مع الصحابة رضي الله عنهم - رفق الصحابة

منذ 2020-12-14

فكتب إليه معاوية : إنَّ التفهم في الخبر زيادة رشد ، وإنَّ الرشيد من رشد عن العجلة ، وإن الخائب من خاب عن الأناة ، ومن لا ينفعه الرِّفق يضره الخرق

معنى الرفق:

قال ابن حجر في تعريف الرِّفق: (هو لين الجانب بالقول، والفعل، والأخذ بالأسهل، وهو ضد العنف)   .
وقال القاري: (هو المداراة مع الرفقاء، ولين الجانب، واللطف في أخذ الأمر بأحسن الوجوه، وأيسرها)
رفق عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
- عن زيد بن وهب قال: خرج عمر رضي الله عنه ويداه في أذنيه وهو يقول: يا لبيكاه يا لبيكاه، قال النَّاس: ما له؟ قال: جاءه بريد من بعض أمرائه أنَّ نهرًا حال بينهم وبين العبور ولم يجدوا سفنًا، فقال أميرهم: اطلبوا لنا رجلًا يعلم غور الماء. فأتي بشيخ فقال: إني أخاف البرد وذاك في البرد، فأكرهه فأدخله، فلم يلبثه البرد، فجعل ينادي: يا عمراه يا عمراه! فغرق، فكتب إليه فأقبل فمكث أيامًا معرضًا عنه، وكان إذا وجد على أحد منهم فعل به ذلك، ثم قال: ما فعل الرجل الذي قتلته؟ قال: يا أمير المؤمنين، ما تعمدت قتله، لم نجد شيئًا يعبر فيه، وأردنا أن نعلم غور الماء، ففتحنا كذا وكذا، وأصبنا كذا وكذا، فقال عمر رضي الله عنه: لرجل مسلم أحبُّ إليَّ من كلِّ شيء جئت به، لولا أن تكون سُنَّة لضربت عنقك، اذهب فأعط أهله ديته، واخرج فلا أراك    [رواه البيهقي في السنن الكبرى]  .
- وعن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال: (خرجت مع عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، إلى السوق، فلحقت عمر امرأة شابَّة فقالت: يا أمير المؤمنين هلك زوجي، وترك صبية صغارًا، والله ما ينضجون كراعًا  ، ولا لهم زرع، ولا ضرع، وخشيت أن تأكلهم الضبع، وأنا بنت خُفاف بن إِيماء الغفاري، وقد شهد أبي الحديبية مع النَّبي صلى الله عليه وسلم، فوقف معها عمر ولم يمض، ثُمَّ قال: مرحبًا بنسب قريب، ثم انصرف إلى بعير ظهير  كان مربوطًا في الدار، فحمل عليه غرارتين  ملأهما طعامًا وحمل بينهما نفقة وثيابًا، ثم ناولها بخطامه، ثُمَّ قال: اقتاديه فلن يفنى حتى يأتيكم الله بخير، فقال رجل: يا أمير المؤمنين، أكثرت لها، قال عمر: ثكلتك أمُّك، والله إني لأرى أبا هذه وأخاها قد حاصرا حصنا زمانًا فافتتحاه، ثم أصبحنا نستفيء  سهمانهما فيه)  [البخاري]  .
- وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يذهب إلى العوالي كل يوم سبت، فإذا وجد عبدًا في عمل لا يطيقه وضع عنه [رواه مالك]  .

بلغ عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنَّ جماعة من رعيته اشتكوا من عماله ، فأمرهم أن يوافوه ، فلما أتوه قام فحمد الله وأثنى عليه ، ثُمَّ قال : أيَّتها الرعية .. إنَّ لنا عليكم حقًّا : النصيحة بالغيب ، والمعاونة على الخير .. أيَّتها الرعاة .. إنَّ للرعيَّة عليكم حقًّا ، فاعلموا أنَّه لا شيء أحب إلى الله من حلم إمام ورفقه ، وليس جهل أبغض إلى الله من جهل إمام وخرقه .

وروي أنَّ عمرو بن العاص كتب إلى معاوية يعاتبه في التأني ، فكتب إليه معاوية : إنَّ التفهم في الخبر زيادة رشد ، وإنَّ الرشيد من رشد عن العجلة ، وإن الخائب من خاب عن الأناة ، ومن لا ينفعه الرِّفق يضره الخرق ، ومن لا ينفعه التجارب لا يدرك المعالي .

وعن الشعبي قال : غُشي على مسروق في يوم صائف ، وكانت عائشة قد تبنته ، فسمَّى ابنته عائشة ، وكان لا يعصي ابنته شيئًا ، فنزلت إليه فقالت : يا أبتاه .. أفطر واشرب ؛ قال : ما أردت لي يا بُنية ؟ قالت: الرِّفق ؛ قال : يا بنية .. إنَّما طلبت الرِّفق لنفسي في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة .

 

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.

  • 8
  • 2
  • 3,186
المقال السابق
رحمة الصحابة
المقال التالي
سلامة صدور الصحابة

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً