إلى الليل، وكُنَّا نضرب بعِصِيِّنا الخَبَط، ثم نبُلُّه بالماء فنأكُله» "؛ [أخرجه مسلم].

وعن البراء رضي الله عنه، قال: "كنَّا - معشَرَ الأنصار- أصحاب نخل، فكان الرجل يأتي من نخله على قدر كثرته وقلته، وكان الرجل يأتي بالقِنْو والقِنْوَينِ فيُعلِّقه في المسجد، وكان أهل الصُّفَّة ليس لهم طعام، فكان أحدهم إذا جاء أتى القِنْو، فضربه بعصاه، فيسقط البُسْر والتمر فيأكل"؛ [أخرجه الترمذي].

وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: " «لقد كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما لنا من طعام نأكله إلا ورق الحُبْلَة وهذا السَّمُر» "؛ [متفق عليه].

وعن عتبة بن غزوان رضي الله عنه قال: "لقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما لنا من طعام نأكله إلَّا َوَرَقُ الشَّجَر حتى قَرِحَتْ أشداقُنا، فالتقطْتُ بُرْدةً فشَقَقْتُها بيني وبين سعد بن مالك، فاتزرْتُ بنِصْفِها، واتزر سعد بنِصْفِها"؛ [أخرجه مسلم].

لا يوجد لديهم إلا ثوب واحد (إزار):

عن أبي هريرة رضي الله عنه، سُئل النبي صلى الله عليه وسلم: أيُصلي الرجل في الثوب الواحد؟ قال: ((ألِكُلِّكُم ثوبان؟))؛ [أخرجه أحمد].

وعن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: "كنا نصلي في الثوب الواحد حتى جاءنا الله بالثياب"؛ [أخرجه ابن خزيمة].وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: "كان أصحابُ الصُّفَّة سبعين رجلًا ما لهم أردية"؛ [أخرجه الحاكم].

لا يوجد لديهم أكفان تغطي أجسامهم كاملة:

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، " «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أتى على حمزة، فوقف عليه، فرآه قد مُثِّل به، فدعا بنَمِرة، فكَفَّنَه فيها، وكانت إذا مُدَّت على رأسه بدَتْ قدماه، وإذا مُدَّت على قدميه بدا رأسُه» "؛ [أخرجه أحمد].

وعن خباب رضي الله عنه، قال مصعب بن عمير قُتِل يوم أحد ولم يكن له إلا نَمِرة، كُنَّا إذا غطَّينا بها رأسه خرجت رجلاه وإذا غطَّينا رجليه خرج رأسُه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم«غَطُّوا بها رأسَه واجعلوا على رجليه من الإذْخَر» [متفق عليه

وعن عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه، قال: " «قُتل مصعب بن عمير، وكان خيرًا مني، فلم يوجد ما يُكفَّن فيه إلا بُرْدةٌ، وقتل حمزةُ أو رجل آخر خيرٌ مني، فلم يُوجَد له ما يُكفَّن فيه إلا بُرْدةٌ» "؛ [أخرجه البخاري].

قلة الثياب عند نساء الصحابة:

عن أُمِّ عطية رضي الله عنها، قالت: " «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يُخرجُ الأبكار والعَواتِقَ وذوات الخُدُور والحُيَّضَ في العيدين، فأمَّا الحُيَّضُ فيعتزِلْنَ المصلَّى ويَشْهَدْنَ دعوةَ المسلمين، قالت إحداهُنَّ: يا رسول الله، إن لم يكن لها جلباب؟ قال: ((فلتُعِرْها أُخْتُها من جلابيبها))» "؛ [متفق عليه].

عدم وجود مال لديهم للزواج:

عن ربيعة الأسلمي رضي الله عنه، قال: «أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا كئيب، فقال: ((ما لك يا ربيعة؟))، قلت: يا رسول الله، أتيتُ قومًا كِرامًا، فزوَّجُوني، ولم يسألونني بيِّنة وليس عندي ما أصدق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اجمعوا له وزن نواة من ذهب))» ؛ [أخرجه أحمد].

وفي قصة المرأة التي عرضت نفسها على النبي صلى الله عليه وسلم لكي يتزوَّج بها، فلم يجبْها عليه الصلاة والسلام، فقام رجل من الصحابة، فقال: إن لم يكن لك بها حاجة فزوِّجنيها، فقال: (( «هل عندك من شيءٍ؟» ))، فقال: لا؛ ولكن هذا إزاري، فلها نصفه، فقال الرسول عليه الصلاة والسلام: (( «ما تصنع بإزارك؟! إن لبستَهُ لم يكن عليها منه شيء، وإن لبستْهُ لم يكن عليك شيء» ))؛ [أخرجه البخاري ومسلم]، قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: من فوائد الحديث: حال الصحابة رضي الله عنهم، وما هم عليه من الفقر وشظف العيش، ومع ذلك هم صابرون محتسبون، فإن هذا الرجل لا يملك إلا إزارًا فقط.

وعن أُمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: " «ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم منذ قدم المدينة من طعام بر ثلاث ليالٍ تباعًا حتى قُبض» "؛ [متفق عليه]، قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: هذا الرسول صلى الله عليه وسلم الذي لو شاء أن تسير الجبال معه ذَهَبًا لسارات، ومع ذلك تمرُّ عليه ثلاث ليالٍ تباعًا لا يشبع فيها من خبز الشعير أو من خبز البُرِّ، وإذا رأى الإنسان حالنا اليوم وجد أن الإنسان يُقدم له على الغداء عدة أصناف، وعلى العشاء كذلك، ولا كُنَّا نحدِّث أنفسنا بأن هذا من فضل الله علينا، وأنه لو شاء لسلبنا إيَّاه؛ كما قال الله عز وجل: ﴿ {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ * لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا} ﴾ [الواقعة: 63 - 65]، وقال في الماء: ﴿ {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا} ﴾ [الواقعة: 68 - 70]، وقال في النار: ﴿ {أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ} ﴾ [الواقعة: 71، 72].

ونحن في الحقيقة غافلون عن هذه الحقائق كأن هذا أمر معتاد يمرُّ بنا، أو كأنه مفروض علينا ومُحتَّم على الله عز وجل، ولو أننا نظرنا قليلًا في أمكنة قريبة منَّا وجدنا أنهم يموتون من الجوع، ويعجز الشابُّ أن يذهب من بلدته التي فيها الجوع إلى بلدة أخرى؛ بل يموت أثناء الطريق، ونحن الآن في هذه النِّعَم الوفيرة، وليتنا نشعُر بأنها نعم من الله عز وجل وفضل منه وإحسان، فنحمده إذا انتهينا من الأكل أو الشرب؛ بل كثير منَّا في غفلة عن هذا مع أن هذه البلاد يُحدِّثنا أهلها الذين هم أكبر منَّا أنه أتاها مجاعات عظيمة، وكانوا يموتون من الجوع في الأسواق، وكان ذوو الإحسان من الأغنياء من أهل البلد يخرجون بتمرات معجونة وماء، فإذا وجدوا أحدًا على آخر رمق صَبُّوا على فَمِه لعلَّه يبقى ولا يموت، وأحيانًا يموت، ويُصلَّى في المساجد على جنائز متعددة، كلُّ هذا من الجوع، فالذي أصابنا بالأمس يُمكن أن يأتينا اليوم إذا بطِرنا النعمة، ولم نشكرها.

وحدثني شخص أكبر منِّي قليلًا أنه كان إذا أتى أبوه بالنوى اجتمع عليه هو وإخوته، لعلهم يجدون نواة فيها سلب، يأخذونها ويمَصُّونها.

وكذلك حدثني شخص ثقة، قال: أقمنا ثلاثة أيام أنا ووالدتي لا نأكل، فلما كان ذات ليلة عجزنا أن ننام من الجوع، فقالت له: اذهب إلى مبيعة العلف واللحم، لعلك تجد فيها ولو علفًا أو عَظْمًا نطبخه، يقول: فذهبتُ، ووجدت أربع خفاف من خفاف الإبل، وكانوا في الأول يلحونها ويرمونها، وأخذت من العلف، وأتيت به بعد صلاة العشاء، يقول: فجعلنا نطبخ هذا الذي أتينا به من العلف، وشوبنا الخفاف ودققناها، وصرنا نذرُّها على العلف، فلما نضِج أكلناه.

فإذا كان الأمر كذلك فالواجب أن الإنسان يعتبر ويتَّعِظ، وأقول هذا تذكيرًا لنفسي ولغيري بهذا النعم الكثيرة العظيمة الوفيرة التي نرتع فيها، مع الأمن العظيم؛ لكن ألا يمكن أن يُبدَّل هذا الأمن خوفًا، وهذا الرغد جوعًا؟! ﴿ {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} ﴾ [النحل: 112]، واللباس لا يفارق الإنسان، بل هو شعار يُماسُّ البدن، ﴿ {وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} ﴾ [النحل: 33]ولهذا أذكر نفسي وغيري بهذه النعم العظيمة، وأسأل الله أن يُعيننا جميعًا على ذكره وشكره وحُسْن عبادته، فإن الإنسان إذا وكل إلى نفسه وكل إلى ضعف وعجز وعورة؛ لكن عليه أن يستعين الله عز وجل على شكر هذا النعم، وأن يتذكَّر إذا وضعت هذه الموائد بين يديه، وفيها من كل صنف، أن يتذكَّر حال النبي عليه الصلاة والسلام وما هو عليه من الجوع، وقلَّة ذات اليد، ومع هذا فهو صابر، صلوات الله وسلامه عليه، ما سأل الله يومًا من الدهر أن يُنوِّع له أصناف المآكل والمشارب؛ لكنه كان يدعو الله عز وجل أن يجعل رزقه كفافًا، لا يحتاج إلى أحد، حتى إنه عليه الصلاة والسلام جاءه ضيف ذات يوم، فأرسل إلى أهله، فمرَّ الرسول على الأبيات التسعة من أبيات الرسول عليه الصلاة والسلام، فما وجد عندهم إلا الماء، وهذا يُوجب للإنسان أن يزهد في الدنيا، وألا يجعلها إلا مطيَّةً للآخرة, بحيث لا تكون هي أكبر هَمِّه, ومبلغ عِلْمه وهي التي لا يفكر إلا بها, فإن هذه والله دناءة ودنوٌّ وانحطاط لأن الدنيا كما هي دنيا لكن الآخرة هي الحيوان وهي الحياة كما قال الله تعالى: ﴿ {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} ﴾ نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإيَّاكم ممَّن آتاه الله في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، ووقاه عذاب النار.

                        كتبه/ فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ

  • 4
  • 0
  • 5,406

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً