الاقتداء بالرسول ﷺ - من هدي النبي ﷺ وسلم مع زوجاته (أمهات المؤمنين) (1)

منذ 2020-12-09

إن مما لا شك فيه أن لنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة في المحافظة على العلاقة الزوجية القائمة على الودّ، والتآلف، والرحمة والمعاشرة بالمعروف، وذلك برجاحة العقل، ودقة الملاحظة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

وبعد:

إن الزواج نعمةٌ من نعم الله تعالى، امتنَّ به على عباده، قال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21].

 

والزواج سنة من سنن المرسلين، وقد خاطب الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} [الرعد: 38].

 

ومن حكمة الله تعالى ورحمته بعباده أن جعل الرسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، وقدوة طيبة في تطبيق الهدي القولي والعملي في كل مجالات الحياة على وجه العموم ومن هذه المجالات: العلاقات الزوجية القائمة على الاحترام المتبادل، والعشرة الطيبة، وغير ذلك من الحقوق والواجبات التي ينشدها الإسلام.

 

عن ابن عباس قال، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي» [1].

 

قال القاضي عياض: «.. وأما حُسنُ عشرته وأدبه وبسط خلقه صلى الله عليه وسلم مع أصناف الخلق، قال علي بن أبي طالب: في وصفه عليه الصلاة والسلام: كان أوسع الناس صدرا وأصدق الناس لهجة وألينهم عريكة وأكرمهم عشرة»[2].

 

عدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم:

عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه في ليلة واحدة، وله تسع نسوة[3].

 

قال ابن الأثير: اختلف العلماء في عدة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وفي ترتيبهن، وعدة من مات منهن قبله، ومن مات عنهن...؛ إلا أن المتفق عليه أنهن إحدى عشرة امرأة: خديجة، وسودة، وعائشة، وحفصة، وزينب بنت خزيمة، وأم سلمة، وزينب بنت جحش، وأم حبيبة، وجويرية، وميمونة، وصفية، مات منهن في حياته: خديجة، وزينب بنت خزيمة، ومات عن الباقيات وهن تسع، هذا لا خلاف فيه"[4].

 

والمتأمل في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم يلحظ نموذجاً نبوياً رائعاً في علاقاته مع زوجاته رضى الله عنهن من: الحكمة، والمحبة، وإظهار المشاعر النبيلة، وإدراكه مشاعرهن، يتجمل لهن، يساعدهن في أعمال بيته، ويستشرهن في أدق الأمور، ويتعامل مع أخطائهن بأسلوب راق ورائع، ولو استرسلنا في ذكر الهدي النبوي في تعامله مع زوجاته ما استطعنا إلى ذلك سبيلا؛ لكن نكتفي بذكر بعضها، ومنها:

أولاً: الجلسة الأسرية ومشاركته صلى الله عليه وسلم لزوجاته بما حدث له:

يَقُصُّ النبي صلى الله عليه وسلم على أم المؤمنين خديجة ما حدث في الغار، فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، فقال: «زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي»  فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: «لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي» فقالت خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق...[5].

 

فتدبر كمال عقل أم المؤمنين خديجة رضي اللَّه عنها وحسن مواساتها لزوجها تقسم بالله تعالى أنه لا يخزيه " وتستدل على ما أقسمت عليه من نفي الخزي عنه صلى الله عليه وسلم بما يلوح من جزالة رأيها وأنوار معرفتها وفراستها، وكيف لا وهي أول من آمن بالحقيقة لم يشاركها فيه أحد، ووصفته بأصول مكارم الأخلاق، وهو يدل على أن من كان هذه صفاته لا يخزيه اللَّه، ولا يسلك به إلا إلى صراط مستقيم، ولا يحزنه بإصابة المكروهات في الدنيا والدين"[6].

 

إن مما يجب على الزوجة المسلمة أن تقتدي بأم المؤمنين خديجة رضي اللَّه عنها في رفع معنويات زوجها في كل أوقاته على وجه العموم، ووقت الشدة على وجه الخصوص فتعمل على طمأنة قلب زوجها وهدوء نفسه، وتخفيف روعه، وتسكين فزعه، ولما اطمأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم تتركه؛ بل ذهبت إلى ورقة بن نوفل ابن عمها، لترى حقيقة الأمر وتطمئن الرسول صلى الله عليه وسلم لما رأى.

 

ثانياً: يصرح صلى الله عليه وسلم بحبهن:

كان صلى الله عليه وسلم يظهر مشاعره النبيلة بحب زوجاته ويجاهر بذلك أمام الصحابة رضي الله عنهم، عن عمرو بن العاص، أن النبي صلى الله عليه وسلم، بعثه على جيش ذات السلاسل، فأتيته فقلت: « أي الناس أحب إليك؟ قال: «عَائِشَةُ»، فقلت: من الرجال؟ فقال: «أَبُوهَا»، قلت: ثم من؟ قال: «ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ»، فعد رجالا [7].

 

فأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أحب النساء إليه من حيث، أن لها من العلم والفضيلة ما استحقت به أن تفضل على سائر النساء[8].

 

ولم يمنع حب الرسول صلى الله عليه وسلم لأم المؤمنين عائشة في أن يصرح بحبه لأم المؤمنين خديجة، ويظهر مكانتها في قلبه، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: ما غرت على نساء النبي صلى الله عليه وسلم، إلا على خديجة وإني لم أدركها، قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذبح الشاة، فيقول: «أَرْسِلُوا بِهَا إِلَى أَصْدِقَاءِ خَدِيجَةَ» قالت: فأغضبته يومًا، فقلت: خديجة فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي قَدْ رُزِقْتُ حُبَّهَا» [9].

 

ثالثاً: يراعي مشاعرهنّ، ويتلطّف بهنّ:

كان صلى الله عليه وسلم يراعي مشاعر زوجاته، ويعلم من كلماتهن، ومن نبرات صوتهن، وتعابير وجههن، وقت رضاهن ووقت غضبهن، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي لَأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى» قالت: فقلت: من أين تعرف ذلك؟ فقال: «أَمَّا إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، فَإِنَّكِ تَقُولِينَ: لاَ وَرَبِّ مُحَمَّدٍ، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى، قُلْتِ: لاَ وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ»، قالت قلت: أجل، والله يا رسول الله ما أهجر إلا اسمك[10].

 

قال الطيبي: « قولها: «ما أهجر إلا اسمك» هذا الحصر من اللطف في الجواب؛ لأنها أخبرت أنها إذا كانت في غاية من الغضب الذي يسلب العاقل اختياره، لا يغيرها عن كمال المحبة المستغرقة ظاهرها وباطنها الممتزجة بروحها، وإنما عبرت عن الترك بالهجران؛ لتدل بها علي أنها تتألم من هذا الترك الذي لا اختيار لها فيه»[11].

 

ختاماً:

إن مما لا شك فيه أن لنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة في المحافظة على العلاقة الزوجية القائمة على الودّ، والتآلف، والرحمة والمعاشرة بالمعروف، وذلك برجاحة العقل، ودقة الملاحظة.

 

نسأل الله تعالى بمنه وكرمه الإخلاص والقبول، وأن يصلح لنا ولجميع المسلمين نياتنا، وأزواجنا، وذرياتنا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 


[1] "سنن ابن ماجه" (1/ 636) قال الشيخ الألباني: صحيح.

[2] "الشفا بتعريف حقوق المصطفى" (1/ 119).

[3] "صحيح البخاري" (7/3).

[4] "جامع الأصول" (12/ 95).

[5] "صحيح البخاري" (1/ 7)، و"صحيح مسلم" (1/ 141).

[6] "لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح" (9/ 329).

[7] "صحيح البخاري" (5/ 5)، "صحيح مسلم" (4/ 1856).

[8] "الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم" (23/ 519).

[9] "صحيح مسلم" (4/ 1888).

[10] "صحيح البخاري" (7/ 36)، و"صحيح مسلم" (4/ 1890).

[11] "شرح المشكاة" للطيبي = "الكاشف عن حقائق السنن" (7/ 2328).

____________________________________

الكاتب: سلامة إبراهيم محمد دربالة النمر

  • 8
  • 1
  • 12,865
المقال السابق
من هدي النبي ﷺ في التعامل مع المشاكل والخلافات التي وقعت في بيته (3)
 

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً